بيان المعنى المراد من المحكم والمتشابه من خلال كلام الإمام الغزالي:

مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
أضف رد جديد
عود الخيزران
مشاركات: 943
اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm

بيان المعنى المراد من المحكم والمتشابه من خلال كلام الإمام الغزالي:

مشاركة بواسطة عود الخيزران »

بيان المعنى المراد من المحكم والمتشابه من خلال كلام الإمام الغزالي:

قال الإمام الغزالي في "المستصفى" (١٠٦/١): [مَسْأَلَةٌ : فِي الْقُرْآنِ مُحْكَمٌ وَمُتَشَابِةٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَات} ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ. وَإِذَا لَمْ يَرِدْ تَوْقِيفٌ فِي بَيَانِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ بِمَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَيُنَاسِبُ اللَّفْظَ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ، وَلَا يُنَاسِبُهُ قَوْلُهُمْ الْمُتَشَابِهُ هِيَ الْحُرُوفُ الْمُقَطَّعَةُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ وَالْمُحْكَمُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَلَا قَوْلُهُمْ : الْمُحْكَمُ مَا يَعْرِفُهُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وَالْمُتَشَابِهُ مَا يَنْفَرِدُ اللهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ، وَلَا قَوْلُهُمْ : الْمُحْكَمُ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَالْمُتَشَابِهُ الْقَصَصُ وَالْأَمْثَالُ، وَهَذَا أَبْعَدُ. بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّ الْمُحْكَمَ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا الْمَكْشُوفُ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ إِشْكَالٌ وَاحْتِمَالُ، وَالْمُتَشَابِهُ مَا تَعَارَضَ فِيهِ الاحْتِمَالُ ....وَأَمَّا الْمُتَشَابِهُ فَيَجُوزُ أَنْ يُعَبَّرَ بِهِ عَنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ كَالْقُرْءِ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} فَإِنَّهُ مُرَدَّدٌ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ، وَكَاللَّمْسِ الْمُرَدَّدِ بَيْنَ الْمَسُ وَالْوَطْءِ. وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا وَرَدَ فِي صِفَاتِ اللهِ مِمَّا يُوهِمُ ظَاهِرُهُ الْجِهَةَ وَالتَّشْبِيهَ وَيُحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلِهِ.
فَإِنْ قِيلَ : قَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} الْوَاوُ لِلْعَطْفِ أَمْ الْأَوْلَى الْوَقْفُ عَلَى اللَّهِ ؟ قُلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ مُحْتَمَلٌ ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ وَقْتَ الْقِيَامَةِ فَالْوَقْفُ أَوْلَى وَإِلَّا فَالْعَطْفُ ، إِذْ الظَّاهِرُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُخَاطِبُ الْعَرَبَ بِمَا لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ لِأَحَدٍ مِنْ الْخَلْقِ. فَإِنْ قِيلَ : فَمَا مَعْنَى الْحُرُوفِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ، إِذْ لَا يَعْرِفُ أَحَدٌ مَعْنَاهَا ؟ قُلْنَا: أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهَا وَأَقْرَبُهَا أَقَاوِيلُ، أَحَدُهَا: أَنَّهَا أَسَامِي السُّوَرِ حَتَّى تُعْرَفَ بِهَا، فَيُقَالُ سُورَةُ يس. وَقِيلَ : ذَكَرَهَا اللهُ تَعَالَى لِجَمْعِ دَوَاعِي الْعَرَبِ إِلَى الاسْتِمَاعِ؛ لِأَنَّهَا تُخَالِفُ عَادَتَهُمْ فَتُوقِظُهُمْ عَنْ الْغَفْلَةِ حَتَّى تَصْرِفَ قُلُوبَهُمْ إِلَى الْإِصْغَاءِ فَلَمْ يَذْكُرْهَا لِإِرَادَةِ مَعْنَى وَقِيلَ : إِنَّمَا ذَكَرَهَا كِنَايَةً عَنْ سَائِرِ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ الَّتِي لَا يَخْرُجُ عَنْهَا جَمِيعُ كَلَامِ الْعَرَبِ تَنْبِيهَا أَنَّهُ لَيْسَ يُخَاطِبُهُمْ إِلَّا بِلُغَتِهِمْ وَحُرُوفِهِمْ. وَقَدْ يُنَبَّهُ بِبَعْضِ الشَّيْءِ عَلَى كُلِّهِ، يُقَالُ: فَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَأَنْشَدَ أَلَا هُبِّي " يَعْنِي جَمِيعَ السُّورَةِ وَالْقَصِيدَةِ قَالَ الشَّاعِرُ :
يُنَاشِدُنِي حَامِيمَ وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ
فَهَلَّا تَلَا حَامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ
كَنَّى بِحَامِيمٍ عَنْ الْقُرْآنِ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا لَا تَفْهَمُهُ الْعَرَبُ. فَإِنْ قِيلَ الْعَرَبُ إِنَّمَا تَفْهَمُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} وَ{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} الْجِهَةَ وَالِاسْتِقْرَارَ وَقَدْ أُرِيدَ بِهِ غَيْرُهُ فَهُوَ مُتَشَابِةٌ. قُلْنَا : هَيْهَاتَ فَإِنَّ هَذِهِ كِنَايَاتٌ وَاسْتِعَارَاتٌ يَفْهَمُهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْعَرَبِ الْمُصَدِّقِينَ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وَأَنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ تَأْوِيلَاتٍ تُنَاسِبُ تَفَاهُمَ الْعَرَبِ].

أضف رد جديد

العودة إلى ”مسائل وقضايا التوحيد والإيمان“