متن العقيدة والتوحيد/ بيان الأدلة المعتبرة والمردودة في الإيمان والعقائد ، الحلقة الأولى: ( القرآن الكريم):
قال سماحة السيد المحدّث حسن السقاف في كتابه" متن العقيدة الإسلاميّة والتوحيد":
فصل
بيان الأدلة المعتبرة والمردودة في الإيمان والعقائد
وأدلة التوحيد أربعة:الكتاب والسنة والإجماع والعقل(1):
فالكتاب: هو القرآن الكريم الذي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٌ فصلت: ٤٢، قال
تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ) الأعراف : ٣. وهو الأساس القطعي الثبوت.
وينبغي للعقل إذا انطلق للنظر في أي مسألة شرعية أن يذهب إلى القرآن أولاً قبل الذهاب إلى الحديث والسنة،
لأنه هو الأصل، قال تعالى : ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ الفرقان: ٣٠.
وفي الكتاب الكريم نصوص محكمة كما فيه نصوص متشابهة، لقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبَّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (٢) آل عمران : ۷
ومعناها : أن الله تعالى حَكَمَ ونَصَّ على أن الآيات المحكمات - وهي التي لا تحتمل إلا معنى واحداً - هُنَّ الأصل والأساس والأم في فهم آيات الكتاب العزيز بل الدِّين بأسره، فلا يجوز فهم القرآن إلا بهن. وأن الزائغين هم الذين يجعلون المتشابه الأصل والأساس فيتمسكون به ولا يُرجعونه إلى المحكمات، فيضلون بذلك ويزيغون فيكونون سبب الفتنة في الأمة لأنهم يؤولونه تأويلاً باطلاً فاسداً حَسَبَ أهوائهم، وأما معناه وتأويله الصحيح فلا يعلمه إلا الله تعالى لأنه كلامه سبحانه، ويعلمه كذلك الراسخون في العلم (٣) ، قال تعالى : ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ آل عمران: ۱۸، وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ﴾ يوسف : ٦. ودعا النبي ل لابن عباس فقال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل»(4). والراسخون في العلم يؤمنون بالمحكم والمتشابه قائلين: كل منهما من عند ربنا، وما يعرف ذلك إلا أصحاب العقول الصحيحة.
فالقرآن يجب الإيمان بمحكمه ومتشابهه ويجب رد متشابهه إلى محكمه.
والنص المتشابه هو ما يحتمل أكثر من معنى في لغة العرب فيجب فهمه وتأويله حَسَبَ (٥) الآيات المحكمات
لأنهن أم الكتاب، وأساس المحكمات في التوحيد قوله تعالى :{لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} الإخلاص : ٣- ، وقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} الشورى: ۱۱ ، وقوله تعالى:{وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} طه: ۱۱۰، وقوله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} مريم : ٦٥ أي : نظيراً أو مثلاً أو شبيها، وأمثالها.
ومثال المتشابه: الآيات التي يوهم ظاهرها إثبات جارحة أو عضو الله تعالى أو مشابهة الله سبحانه بخلقه من وجه ما، وطريقة بيان أن المتشابه غير مراد ظاهره استحضار نحو قوله تعالى:{يَا حَسْرَنَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ } الزمر : ٥٦ ، أي في حق الله، ولا يراد من ذكر لفظ الجنب هنا ظاهره وهو إثبات عضو، وكذا استحضار مثل قوله تعالى:{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} الإسراء: ٢٤، وقوله تعالى :{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} الحجر : ۸۸، لا يراد من هذا إثبات الجناح المعروف، وإنما يراد المعنى المجازي وهو العطف والرحمة والحنان. وكذلك قول الله تعالى في حق القرآن :{لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حكِيمٍ حَمِيدٍ} فصلت: ٤٢ ، لا يراد من ذلك إثبات يدين للقرآن ولا خلف، وإنما المراد مجاز ذلك، وهو أن الباطل والتحريف والتغيير غير داخل عليه، ومثله قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}(6) (سبا: ٤٦، والعذاب ليس جسماً له يدان، وكذلك قوله تعالى حكاية عن بعض الكفار أنهم قالوا: {عَامِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا ءَاخِرَهُ} آل عمران: ۷۲، لا يراد إثبات وجه للنهار بمعنى العضو المعروف في البدن إذ النهار ليس له وجه بهذا المعنى ولا أيد ولا أعضاء لأنه ليس جسماً، وإنما المراد أول النهار، وبه يتبين أن هذا من مجاز اللغة في القرآن الكريم (۷) ، والمجاز لا يمكن إنكاره وهو مستعمل في كتاب الله تعالى وفي صحيح السنة وأشعار العرب وأرجازهم وهو منقول عن أئمة السلف كأبي عبيدة معمر بن المثنى له كتاب مجاز القرآن" والشافعي وأحمد وغيرهم ، وأخطأ من خص نفيه في القرآن الكريم، والقائلون بنفي المجاز إنما أرادوا التمهيد للأخذ بظواهر النصوص في صفات الله تعالى للإفضاء إلى عقيدة التشبيه التجسيم.
