رواية النصوص الدالة على اعتبار العقل وأنه هو مناط التكليف الشرعي:
قال سماحة المحدّث السيد حسن السقاف في كتابه"صحيح شرح العقيدة الطحاوية":
ذكر النصوص الشرعية الدالة على اعتبار العقل وأنه هو مناط التكليف:
لقد ذكر الله تعالى العقل في نحو (49) موضعاً في كتابه العزيز وإليك بعض ذلك:
قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}البقرة:164.
وذُكِرَت أيضاً عبارة {لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} في القرآن الكريم بعد الحث على التفكر والنظر في المصنوعات والمخلوقات لمعرفة الصانع والخالق سبحانه وتعالى في أكثر من آية منها في: (سورة الرعد:4، وسورة النحل:12، وسورة الروم: 24).
وذَمَّ الله تعالى الكفار لأنهم لم يستعملوا عقولهم فقال عنهم:
{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ}البقرة: 171.
وذَمَّ تقليدهم لآبائهم وعدم استعمالهم لعقولهم فقال سبحانه:
{أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ}البقرة:170.
وقال سبحانه: {ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}البقرة:75.
وذمهم سبحانه أيضاً على عدم استعمالهم لعقولهم فقال:
{قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}العنكبوت: 63، وفي مواضع أخرى قال سبحانه أيضاً: {أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}العنكبوت:63.
وقال سبحانه فيمن لا يستعمل العقل: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ}الأنفال: 22.
وقال تعالى: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ}يونس: 100.
وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}الحج: 46.
وقال عز وجل: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا}الفرقان: 44.
وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ}الحشر: 14.
وقال سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة في كتابه العزيز {أَفَلا تَعْقِلُونَ}الصافات:138، (منها في البقرة: 44و76، وآل عمران: 65، والأنعام: 32، والأعراف: 169 وغيرها).
وقال تعالى مُبَيِّنَاً حال أصحاب النار:
{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}الملك:10.
ففي هذه الآيات دليل واضح على اعتبار العقل في الشرع وبيان قيمته الكبيرة لأنه لا يمكن تحقيق فهم نصوص الشريعة واستنباط الأحكام من أدلتها وإدراك قواعدها وموازينها إلا بالعقل الذي هو مناط التكليف وأساسه.
وأعجب من قوم تشبثوا بتفسير الاستواء المذكور في القرآن في سبعة مواضع بما يروق لأهوائهم بمعانٍ تسوق إلى التشبيه والتجسيم، وهم مع ذلك يهملون إعمال العقل واعتباره في النصوص بل ويحضون على إهماله والإعراض عما يحكم به مع أنه مذكور في القرآن 7 × 7 = 49 مرة تقريباً أو أكثر بقليل!!! ولله في خلقه شؤون!!
وقد جاء بيان فضل العقل أيضاً في السُنَّةِ الصحيحة عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففي البخاري (1/405) ومسلم (1/87) من حديث سيدنا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للنساء:
((ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لُبٍّ مِنْكُنَّ)) فقالت امرأة:
يا رسول الله وما نقصان العقل والدين؟ فقال: أمّا نُقْصان العقل فشهادةُ امرأتين تَعْدِلُ شهادة رجل فهذا نقصان العقل...)) الحديث.
وذلك لأنَّ الله تعالى خص المراة بوظيفة عظيمة في الإنسانية وهي تربية الأجيال وإنشاء الرجال، ولما كانت هذه الوظيفة تقتضي العطف والحنان وذلك من حكمة الله تعالى العظيمة جعل الله تعالى جانب العاطفة عند المرأة غالباً على جانب العقل وهذا من كمال وظيفتها العظيمة الخاصة بها التي خلقت من أجلها حتى تكون سكناً وأمناً، ولذلك وجدنا أن الإسلام يكرّمها ويعظمها ويحارب إهانتها ولكن لا يجعلها تتطاول وتتعدى طورها، وكلٌ من الرجل والمرأة مكلّف بأحكام الشريعة ويمكنه استيعابها وفهمها إلا أن فهم الرجل لأنه أكثر عقلاً أقوى، والله الموفق.
