تفنيد مرتكزات فكر العنف والتطرف:

مناهضة الفكر التكفيري والرد على منهجهم وأفكارهم
أضف رد جديد
cissoso
مشاركات: 82
اشترك في: الجمعة أكتوبر 27, 2023 7:01 pm

تفنيد مرتكزات فكر العنف والتطرف:

مشاركة بواسطة cissoso »

بيان المعنى الصحيح لبعض الأحاديث التي يحتج بها من يدعوا الناس إلى العنف والقتل والاعتداء والغلظة على المخالفين في الرأي من المسلمين وغير المسلمين بوجوه عابسة مظلمة مكفهرة:
منشور بتاريخ: (١٣/٦/٢٠٢٢)
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، ورضي الله تعالى عن صحابته البررة المتقين .
أما بعد: فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} وبعث سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويهديهم صراطاً سوياً، بشيراً ونذيراً يبين للناس ما أنزل إليهم من ربهم، لينشر العدل بين الناس ويقضي على الظلم والاستبداد، {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}، وقال في الأبوين المشركين: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}، ولم يقل اقتلهما لأنهما يشركان، وبيَّن الله تعالى في كتابه الكريم أنه جعل الناس شعوباً وقبائل ليتعارفوا، وغير ذلك مما في هذا المعنى كثير، وكله دال على أن الإسلام دين الرحمة والرأفة والإحسان لا دين البغض والقتل والتخريب والطغيان.

وقد نبتت نابتة اقتدت بمن سلفها من بعض الجبارين في البغي والعدوان وحب القتل وسفك الدماء وترويع الآمنين وتكفير المؤمنين ونشر الفساد في الأرض كالحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان يتتبع الأحاديث التي يستدل بها هو على الظلم وسفك الدماء الذي يحقق له باطله وأمانيه حتى قتل عباد الله المؤمنين وصفوة عباد الله تعالى الصالحين من الصحابة والتابعين كسعيد بن جبير وأمثاله من أولياء الله تعالى المقربين.

وقد احتج من سلك هذا السبيل المعوج الذي لا يرضاه الله تعالى ولا رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ومن وافقهم في فكرهم في تكفير الناس واستباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم وديارهم بأحاديث نذكرها هنا ثم نبين عقبها أوجه فساد استدلالهم بها وبطلان استمساكهم بما ذهبوا إليه ودرجتها من الصحة والضعف، لتفهم على وجهها الصحيح المقصود شرعاً، عسى الله تعالى أن يهدي الجميع إلى سبيل الرشاد سبيل الرحمة والرأفة والرفق الذي حض عليه كتاب الله تعالى وسنة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .

هذا وفي كتاب الله تعالى آيات كثيرة تحذر من قتل الناس وخاصة المؤمنين من العباد، {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} والقاتل منغمس في سخط الله تعالى وربما يقتل الرجل إنساناً يخلد بقتله في نار جهنم ليس بخارج منها ، فالله تعالى يقول في كتابه العزيز: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} النساء:93.

وإليكم بعض الأحاديث التي يستدلون بها:

1- حديث : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
(أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي نَفْسَهُ وَمَالَهُ إِلا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ). رواه البخاري (2946) ومسلم (21).
نقول: هذا الحديث روي من طرق عديدة عن عمر ابن الخطاب وابنه عبد الله وأبو هريرة وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله وغيرهم رضي الله عنهم في البخاري ومسلم، وفي بعضها زيادات فيها ذكر الصلاة والصيام، وسيأتي الجواب عليها فيما بعد إن شاء الله تعالى.
والجواب على هذا الحديث من وجوه :