وقد عَلَّمَنَا الله تعالى التأويل حيث أضاف النسيان إليه فقال : {فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} الأعراف: ٥١، وقال سبحانه: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} التوبة: ٦٧ ، ثم في موضع آخر نفى سبحانه أن يوصف بالنسيان فقال: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} مريم : ٦٤ ، وقال :{قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} طه : ٥٢.
وكذلك أيضاً قال سبحانه في آيات كثيرة : لِيَعْلَمَ اللهُ و لِنَعْلَمَ وظاهر هذه الآيات مشعر بأنه تعالى إنما فعل تلك الأمور ليكتسب هذا العلم، ومعلوم أن ذلك محال على الله تعالى، والله جل جلاله يعلم الأمور قبل حصولها في الأزل وقبل خلق الخلق قطعاً، منها: قوله تعالى: {أمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } آل عمران : ١٤٢ ، وقوله تعالى: {لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ} المائدة: ٩٤، وقوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} الحديد: ٢٥، وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ } البقرة : ١٤٣، وقوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} الكهف : ۱۲ ، وقوله : {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ} سبا : ٢١ . وفي المقابل قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضِ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} لقمان: ٣٤، وقال تعالى : {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} غافر:۱۹، وقال تعالى: {غُلِبَتْ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ }.. الروم ٢-٤، وقال تعالى: {وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} البقرة : ۲۳۲ ، وقال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِح } البقرة : ۲۰، وقال تعالى:{ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} المائدة: ٩٧، وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} الأنعام : ٥٩ ، فالآيات الأولى مؤولـة وهـي مـن بـاب التنزل لعقول الخلق، وهي على الملاطفة في الخطاب لمن لا يعلم كقولك لمن ينكر ذَوْبَ الذَّهَبِ في النار وأنت تعلم أنه سيذوب: (فَلْتُلْقِهِ في النار لِنَعْلَمَ أَيَذُوبُ أم لا؟).
وباستقراء مسائل الاعتقاد تبين أن جميع مسائل أصول الدين ثبتت في القرآن الكريم، لأنَّ القرآن يصل إلى جميع الناس فتقام عليهم الحجة خلافا للحديث فإنه يصل إلى إنسان ولا يصل إلى آخر وقد حصل ذلك (٩)، وذلك تحقيقاً لقوله تعالى : {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } الأنعام: ۳۸ ، وقوله سبحانه: {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يوسف: ۱۱۱.
والقرآن الكريم هو الحكمة في قوله تعالى: ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ﴾ البقرة: ١٢٩. وقد تكون الحكمة هنا هي فهم تأويل القرآن قال القرطبي في تفسيره (۱۳۱۲): قوله تعالى: {ويعلمهم الكتاب والحكمة }الكتاب: القرآن والحكمة المعرفة بالدين والفقه في التأويل، والفهم الذي هو سجية ونور من الله تعالى. والدليل على أنها القرآن قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ به } البقرة: ٢٣١. قال تعالى: ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ﴾ آل عمران : ٥٨. وقال تعالى: {وَأَنزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} النساء: ۱۱۳. وقال تعالى: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنْ الْحِكْمَةِ} الإسراء: ٣٩. وقال:{ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيم} يونس: ١، ولقمان: ۲. وقال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمَّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} الزخرف : ٣-٤. ونحن ننبه هنا إلى اعتبار السنة ونقول إن السنة الثابتة عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجة تالية للكتاب العزيز. قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(10) النحل : ٤٤ (١٠). وعليه فليست الحكمة أحاديث الآحاد المظنونة التي اختلف الناس وتجاذبوا في صحتها ما بين مثبت وناف راد لها، فالحكمة أثبت من ذلك وأوسع مفهوماً كما جاء في كلام الفخر الرازي وغيره من العلماء، وهي إلى معنى ما في الكتاب الكريم من الإرشاد السديد والعلم العميق ألصق.
