كتب سماحة السيد حسن السقاف في صفحته الرسمية على الفيسبوك:
عدم صحة قصة تكفير الإمام الشافعي رحمه الله تعالى لحفص الفرد:
هناك قصة متداولة عند بعض المقلدة المتعصبين - مروية في بعض الكتب - يتشبثون بها في تكفير المعتزلة والقدرية تتضمن أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى كفر حفصاً الفرد المعتزلي ، وأرى أن هذه القصة مكذوبة لا تثبت لعدة أمور :
الأول : عدم ثبوت أسانيدها ، وعلامات التلاعب واضحة في تلك الأسانيد ، وسأعرضها إن شاء الله تعالى .
الثاني : أن رواة هذه القضية مع عدم ثبوتها حنابلة أو من يميلون للتيار الحنبلي كما سيتبين من أسانيدها ، ومن المعروف أنه اشتهر عنهم نسبة أقوال لعلماء لا تعرف هذه الأقوال عنهم ، بل تأليف كتب ونسبتها لبعض الأئمة لنصرة عقائدهم عند العامة وطلبة العلم وخداعهم بذلك .
ومن ذلك قول الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (17/34) في ترجمة ابن منده :
[قال أبو نعيم في تاريخ أصبهان : ... ونسب إلى جماعة أقوالاً في المعتقدات لم يُعْرفوا بها نسأل الله الستر والصيانة].
ومنها أن ابن بطة الحنبلي الوضاع كان يكشط أسماء الرواة ويضع اسمه أو اسم غيره كما في ترجمته في لسأن الميزان ، وقد عد الذهبي كتاب الرد على جهمية ورسالة الاصطخري المنسوبتين لأحمد بن حنبل وكتاب الحيدة المنسوب للكناني من جملة الكتب الموضوعة على أولئك .
الثالث : أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى كان من جملة شيوخه معتزلة كإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى المعتزلي القدري الذي ذمه أهل الحديث تعصباً ووثقه الإمام الشافعي إنصافاً ! وكان الإمام الشافعي عندما يروي عنه يقول : (حدثني الثقة) و (حدثني من لا أتهم) وهذا معروف ومشهور في ترجمة ابن أبي يحيى في تهذيب التهذيب (1/137) للحافظ ابن حجر وغيره .
الرابع : ليس لحفص الفرد ترجمة في كتب أهل السنة ولا يعلم له تاريخ ولادة ولا تاريخ وفاة، خلافاً لغيره من أئمة المعتزلة وغيرهم فقد ترجمهم علماء أهل السنة ومنهم الذهبي في سير النبلاء وغيره.
الخامس : أنه روي بإسناد رجاله ثقات أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى عرض عليه كتاب لحفص الفرد في الفرق بين النبوة والسحر فرضيه الإمام الشافعي واستحسنه ، ولو كان ضالاً مبتدعاً لم يستحسنه ولم يرضه .
فروى الآبري في "مناقب الشافعي" (1/92/59) قال :
[وقال أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي: روى حرملة عن الشافعي: أنه صنف في الفرق بين السحر والنبوة، فروجع في ذلك فقال: هذا صنفه حفص الفرد، ولكنه عرضه على الشافعي فرضيه].
السادس : أن جمهور أئمة الشافعية فيما نقله الإمام النووي عنهم ردوا قضية تكفير المعتزلة ونقلوا إجماع السلف والخلف على جواز الاقتداء بهم في الصلاة ومناكحتهم وموارثتهم وإجراء سائر أحكام المسلمين عليهم .
قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (4/254):
[وقال القفَّال وكثيرون من الأصحاب: يجوز الاقتداء بمن يقول بخلق القرآن، وغيره من أهل البدع، قال صاحب العدة: هذا هو المذهب. (قلت): وهذا هو الصواب. فقد قال الشافعي رحمه الله: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطَّابية لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم، ولم يزل السلف والخلف يرون الصلاة وراء المعتزلة ونحوهم ومناكحتهم وموارثتهم وإجراء سائر الأحكام عليهم. وقد تأوَّل الإمام الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي وغيره من أصحابنا المحققين: ما نُقِلَ عن الشافعي وغيره من العلماء من تكفير القائل بخلق القرآن على أن المراد كفران النعمة لا كفران الخروج عن الملة، وحملهم على هذا التأويل ما ذكرته من إجراء أحكام الإسلام عليهم].
وقال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (4/135) : [قاله البيهقي وغيره من المحققين ، لإجماع السلف والخلف على الصلاة خلف المعتزلة ومناكحتهم وموارثتهم].
عرض الأخبار التي فيها تكفير الإمام الشافعي لحفص الفرد وبيان عللها :
--------------------------------------
1- قال ابن أبي حاتم في "آداب الشافعي" ومناقبه ص (148) :
[أنا أبو محمد، ثنا الربيع بن سليمان، قال: حدثني من أثق به، فقال: وكنت حاضراً في المجلس، فقال حفص الفرد: القرآن مخلوق، فقال الشافعي: كفرت بالله العظيم].
أقول: في السند راوٍ مجهول كما ترى ، وابن أبي حاتم من شيعة أحمد يغرب بمثل هذه الأخبار عن الأئمة . والظاهر أن هذا الرجل المجهول هو أبو شعيب المصري كما في الرواية التالية ولم نقف له على ترجمة .
2- وقال ابن أبي حاتم في "آداب الشافعي" ومناقبه ص (149) :
[قال أبو محمد في كتابي: عن الربيع بن سليمان، قال: حضرت الشافعي، أو حدثني أبو شعيب، إلا أني أعلم أنه حضر عبد الله بن عبد الحكم، ويوسف بن عمرو بن يزيد، وحفص الفرد، وكان الشافعي يسميه حفصا المنفرد، فسأل حفص عبد الله بن عبد الحكم، فقال: ما تقول في القرآن؟ فأبى أن يجيبه، فسأل يوسف بن عمر وابن يزيد، فلم يجبه، وكلاهما أشار إلى الشافعي. فسأل الشافعي، فاحتج عليه الشافعي، وطالت فيه المناظرة، فأقام الشافعي الحجة عليه، بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وكفر حفصاً الفرد. قال الربيع: فلقيت حفصاً الفرد في المجلس بعد، فقال: أراد الشافعي قتلي].
أقول: لا يثبت لجهالة الراوي . وأبو محمد هو ابن أبي حاتم الرازي توفي سنة 327هـ وهو من شيعة أحمد بن حنبل يقول: [في كتابي: عن الربيع بن سليمان، قال: حضرت الشافعي، أو حدثني أبو شعيب] . هذا إسناد فيه شك ، لا يثبت ، وقوله (في كتابي) يؤكد أن في الإسناد شيء . وأبو شعيب المصري رجل مجهول لم نقف له على ترجمة .
3- وقال البيهقي في مناقب الشافعي ص (407) :
[أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت عبد الله بن محمد بن علي بن زياد يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: سمعت الربيع يقول: لما كلّم الشافعي رحمه الله حفص الفرد، فقال حفص: القرآن مخلوق. قال الشافعي: كفرتَ بالله العظيم].
أقول : السلمي ضعيف ورماه بعضهم بوضع الحديث كما في تذكرة الحفاظ (3/1046) ، وهو من رواية ابن خزيمة ـ صاحب كتاب التوحيد الذي فيه ما فيه ـ وسماه الفخر الرازي كتاب الشرك ـ وهو من رواية الربيع .
4- وقال البيهقي في مناقب الشافعي ص (454) :
[أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن حبان، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن زياد، قال: سمعت أبا الوليد بن الجارود يقول: دخل «حفص الفرد» على «الشافعي» فكلمه، ثم خرج إلينا الشافعي (3) فقال لنا: لأن يلقى اللهَ العبدُ بذنوب مثل جبال تِهَامَة خير له من أن يلقاه باعتقاد حرف مما عليه هذا الرجل وأصحابه. وكان يقول بخلق القرآن].
