الجواب عن حديث:(عَجِبَ اللهُ من قوم يدخلون الجنة في السلاسل).

شرح الحديث
Post Reply
عود الخيزران
Posts: 901
Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm

الجواب عن حديث:(عَجِبَ اللهُ من قوم يدخلون الجنة في السلاسل).

Post by عود الخيزران »

بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب عن حديث:(عَجِبَ اللهُ من قوم يدخلون الجنة في السلاسل).


أقول: والحديث هو ما رواه البخاري في صحيحه (۳۰۱۰) في كتاب الجهاد والسير قال:

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى

اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «عَجِبَ اللهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ ».

والكلام على هذا الحديث من عدة وجوه:

1 - هذا حديث آحاد انفرد به البخاري ولم يخرجه مسلم. وهو في العقائد التي يطلب فيها القطع لأن فيه

إثبات العجب الله تعالى وهو محال، وإكراه أناس على دخول الجنة بالسلاسل وهم يأبونها .

فأهل الجنة يدخلونها مكرمين معززين وليسوا مقادين بالسلاسل والأغلال، قال تعالى في الجنة ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ). والسلاسل والقيود هي لأهل النار، قال تعالى: ﴿إِذْ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ) وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلًا وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا فمن جاء بهذا الحديث وحاشا سيدنا رسول صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك يريدون أن يقلبوا الحقيقة فيجعلوا السلاسل لأهل الجنة بدلاً من أهل النار !

٢- وقد روي هذا أيضاً في صحيح البخاري من كلام أبي هريرة موقوفاً وليس من الحديث المرفوع وهذا ما يعلل به الحديث، فقد رواه البخاري موقوفاً أيضاً وهذا يفيد أنه قد يكون مما تلقاه أبو هريرة

من أهل الكتاب قال البخاري في صحيحه (٤٥٥٧):

خَيْرَ أُمَّةٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَنْ أَبِي أَبِ حَازِمٍ، عَنْ أَبِي أَبِي هُرَيْرَةَ كُنْتُمْ خَيْرَ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قَالَ: خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الإسلام.

وقد نص كثير من العلماء بأن هناك روايات تلقاها أبو هريرة من أهل الكتاب من ذلك قول ابن كثير في تفسیره (۱۲۹/۳) عن حديث آخر هناك : [ ولعل أبا هريرة تلقاه من كعب فإنه كان كثيراً ما كان يجالسه

ويحدثه فحدث به أبو هريرة فتوهم بعض الرواة عنه أنه مرفوع فرفعه والله أعلم.

وقد ذكر الحافظ المزي في "تهذيب الكمال" (٢٤ / ۱٩٠ ) والحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب"

(۳٩۳/۸) أن من جملة الرواة عن كعب الأحبار أبو هريرة وغيره.

٣- العجب أو التعجب على الله تعالى محال لأن العجب هو الاستغراب والله عليم لا يخفى عليه شيء مما سيحصل !

قال الإمام الراغب فغي المفردات ص (٥٤٧) : [ العجب والتعجب حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء، ولهذا قال بعض الحكماء : العجب ما لا يعرف سببه، ولهذا قيل : لا يصح على الله التعجب؛ إذ هو علام الغيوب لا تخفى عليه خافية ] . جزى الله الإمام الراغب خير الجزاء.

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (٦٣٢/٨ ) :

وقال الخطابي: إطلاق العجب على الله محال ومعناه الرضا فكأنه قال : إن ذلك الصنيع حل من الرضا عند الله حلول العجب عندكم. قال: وقد يكون المراد بالعجب هنا أن الله يعجب ملائكته من صنيعهما لندور ما وقع منهما في العادة. وأنت ترى وتشعر ما في تأويله من البعد وأنه غير مستساغ ! واعترافهم بأن العجب محال على الله تعالى.