الحواشي السفلية:
(1) قال الإمام الغزالي في "المستصفى" (٢/ ٣٥٠) : [ والمدارك المثمرة للأحكام كما فصلناها أربعة : الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل ].
(۲) قال الإمام الغزالي في "المستصفى" (١٠٦/١): [مَسْأَلَةٌ : فِي الْقُرْآنِ مُحْكَمٌ وَمُتَشَابِةٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَات} ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ. وَإِذَا لَمْ يَرِدْ تَوْقِيفٌ فِي بَيَانِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ بِمَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَيُنَاسِبُ اللَّفْظَ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ، وَلَا يُنَاسِبُهُ قَوْلُهُمْ الْمُتَشَابِهُ هِيَ الْحُرُوفُ الْمُقَطَّعَةُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ وَالْمُحْكَمُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَلَا قَوْلُهُمْ : الْمُحْكَمُ مَا يَعْرِفُهُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وَالْمُتَشَابِهُ مَا يَنْفَرِدُ اللهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ، وَلَا قَوْلُهُمْ : الْمُحْكَمُ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَالْمُتَشَابِهُ الْقَصَصُ وَالْأَمْثَالُ، وَهَذَا أَبْعَدُ. بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّ الْمُحْكَمَ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا الْمَكْشُوفُ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ إِشْكَالٌ وَاحْتِمَالُ، وَالْمُتَشَابِهُ مَا تَعَارَضَ فِيهِ الاحْتِمَالُ ....وَأَمَّا الْمُتَشَابِهُ فَيَجُوزُ أَنْ يُعَبَّرَ بِهِ عَنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ كَالْقُرْءِ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} فَإِنَّهُ مُرَدَّدٌ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ، وَكَاللَّمْسِ الْمُرَدَّدِ بَيْنَ الْمَسُ وَالْوَطْءِ. وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا وَرَدَ فِي صِفَاتِ اللهِ مِمَّا يُوهِمُ ظَاهِرُهُ الْجِهَةَ وَالتَّشْبِيهَ وَيُحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلِهِ.
فَإِنْ قِيلَ : قَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} الْوَاوُ لِلْعَطْفِ أَمْ الْأَوْلَى الْوَقْفُ عَلَى اللَّهِ ؟ قُلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ مُحْتَمَلٌ ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ وَقْتَ الْقِيَامَةِ فَالْوَقْفُ أَوْلَى وَإِلَّا فَالْعَطْفُ ، إِذْ الظَّاهِرُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُخَاطِبُ الْعَرَبَ بِمَا لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ لِأَحَدٍ مِنْ الْخَلْقِ. فَإِنْ قِيلَ : فَمَا مَعْنَى الْحُرُوفِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ، إِذْ لَا يَعْرِفُ أَحَدٌ مَعْنَاهَا ؟ قُلْنَا: أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهَا وَأَقْرَبُهَا أَقَاوِيلُ، أَحَدُهَا: أَنَّهَا أَسَامِي السُّوَرِ حَتَّى تُعْرَفَ بِهَا، فَيُقَالُ سُورَةُ يس. وَقِيلَ : ذَكَرَهَا اللهُ تَعَالَى لِجَمْعِ دَوَاعِي الْعَرَبِ إِلَى الاسْتِمَاعِ؛ لِأَنَّهَا تُخَالِفُ عَادَتَهُمْ فَتُوقِظُهُمْ عَنْ الْغَفْلَةِ حَتَّى تَصْرِفَ قُلُوبَهُمْ إِلَى الْإِصْغَاءِ فَلَمْ يَذْكُرْهَا لِإِرَادَةِ مَعْنَى وَقِيلَ : إِنَّمَا ذَكَرَهَا كِنَايَةً عَنْ سَائِرِ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ الَّتِي لَا يَخْرُجُ عَنْهَا جَمِيعُ كَلَامِ الْعَرَبِ تَنْبِيهَا أَنَّهُ لَيْسَ يُخَاطِبُهُمْ إِلَّا بِلُغَتِهِمْ وَحُرُوفِهِمْ. وَقَدْ يُنَبَّهُ بِبَعْضِ الشَّيْءِ عَلَى كُلِّهِ، يُقَالُ: فَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَأَنْشَدَ أَلَا هُبِّي " يَعْنِي جَمِيعَ السُّورَةِ وَالْقَصِيدَةِ قَالَ الشَّاعِرُ :