أقول : هذا من جملة الموضوعات والأكاذيب . ابن حبان هذا ليس هو صاحب الصحيح ولم أقف على أحد وثقه، له ترجمة في تاريخ بغداد (10/119) ولم يذكر فيه توثيقاً . وأبو الوليد بن الجارود هذا هو الراوي عن الربيع بن سليمان المرادي وهو من جملة من رموه بالكذب والوضع ! قال الذهبي والحافظ ابن حجر في لسان الميزان (1/213) : [أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود الرقي عن الربيع المرادي والكبار لقيه أبو نعيم الحافظ في حدود الستين وثلاث مائة وسمع منه، قال الخطيب: كان كذابا ومن بلاياه .... وقال بن طاهر كان يضع الحديث ويركبه على الأسانيد المعروفة].
وبه يتبين أن قصة تكفير الإمام الشافعي لحفص الفرد خرافة لا تثبت وأن من حكى تكفيره لحفص تساهل ولم يدقق في أسانيد القصة .
والله تعالى أعلم .
عدم صحة قصة تكفير الإمام الشافعي رحمه الله تعالى لحفص الفرد:
أقوال لأئمة وعلماء ومشايخ في العقيدة ومدى صحتها عنهم
-
- مشاركات: 943
- اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm
العودة إلى ”أقوال لأئمة وعلماء ومشايخ في العقيدة ومدى صحتها عنهم“
الانتقال إلى
- القرآن الكريم وتفسيره
- ↲ تفسير آية أو آيات كريمة
- ↲ أبحاث في التفسير وعلوم القرآن الكريم
- الحديث النبوي الشريف وعلومه
- ↲ قواعد المصطلح وعلوم الحديث
- ↲ تخريج أحاديث وبيان مدى صحتها
- ↲ شرح الحديث
- ↲ التراجم والرجال: الصحابة والعلماء وغيرهم
- ↲ أحاديث العقائد
- العقائد والتوحيد والإيمان
- ↲ القواعد والأصول العقائدية
- ↲ مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
- ↲ أقوال لأئمة وعلماء ومشايخ في العقيدة ومدى صحتها عنهم
- ↲ قضايا ومسائل لغوية تتعلق بالعقائد
- ↲ الفرق والمذاهب وما يتعلق بها
- ↲ عرض عقائد المجسمة والمشبهة والرد عليها
- التاريخ والسيرة والتراجم
- ↲ السيرة النبوية
- ↲ قضايا تاريخية
- ↲ سير أعلام مرتبطة بالتاريخ والأحداث السياسية الغابرة
- ↲ معاوية والأمويون والعباسيون
- الفكر والمنهج والردود
- ↲ توجيهات وتصحيح لأفكار طلبة العلم والمنصفين من المشايخ
- ↲ الردود على المخالفين
- ↲ مناهضة الفكر التكفيري والرد على منهجهم وأفكارهم
- ↲ أسئلة وأجوبة عامة
- الفقه وأصوله
- ↲ القواعد الأصولية الفقهية
- ↲ مسائل فقهية عامة
- ↲ المذهب الحنفي
- ↲ المذهب المالكي
- ↲ المذهب الشافعي
- ↲ المذهب الحنبلي
- علوم اللغة العربية
- ↲ النحو والصرف
- ↲ مسائل لغوية ومعاني كلمات وعبارات
- الكتب الإلكترونية
- ↲ كتب العلامة المحدث الكوثري
- ↲ كتب السادة المحدثين الغماريين
- ↲ كتب السيد المحدث حسن السقاف
- ↲ كتب مجموعة من العلماء
- المرئيات
- ↲ العقيدة والتوحيد: شرح متن العقيدة والتوحيد