٤ - ظاهر الحديث مستبعد جداً لأنه إن حُمِلَ على أنهم يقادون بالسلاسل إلى الجنة يوم القيامة كان ذلك مستهجنا ! فمن هو الإنسان الذي لا يرغب دخول الجنة والنجاة من النار والخلاص من العذاب والهوان! قال تعالى : يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ﴾ المعارج : ١١.

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (٦ / ١٤٥ ) :

قال ابن الجوزي: معناه أنهم أسروا وقيدوا فلما عرفوا صحة الإسلام دخلوا طوعا فدخلوا الجنة فكان الإكراه على الأسر والتقييد هو السبب الأول، وكأنه أطلق على الإكراه التسلسل ولما كان هو السبب في دخول الجنة أقام المسبب مقام السبب. وقال الطيبي : ويحتمل أن يكون المراد بالسلسلة الجذب الذي يجذبه الحق من خلص عباده من الضلالة إلى الهدى ومن الهبوط في مهاوي الطبيعة إلى العروج للدرجات، لكن الحديث في تفسير آل عمران يدل على أنه على الحقيقة. ونحوه ما أخرجه من طريق أبي الطفيل رفعه رأيت ناسا من أمتي يساقون إلى الجنة في السلاسل كرها. قلت: يا رسول الله من هم؟ قال: قوم من العجم يسبيهم المهاجرون فيدخلونهم في الإسلام مكرهين. وأما إبراهيم الحربي فمنع حمله على حقيقة التقييد، وقال: المعنى يقادون إلى الإسلام مكرهين فيكون ذلك سبب دخولهم الجنة وليس المراد أن ثُمَّ سلسلة ].

فتأويلهم للحديث بعيد وهم ينظرون إليه بعقلية أنه مقطوع بثبوته عن سيدنا رسول الله وأن هذا لا جدال فيه !

أما المعاصرون فأكثرهم مقلدة لا يستعملون عقولهم ويرون كلام الشراح معصوماً وأن الأمة اتفقت

على ذلك ! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ه - طرق هذا الحديث الأخرى ورواياته التالفة : قال ابن الأعرابي في معجمه (برقم ٤١٣ ): [نا الدقيقي، نا أبو علي الحنفي، نا مبارك بن فضالة قال: حدثني كثير أبو محمد الكوفي، قال: حدثني أبو الطفيل عامر بن واثلة أراه قال: ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استعرض فقال: «ألا تسألوني مما ضحكت؟ قال: رأیت ناسا من أمتي يساقون إلى الجنة في السلاسل وهم يتقاعسون» فقيل: يا رسول الله وكيف يساقون إلى الجنة في السلاسل ؟ قال : ناس من العجم سبتهم المهاجرون فيدخلونهم في

الإسلام وهم كارهون)]. ورواه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (برقم ١٦٣٤).

قال الحافظ ابن حجر في "التقريب" (٥٦٣٤): [كثير أبو محمد البصري مقبول من الرابعة. أي ضعيف.

ومبارك بن فضالة فيه كلام ومن ذلك ما ذكره المزي في ترجمته في تهذيب الكمال" (۲۷/ ۱۸۹): وقال عمرو بن علي أيضاً كان يحيى وعبد الرحمن لا يُحدثان عنه... وقال أبو طالب عن أحمد بن حنبل: كان مبارك بن فضالة يرفع حديثاً كثيراً ... وقال عبد الله بن أحمد أيضاً سألت يحيى بن معين عن مبارك بن فضالة فقال : ضعيف الحديث ... وقال النسائي : ضعيف... وقال محمد بن سعد: توفي سنة خمس وستين ومئة وكان فيه ضَعْفُ].

فهذا إسناد ضعيف لا يُحتج بمثله.

ورواه البزار (٢٤٨/٧) والطبراني في الكبير (۲۸۳/۸) والمحاملي في أماليه (برقم ٤٨٢ ) من طريق [الْأَعْمَشِ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بن وَاقِدٍ ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ].