يُنَاشِدُنِي حَامِيمَ وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ
فَهَلَّا تَلَا حَامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ
كَنَّى بِحَامِيمٍ عَنْ الْقُرْآنِ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا لَا تَفْهَمُهُ الْعَرَبُ. فَإِنْ قِيلَ الْعَرَبُ إِنَّمَا تَفْهَمُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} وَ{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} الْجِهَةَ وَالِاسْتِقْرَارَ وَقَدْ أُرِيدَ بِهِ غَيْرُهُ فَهُوَ مُتَشَابِةٌ. قُلْنَا : هَيْهَاتَ فَإِنَّ هَذِهِ كِنَايَاتٌ وَاسْتِعَارَاتٌ يَفْهَمُهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْعَرَبِ الْمُصَدِّقِينَ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وَأَنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ تَأْوِيلَاتٍ تُنَاسِبُ تَفَاهُمَ الْعَرَبِ].
( ۳) وجوابنا لمن مال إلى التفويض وأدعى أنه مذهب الصحابة وأنه الحق أشكلنا عليه بالتالي : هل يعتمد المفوضة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم تأويل آيات وأحاديث الصفات التي قالها ولا يعرف معناها ــ إذا قالوا أن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله تعالى لظاهر الآية ــ نقول:
وكيف يدعو النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصحابة بتعلم التأويل كقوله في الحديث الصحيح لابن عباس: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل )؟! وهو حديث صحيح تخريجه في الحاشية التالية، وكيف يمن الله على عباده الأنبياء بأنه سيكرمهم ويعلمهم تأويل الكتاب كما قال لسيدنا يوسف عليه السلام: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيل الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} والأحاديث هنا ليست المنامات والرؤى وإنما الكتب المنزلة لقوله تعالى :{ اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} الزمر : ٢٣. فسيدنا يوسف عليه السلام أكرمه الله سبحانه بتأويل الأحاديث وكذلك بتأويل الرؤى ؛ لذلك قال الله تعالى له : {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} يوسف : ٦ . قال الطبري في التفسير (٧/ ١٥٠): [قوله: ويعلمك من تأويل الأحاديث قال : تأويل الكلام العلم والكلام. وكان يوسف أعبر الناس وقرأ: ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلما] ، وفي معنى (حكمة ) جاء قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ} النساء : ١٠٥. {مَا كَانَ
لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ } آل عمران: ٧٩. وقال القرطبي في تفسيره (۱۱۲/۹): [ وقد قيل في تأويل قوله : ويعلمك من تأويل الأحاديث أي أحاديث الأمم والكتب ودلائل التوحيد فهو إشارة إلى النبوة وهو المقصود بقوله :[ويتم نعمته عليك أي بالنبوة ]، وقال الفخر الرازي في تفسير الآية (٤٩٦/٨ ) : [ والثاني: تأويل الأحاديث في كتب الله تعالى والأخبار المروية عن الأنبياء المتقدمين، كما أن الواحد من علماء زماننا يشتغل بتفسير القرآن وتأويله وتأويلالأحاديث المروية عن الرسول الله ].
