ذكرنا فيما مضى من مقالات -موثقاً- أن الإمام الحافظ النسائي صاحب كتاب السنن أحد الكتب المرجعية في فكر أهل السنة والجماعة كان مناهضاً لخصوم الإمام علي كمعاوية وعمرو .. ونذكر الآن غيره رحمه الله تعالى، وبيَّن الذهبي من كان يناصر معاوية ويتعصب له أي كان على مذهب النصب فقال في "سير أعلام النبلاء" (3/128):
[وخلف معاوية خلق كثير يحبونه ويتغالون فيه ويفضلونه، إما قد ملكهم بالكرم والحلم والعطاء، وإما قد ولدوا في الشام على حبه، وتربى أولادهم على ذلك. وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة، وعدد كثير من التابعين والفضلاء، وحاربوا معه أهل العراق، ونشؤوا على النصب، نعوذ بالله من الهوى..].
ومن أولئك الأئمة الأعلام والحفاظ الذين لم يرضوا بمعاوية من أهل السنة والجماعة ولم يقبلوه:
1- الإمام الحاكم صاحب "المستدرك" (توفي 405هـ):
قال الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (17/175) والحافظ الإمام السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" (4/163):
لمَّا قيل للإمام الحاكم حدِّث بفضائل معاوية حتى يكفُّوا عنك، فقال:
(لا يجـيىء من قلبي . يعني معاوية).
2- الإمام عبد الرزاق صاحب المصنف المتوفى سنة (211هـ) :
ففي "سير أعلام النبلاء" (9/570) قال عبد الرزاق لرجل: [ لا تقذِّر مجلسنا بذكر ابن أبي سفيان ].
وعبد الرزاق إمام كبير من أهل السنة وهو من شيوخ أحمد بن حنبل ، ومُصَنَّفُه من مراجع أهل السنة في أخذ الآحاديث والآثار.
3- أبو غسان النهدي الكوفي وأئمة الحفاظ والمحدثين الكوفيين من شيوخ البخاري وأبو زرعة وأبي حاتم وطبقتهم :
أورد الذهبي في "سير النبلاء" (10/432) في ترجمة أبي غسان النهدي -وهو من رجال الستة- قال الذهبي:
[أبو أحمد الحاكم: حدثنا الحسين الغازي قال: سألت البخاري عن أبي غسان قال: وعمَّاذا تسأل؟ قلت: التشيع -يقصد التشيع السني الذي معناه موالاة أهل البيت ومحبتهم ومعاداة معاوية وشيعته- فقال : هو على مذهب أهل بلده ولو رأيتم عبيدالله بن موسى، وأبا نُعَيم وجماعة مشايخنا الكوفيين لما سألتمونا عن أبي غسان.
قلت (الذهبي): وقد كان أبو نُعَيم وعبيد الله مُعَظِّمَين لأبي بكر وعمر، وإنما ينالان من معاوية وذويه] انتهى كلام الذهبي .
4- وأما عبيد الله بن موسى: فلم يَدَعْ أحداً اسمه معاوية يدخل بيته ولا كان يحدث قوماً فيهم مَنْ اسمه معاوية كما في ترجمته في "سير النبلاء" (9/556-557).
5- وقال الإمام المازري المالكي (٤٥٣ - ٥٣٦ هـ) في "شرح البرهان":
[لسنا نعني بقولنا الصحابة عدول كل من رآه صلى الله عليه وآله وسلم يوماً أو زاره أو اجتمع به لغرضٍ وانصرف عن كثب وإنما نعني به الذين لازموه وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون انتهى].
والإمام المازري من أعلام أهل السنة والجماعة وقد وصفه الذهبي في "السير" (20/104) بقوله :
[الشيخ الإمام العلامة البحر المتفنن أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المازري المالكي، مصنف كتاب: "المعلم بفوائد شرح مسلم" .... وكان أحد الأذكياء الموصوفين والأئمة المُتَبَحِّرِين ... وكان بصيراً بعلم الحديث].
فتبين بهذا أن مسألة عدالة جميع الصحابة ليست اتفاقية عند أهل السنة والجماعة بل المخالفون فيها كثيرون فعلى العاقل أن يتبع الصواب وما نُصَّ عليه في الكتاب والسنة ويترك التعصب لمعاوية وأمثاله!!
طوليقل كل إنسان ما رآه الحق والصواب ولا يحجر بعضنا على بعض القول بلا تعصب ولا سباب وشتائم واتهامات باطلة!
والله الموفق والهادي إلى الصواب!!