1- قوله في الحديث (أقاتل الناس) ليس معناه أقتلهم, قال أئمة اللغة: (ليس كل قتال بمعنى القتل) وجاء في الحديث الصحيح: ((الصيام جُنَّة فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤٌ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم))( ) . قاتله هنا ليس معناه قتله وإنما شتمه وصاح عليه وربما يصل إلى كونه ضاربه. فيكون معنى ( أمرت أن أقاتل الناس ) أي أجاهدهم بالصبر والجلد على إثبات الدين الذي أرسلني الله تعالى به بمجادلتهم ومحاورتهم في ذلك حتى يقتنعوا بالإسلام ويدخلوا فيه! وفي حالة الحرب حتى عند القدرة على الأعداء من قال منهم (لا إله إلا الله) فإنه يعصم دمه ونفسه من القتل وحسابه على الله سبحانه. كما جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله)؟! رواه البخاري (4269) ومسلم (96).
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري شرح صحيح البخاري" (1/583): عند شرح حديث: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ).
[قال القرطبي: أي بالإشارة ولطيف المنع، وقوله (فليقاتله) أي يزيد في دفعه الثاني أشد من الأول، قال: وأجمعوا على أنه لا يلزمه أن يقاتله بالسلاح لمخالفة ذلك لقاعدة الإقبال على الصلاة والاشتغال بها والخشوع فيها اهـ وأطلق جماعة من الشافعية أن له أن يقاتله حقيقة واستبعد ابن العربي ذلك في القبس وقال: المراد بالمقاتلة المدافعة].
ذكر هذا عدة من شراح الحديث منهم: الزرقاني في شرح الموطأ (1/441)، أبوالطيب العظيم أبادي (2/391)، والصنعاني في سبل السلام (1/145).
وهنا ينبغي التأمل جيداً في أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم في المار بين يدي المصلي (فليقاتله) لم يعنِ قتله.
وقال العلامة الزبيدي في "شرح القاموس المحيط " في مادة (قتل) وكذا ابن منظور في "لسان العرب" (11/552):
[قَوْله تَعالى: {قُتِلَ الإنسانُ ما أَكْفَرَه} أي: لُعِنَ. قاله الفَرّاء، قَوْله تَعالى: {قاتَلَهم اللهُ أنَّى يُؤْفَكون} أي لَعَنَهم أنّى يُصرَفون، ليس هذا من القتالِ الذي هو المُحارَبةُ بين اثنَيْن، .. وقال أبو عُبَيْدةَ: معنى قاتَلَه اللهُ، أي قَتَلَه، ويقال: عاداه، ويقال: لَعَنَه، قال ابنُ الأثير: وقد تكرَّرَ في الحديث، ولا يخرجُ عن أحدِ هذه المعاني، .. ومنه قولُ عمرَ رَضِيَ الله تَعالى عنه: قاتَلَ اللهُ سَمُرَةَ. وفي حديثِ المارِّ بين يَدَيِ المُصَلِّي: قاتِلْهُ فإنّه شَيْطَانٌ أي دافِعْه عن قِبْلَتِكَ، وليس كلُّ قِتالٍ بمعنىً القَتْل].
وقال ابن سيده: [وعاركه معاركة وعراكاً قاتله].

2- أن سيدنا رسول الله بعث لهداية الناس ورحمة لهم لا لقتلهم وذبحهم وقد استفاضت نصوص الكتاب والسنة في ذلك، وأنه بعث ليخرج الناس من الظلمات إلى النور. والأمم السابقة مثل فرعون عندما أرسل الله له سيدنا موسى وكان يقتل بني إسرائيل ويذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم عاقبه الله تعالى بالغرق والهلاك، فالطغاة الذين حاربوا الأنبياء وكذبوهم وقتلوا أتباعهم سلط الله عليهم عباده المؤمنين ليقاتلوهم بظلمهم وتعديهم، أما سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فكان رحمة للعالمين فلم يبعث الله على قومه ومن كذبه عذاباً يستئصلهم وكان يقول: (أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً). رواه البخاري (3231) ومسلم (1795).

3- القاعدة القرآنية القطعية تفيد أنه لا إكراه في الدين. قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} يونس:99.

4- قوله ( أمرت أن أقاتل الناس ) الناس هنا ليس عموم الناس فهناك نصوص بأن بعض أصناف الناس تؤخذ منهم الجزية ولا يكرهون على الدخول في الإسلام، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يمتحن إسلام أهل مكة عندما فتحها بل قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، وكان منهم صفوان بن أمية الجمحي شهد مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حنين والطائف وهو مشرك كافر، قال الذهبي في السير (2/565):
[فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل هوازن بحنين فأرسل إلى صفوان يستعيره أداة وسلاحاً كان عنده فقال طوعاً أو كرهاً؟ قال لا بل طوعاً، ثم خرج معه كافراً فشهد حنيناً والطائف كافراً].

5- وهناك جواب قوي وهو : أن المراد بالناس هنا المقاتلين والمحاربين في حال الحرب والقتال، فيكون معناه: أُمِرْتُ بقتال الكفار المحاربين في حال الحرب عندما تتوفر شروط الجهاد بالسلاح فإن قالوا لا إله إلا الله فقد عصموا دماءهم، والدليل عليه ما رواه مسلم (2405) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم خيبر: (لأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ). قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَا أَحْبَبْتُ الإِمَارَةَ إِلا يَوْمَئِذٍ. قَالَ: فَتَسَاوَرْتُ لَهَا رَجَاءَ أَنْ أُدْعَى لَهَا. قَالَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا وَقَالَ: (امْشِ وَلا تَلْتَفِتْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ). قَالَ: فَسَارَ عَلِيٌّ شَيْئًا ثُمَّ وَقَفَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ فَصَرَخَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَاذَا أُقَاتِلُ النَّاسَ؟ قَالَ: (قَاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ). ويؤكِّده حديث أسامة بن زيد: (يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله) رواه البخاري (4269) ومسلم (96)؟!
والله تعالى أعلم.
أضف رد جديد

العودة إلى ”مناهضة الفكر التكفيري والرد على منهجهم وأفكارهم“