وقال إمام الحرمين في "الإرشاد" ص (٤٢) من الطبعة المصرية / مكتبة الخانجي : [ والإعراض عن التأويل حذاراً من مواقعة محذور في الاعتقاد يجر إلى اللبس والإيهام، واستزلال العوام، وتطريق الشبهات إلى أصول الدين، وتعريض بعض كتاب الله تعالى لرجم الظنون]. قال العلامة الزبيدي في شرح القاموس : [ وفي أَمْرِه لُبس بالضم أَي شُبْهَةٌ. وكذا قال الزمخشري في "أسرار البلاغة"، مع أنه في القرآن الكريم: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} ق: ١٥ ، قال الحافظ أبو حيان في "البحر المحيط" (٥٣٣/٩): [ أَيْ خَلْطٍ وَشُبْهَةٍ وَحَيْرَةِ. وكأنه يجوز فيها الوجهان. وقال الإمام الغزالي أيضاً في كتابه "روضة الطالبين وعمدة السالكين" ص (۱۳۰) ما نصه: واعلم أن الإعراض عن تأويل المتشابه خوفاً من الوقوع في محظور من الاعتقاد يجر إلى الشك والإيهام، واستزلال العوام، وتطريق الشبهات إلى أصول الدين، وتعريض بعض آيات كتاب الله العزيز إلى رجم الظنون .... وتأويلات الإمام الغزالي المشهورة في كتبه وشرحه للصفات في كتاب "الإحياء" وغيره يفيد عدم ميله لمذهب التفويض البتة . وأما كتاب الإمام الغزالي "إلجام العوام عن علم الكلام" فليس فيه عدم التأويل أو عدم تفسير الآيات والأحاديث وإنما فيه عدم جواز خوض العامة في ترهات علم الكلام والفلسفة وعدم جواز التخبط في ذات الله تعالى بلا علم ولا قواعد ولا معرفة، فتأمل قوله في ذلك الكتاب : إن كل من بلغه حديث من هذه الأحاديث من عوام الخلق يجب عليه فيه سبعة أمور : التقديس ، ثم التصديق، ثم الاعتراف بالعجز ، ثم السكوت، ثم الإمساك، ثم الكف، ثم التسليم لأهل المعرفة.... يعني الرجوع لأهل العلم الذين يفسرونه ويؤلونه ويبينون معناه. ولا يعني هذا أنه لا يجب عليهم تأويلها وفهم المعاني الصحيحة لها أو تحريم سؤال العلماء عن معانيها، لا سيما والإمام الغزالي والفخر الرازي وغيرهما شرحوا معانيها وبينوا المراد منها.
وإنما المراد أنه ليس للعوام ومَنْ في معناهم من الطلبة المبتدئين أو لغير أهل المعرفة الغوص في الفلسفات المتعلقة بالخوض في ذات الله تعالى. وإذا وقع في مثل كتاب "إلجام العوام" أو في غيره عدد من العبارات والأفكار التي لا نوافق عليها فإنما نردها للدليل عندنا على أحقية التأويل، وللخط العام الذي مشى عليه هؤلاء العلماء رحمهم الله تعالى. وعلى كل حال فالواجب أن نتبع ما هو الصواب عقلاً ونقلاً ، والصواب هو بيان معانيها حسب اللغة والسياق وآيات التنزيه المحكمة .
(٤) رواه أحمد (٢٦٦/١)، وإسحاق (٤/ ۲۳۰)، وابن حبان في صحيحه (٥٣١/١٥)، والحاكم (٦١٥/٣) ، وصححوه، قال الحافظ في "الفتح" (۱) ۱۷۰): [ وَهَذِهِ الدَّعْوَة مِمَّا تَحَقَّقَ إِجَابَة النَّبِي مَا فِيهَا، لِمَا عُلِمَ مِنْ حَالَ ابْن عَبَّاسٍ فِي مَعْرِفَة التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ فِي الدِّينِ رَضِيَ الله عَنْهُ.. وَالْأَقْرَب أَنَّ الْمُرَاد بِهَا فِي حَدِيثِ ابْن عَبَّاسِ الْفَهُم فِي الْقُرْآن]. وصحح الحديث أيضاً ابن تيمية الحراني في "مجموع الفتاوى" (٤) ٤٠٠ ) ، ومتناقض عصرنا الألباني في صحيحته (٨٨/٦).
(٥) كلمة (حَسَبَ ) هنا بفتح السين، قال الزبيدي في "شرح القاموس" : [ وعلى حَسَب مُحَرَّكَةً ... ومنه قَوْلُهُمْ: لِيَكُنْ عَمَلُكَ بِحَسَبِ ذَلِكَ أَي على قَدْرِهِ وَعَدَدِهِ، وَهَذَا بِحَسَبِ ذَا أَي بِعَدَدِهِ وَقَدْرِهِ].