وفي ((صحيح مسلم)) (3/1323) عن بُرَيدة: أنَّ ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إني قد ظلمتُ نفسي وزنيت وإنّي أريدُ أن تُطهِّرَني، فردَّه، فلما كان من الغَدِ أتاه فقال: يارسول الله إني قد زنيت، فردَّه الثانية، فأرسل رسول الله إلى قومه فقال:
((أتعلمون بعقله بأْساً تنكرون منه شيئاً)) فقالوا: ما نعلمه إلا وفيَّ العقل، من صالحينا فيما نرى، فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضاً فأرسل عنه فأخبروه: أنه لا بأس به ولا بعقله...)) الحديث.
وجه الدلالة منه ظاهر وهو أنه إن كان ناقص العقل بحيث أنه يسقط عنه التكليف أو يَفْقِدُ عقله في وقت دون وقت فلا يُكلَّف فيما فعله في وقت ذهاب عقله فإنه لا يقام عليه الحد، كما تقرر في القواعد الفقهية بمقتضى حديث ((رُفِعَ القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق)) وفي بعض الروايات ((وعن المجنون حتى يعقل)) وفي بعضها ((وعن المعتوه حتى يعقل))
رواية النصوص الدالة على اعتبار العقل وأنه هو مناط التكليف الشرعي:
مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
-
- Posts: 901
- Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm
Return to “مسائل وقضايا التوحيد والإيمان”
Jump to
- القرآن الكريم وتفسيره
- ↳ تفسير آية أو آيات كريمة
- ↳ أبحاث في التفسير وعلوم القرآن الكريم
- الحديث النبوي الشريف وعلومه
- ↳ قواعد المصطلح وعلوم الحديث
- ↳ تخريج أحاديث وبيان مدى صحتها
- ↳ شرح الحديث
- ↳ التراجم والرجال: الصحابة والعلماء وغيرهم
- ↳ أحاديث العقائد
- العقائد والتوحيد والإيمان
- ↳ القواعد والأصول العقائدية
- ↳ مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
- ↳ أقوال لأئمة وعلماء ومشايخ في العقيدة ومدى صحتها عنهم
- ↳ قضايا ومسائل لغوية تتعلق بالعقائد
- ↳ الفرق والمذاهب وما يتعلق بها
- ↳ عرض عقائد المجسمة والمشبهة والرد عليها
- التاريخ والسيرة والتراجم
- ↳ السيرة النبوية
- ↳ قضايا تاريخية
- ↳ سير أعلام مرتبطة بالتاريخ والأحداث السياسية الغابرة
- ↳ معاوية والأمويون والعباسيون
- الفكر والمنهج والردود
- ↳ توجيهات وتصحيح لأفكار طلبة العلم والمنصفين من المشايخ
- ↳ الردود على المخالفين
- ↳ مناهضة الفكر التكفيري والرد على منهجهم وأفكارهم
- ↳ أسئلة وأجوبة عامة
- الفقه وأصوله
- ↳ القواعد الأصولية الفقهية
- ↳ مسائل فقهية عامة
- ↳ المذهب الحنفي
- ↳ المذهب المالكي
- ↳ المذهب الشافعي
- ↳ المذهب الحنبلي
- علوم اللغة العربية
- ↳ النحو والصرف
- ↳ مسائل لغوية ومعاني كلمات وعبارات
- الكتب الإلكترونية
- ↳ كتب العلامة المحدث الكوثري
- ↳ كتب السادة المحدثين الغماريين
- ↳ كتب السيد المحدث حسن السقاف
- ↳ كتب مجموعة من العلماء
- المرئيات
- ↳ العقيدة والتوحيد: شرح متن العقيدة والتوحيد