قال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" ( ١٢ / ٢١٥ ) في ترجمة أبي غالب : [ قال إسحاق بن منصور عن ابن معين صالح الحديث، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. وقال النسائي : ضعيف ... قلت : وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما وافق الثقات. وقال ابن سعد كان ضعيفا، وقال البرقاني عن الدار قطني : أبو غالب حزور بصري يعتبر به ] . قلت : الذي قاله ابن حبان في "الثقات: (١/ ٢٦٧): [منكر الحديث على قلته لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما يوافق الثقات وهو صاحب حديث الخوارج]. وقال ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (٢ / ٤٥٥) : [ ضعيف ]. والحسين بن واقد الراوي عن أبي غالب

موصوف بالتدليس وقد عنعن هنا، كما في "طبقات المدلسين" ص ( ۲۰ ) للحافظ ابن حجر، وأورده العقيلي في "الضعفاء" ( ١ / ٢٥١) ونقل عن أحمد بن حنبل استنكار أحاديث له !

على أن في إسناده اضطراب فقد رواه أحمد كما في "المسند" ( ٥ / ٢٤٩) : [ حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن عبيد ثنا الأعمش عن شيخ عن أبي أمامة قال: ضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال: عجبت من قوم يقادون في السلاسل إلى الجنة»]. فهذا الإسناد يرويه الأعمش ليس عن الحسين بن واقد عن أبي غالب عن أبي أمامة وإنما عن رجل مجهول عن أبي أمامة، وهذا مما يقضي بأن الحديث من هذه الطريق واه لا يعول عليه.

فائدة في الحكم على أمثال هذه الأحاديث:

قال الإمام ابن الجوزي في "الموضوعات" (١٠٦/١):

ألا ترى أنه لو اجتمع خلق من الثَّقَاتِ فَأَخْبِرُوا أَن الجمل قد دخل في سم الخياط لما نفعننا ثقتهم وَلَا أثرت في خبرهم، لأنهم أخبروا بمستحيل ، فكل حَدِيث رَأَيْته يُخَالف الْمَعْقُول أَو يُنَاقِضِ الْأُصُول فَاعْلَم أَنه مَوْضُوع فَلَا تتكلف اعْتِبَاره. وَاعْلَم أَنه قد يجيء في كتابنَا هَذَا من الْأَحَادِيثِ مَا لَا يشك فِي وضعه، غير أنه لا يتَعَيَّن لنا الْوَاضِع من الرواة، وقد يتفق رجال الحديث كلهم ثقاة والْحَدِيث مَوْضُوع أو مقلوب أو مُدَلَّس، وَهَذَا أشكل الأمور ، وقد تكلمنا فِي هَذَا فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّم].

قال الحاكم في كتابه "معرفة علوم الحديث" ص (۱۱۲)

وإنَّما يُعلَّل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل فإن حديث المجروح ساقط واه، وعلـة الحديث تكثر في أحاديث الثقات أن يُحدِّثوا بحديث له علة فيخفى عليهم علمه فيصير الحديث

معلولاً، والحجة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير ...] اهـ .

وقال الإمام الحاكم أول "المستدرك على الصحيحين (۱) ۲-۳): [سألني جماعة .. أن أجمع كتاباً يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها إذ لا سبيل إلى إخراج ما لا علة له فإنهما رحمهما الله لم يدعيا ذلك لأنفسهما].

وعلى ما ذكرناه من الكلام على هذا الحديث أن قوما يُجرون أو يقادون إلى الجنة بالسلاسل ) فإننا نقول بأنه معلل بما بيناه ولا نقول بصحته لأنه لا يثبت سنداً ومتنا.

والله أعلم، وهو يقول الحق ويهدي السبيل.

قاله بلسانه وكتبه بينانه العبد الفقير إلى مولاه حسن بن علي السقاف عفا الله تعالى عنه يوم الأربعاء الثاني من صفر سنة ١٤٤٦ من هجرة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام الموافق /٢٠٢٤/٨/٧م، والحمد لله رب العالمين.
Post Reply

Return to “شرح الحديث”