(٦) ومن هنا يظهر بطلان القاعدة التي وضعها السلفيون المجسمة وملخصها: أن ما وصف بأن له وجها مثل قوله تعالى : ويبقى وجه ربك وإن أولناه في بعض النصوص بمعنى الذات، لكن هذا لا ينفي إثبات الوجه الحقيقي أو اليد الحقيقية، لأنه لا يطلق لفظ الوجه مجازاً إلا على من له وجه حقيقة)، وما ذكرناه أعلاه يبطل هذا الادعاء، ويمكن تتبع هذه الفكرة من كتبهم ومؤلفاتهم العقائدية ، من ذلك قول ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (٦ / ٣٧٠): [إذا قالوا: بيده الملك، أو عملته يداك، فهما شيئان: أحدهما: إثبات اليد. والثاني: إضافة الملك والعمل إليها، والثاني يقع فيه التجوز كثيراً. أما الأول فإنهم لا يطلقون هذا الكلام إلا لجنس له يد حقيقة، ولا يقولون: يد الهوى، ولا يد الماء. فهب أن قوله بيده الملك قد علم منه أن المراد بقدرته ، لكن لا يتجوز بذلك إلا لمن له يد حقيقة ] اهـ. وهذا هراء باطل ودليل فساده ما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} فصلت:٤٢، والقرآن ليس له يدان حقيقيتان باتفاق العقلاء، وقال الشاعر : إذا الليلُ أَضْوَانِي بَسَطتُ يَدَ الهَوَى وَاذْلَلْتُ دَمْعاً من خلائقه الكبرُ
انظر "دیوان" أبي فراس" ص (۱۳)، وانظر "خزانة الأدب لابن حجة الحموي (٣٤١/١)، و " تاريخ دمشق" (٢٧/ ١٦)، فإن فيها أمثلة من ذلك. (۷) وابن تيمية تناقض في قضية المجاز فنفاه في كتاب "الإيمان" (۱۰۹) وأثبته في "الرد على البكري" (۷۰۸/۲) وفي "درء التعارض" (١٤/٥). وبذا يتبين اضطراب من أنكر المجاز.
(۸) ابن تيمية ذكر في كتابه "الإيمان" ص (٧٥) أن أحمد بن حنبل قال : (وكذلك سائر الأئمة لم يوجد لفظ المجاز في كلام أحد منهم إلا في كلام أحمد بن حنبل). والشافعي في كتابه "الرسالة" ذكر المجاز وأمثلته، فمن ذلك : قوله في كتابه "الرسالة" ص (٦٢): [باب: الصنف الذي يبين سياقه معناه .... فابتدأ جل ثناؤه ذكر الأمر بمسألتهم عن القرية الحاضرة البحر، فلما قال: {إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْت} الآية، دل على أنه إنما أراد أهل القرية؛ لأن القرية لا تكون عادية ولا فاسقة بالعدوان في السبت ولا غيره، وأنه إنما أراد بالعدوان أهل القرية. وجاء عن الشافعي في كتاب "الأم" (۳/ ۲۳) : [ وَالْعَسَلُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ بِالِاسْمِ الْمَوْضُوعِ وَالَّذِي إِذَا لَقِيتَ رَجُلًا فَقُلْت لَهُ عَسَلٌ عَلِمَ أَنَّه عَسَلَ النَّحْل، صِنْفٌ، وَقَدْ سُمِّيَتْ أَشْيَاءُ مِنْ الْحَلَاوَةِ تُسَمَّى بِهَا عَسَلًا، وَقَالَتْ الْعَرَبُ لِلْحَدِيثِ الْحُلْوِ حَدِيثُ مَعْسُولٌ وَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ الْحُلْوَةِ الْوَجْهِ مَعْسُولَةُ الْوَجْهِ ... فَقَالُوا لِكُلِّ مَا اسْتَحْلَوْهُ عَسَلٌ وَمَعْسُولٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُسْتَحْلَى اسْتِحْلَاءَ الْعَسَلِ قَالَ فَعَسَلُ النَّحْلِ الْمُنْفَرِدِ بِالاسْمِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ الْحُلْوِ فَإِنَّمَا سُمِّيَتْ عَلَى مَا وُصِفَتْ مِنْ الشَّبَهِ ]. فالشافعي ذكر أمثلة الاستعارات والمجاز وفصلها في مواضع كثيرة وإن لم يطلق عليه لفظ (مجاز) أو (استعارة) ولا مشاحة في الاصطلاح.
(۹) قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (٢/ ٤٩٩): [قال البيهقي : يمكن أن يكون عمر لم يبلغه توقيت النبي الأهل المشرق ذات عرق ]. وقال الحافظ الزيلعي في "نصب الراية" (٥/ ٧٥): [قال الحازمي: وما رواه مالك عن نافع عن أسلم مولى عمر أن عمر وجد ريح طيب من معاوية وهو محرم فقال له عمر : ارجع فاغسله فإن عمر لم يبلغه حديث عائشة، ولو بلغه لرجع إليه، وإذا لم يبلغه فسنة رسول الله الله أحق أن تتبع انتهى كلامه]. والأمثلة على ذلك كثيرة، وقد أقر بذلك المتناقض الألباني في "إرواء غليله" .(١٥٦/٥)
(۱۰) قال الفخر الرازي في تفسيره (٥٨/٧): [ تَفْسِيرُ الْحِكْمَةِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهِ أَحَدُهَا : مَوَاعِظُ الْقُرْآنِ، قَالَ فِي الْبَقَرَةِ: {وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ} يَعْنِي مَوَاعِظَ الْقُرْآنِ، وفي النساء:{وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ } يَعْنِي الْمَوَاعِظَ، وَمِثْلُهَا فِي آلِ عِمْرَانَ وَثَانِيهَا : الْحِكْمَةُ بِمَعْنَى الْفَهْمِ وَالْعِلْمِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} وَفِي لُقْمَانَ:{ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ}، يَعْنِي الْفَهْمَ وَالْعِلْمَ، وَفِي الْأَنْعَامِ :{ أُولِئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ}. وَثَالِثُهَا : الْحِكْمَةُ بِمَعْنَى النُّبُوَّةِ فِي النِّسَاءِ: {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} يَعْنِي النُّبُوَّةَ، وَفِي ص: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} يَعْنِي النُّبُوَّةَ، وَفِي الْبَقَرَةِ: {وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} ، وَرَابِعُهَا الْقُرْآنُ بِمَا فِيهِ مِنْ عَجَائِبِ الْأَسْرَارِ فِي النَّحْل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ }وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} وَجَمِيعُ هَذِهِ الْوُجُوهِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ تَرْجِعُ إِلَى الْعِلْمِ .... وَاعْلَمْ أَنَّ الْحِكْمَةَ لَا يُمْكِنُ خُرُوجُهَا عَنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ كَمَالَ الْإِنْسَانِ فِي شَيْئَيْنِ: أَنْ يَعْرِفَ الْحَقَّ لِذَاتِهِ، وَالْخَيْرَ لِأَجْلِ الْعَمَلِ بِهِ، فَالْمَرْجِعُ بِالْأَوَّلِ : إِلَى الْعِلْمِ وَالْإِدْرَاكِ الْمُطَابِقِ، وَبِالثَّانِي: إِلَى فِعْلِ الْعَدْلِ وَالصَّوَابِ]. وقال ابن جرير الطبري في تفسيره (٨٦/٣) : [ ثم اختلف أهل التأويل في معنى " الحكمة" التي ذكرها الله في هذا الموضع. فقال بعضهم: هي السنة. ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد، عن قتادة: والحكمة أي: السنة. وقال بعضهم: الحكمة، هي المعرفة بالدين والفقه فيه ذكر من قال ذلك : حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قلت لمالك: ما الحكمة؟ قال: المعرفة بالدين، والفقه في الدين، والاتباع له حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: والحكمة قال: (الحكمة): الدين الذي لا يعرفونه إلا به صلى الله عليه وآله وسلم يعلمهم إياها. قال: و (الحكمة)، العقل في الدين وقرأ: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وقال لعيسى : ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ قال: وقرأ ابن زيد: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا ) قال : لم ينتفع بالآيات، حيث لم تكن معها حكمة. قال: والحكمة شيء يجعله الله في القلب، ينور له به. قال أبو جعفر والصواب من القول عندنا في (الحكمة)، أنها العلم بأحكام الله التي لا يدرك علمها إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والمعرفة بها، وما دل عليه ذلك من نظائره. وهو عندي مأخوذ من (الحكم ) الذي بمعنى الفصل بين الحق والباطل.[/size]
متن العقيدة والتوحيد / بيان الأدلة المعتبرة والمردودة في الإيمان والعقائد ، الحلقة الأولى:(القرآن الكريم):
-
- مشاركات: 943
- اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm