(الرد على من اعترض علينا في تضعيف قول ابن المبارك)
وقفت على قول لمن لا أعرفه ـ أرسله لي بعض الأحباب ـ يتعقب فيه على ما كتبته حول الكلام الباطل المروي عن ابن المبارك الذي فيه (أن الغبار الذي في أنف معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز)، وكنت قد نصبت مصيدة فيما كتبت في ذلك لأرى كيف سيقع فيها المتمسلفون المتحالفون مع بعض المتعصبين ليظهر قصورهم في الاعتراض ومبلغ تشدقهم فيما لا يحسنونه، وما تعقبه علينا ذلك المتعقب مما لا يخفى على العبد الفقير، وما حاول أن يثبت به جهلي في هذه الصناعة مما لا يعبأ به بعدما قضيت منذ أكثر من ثلاثين سنة على الألباني المتناقض وبينت جهله وقصوره في تتبع طرق الأحاديث وأسانيدها ورجالها وتناقضه في ذلك كله، وعلى كل حال فإنني أرد على تلك التعقبات القاصرة من ذلك الأستاذ الكاتب المجهول لديَّ الآن والذي بلغني أنه تحالف مع جماعة أعرفهم لا داعي لذكرهم في الوقت الراهن، وإنما نرجىء الكلام عليهم وتعقبهم في وقت آخر مناسب.
وإنني أشرع في تعقب التعقب وأبطل ما في ذلك الاعتراض فأقول:
قال الكاتب الذي لا أعرفه:
[أوهام السقاف في كلامه على قول ابن المبارك: (غبار في أنف معاوية) الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.. وبعد: فقد أوقفني فاضل على كلام للشيخ حسن السقاف رام فيه الطعن على قول ابن المبارك: (غبار في أنف معاوية خير من عمر بن عبد العزيز) فلما تأملته رأيت فيه أغاليط حمله عليها إما عدم درايته بالحديث إسناداً ومتنا كما يليق، وإما عصبيته على معاوية رحمه الله، وقد تضمن كلامه الطعن في الخبر إسناداً ومتنا. فأما كلامه على الإسناد فلن أتكلم معه إلا على محاولته الطعن في رواية الباغندي، لأنها صحيحة ثابتة مسلسلة بالحفاظ].
أقول: هذا مردود باطل!! لأجل أن المتعقب علينا لا يعرف بأن محمد بن محمد بن سليمان الباغندي المزعوم هنا توفي سنة (312هـ)، والراوي عنه ابن أشته ولد سنة (410هـ) فلا علاقة للباغندي في هذه الرواية! وادعاء أنها رواية (صحيحة ثابتة مسلسلة بالحفاظ) من غلطات وأحلام اليقظة التي يعيشها هذا المتعقب وأنصاره للقضاء على أفكار العبد الفقير السقاف.
ثم أكمل هذا الكاتب الذي لا أعرفه فقال:
[ورأيت في كلام السقاف من الوهم العجيب ما يستدعي التنبيه عليه لئلا يغتر به من لا يدري. قال السقاف عن قول ابن المبارك: هذا كلام باطل لم يصح ولم يثبت عن قائله، أولاً: عدم صحة إسناده عن عبد الله بن المبارك! فهو غير ثابت عنه، وليس له إسناد يصح، وعند ابن عساكر في التاريخ: أخبرنا أبو بكر اللفتواني أنا أحمد بن عبد الغفار بن أشتة بقراءتي عليه أنا محمد بن محمد بن سليمان أنا عبد الله بن محمد بن جعفر نا أحمد بن محمد البزاز نا إبراهيم بن عيسى نا أحمد الدوري نا محمد بن يحيى بن سعيد قال سئل ابن المبارك عن معاوية فقيل له: ما تقول فيه؟ قال: ما أقول في رجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سمع الله لمن حمده) فقال معاوية من خلفه: (ربنا ولك الحمد)؟! فقيل له: ما تقول في معاوية هو عندك أفضل أم عمر بن عبد العزيز؟ فقال: لتراب في منخري معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أو أفضل من عمر بن عبد العزيز. قال السقاف: وهذا أيضاً إسناد تالف وفيه مجاهيل وكذلك فيه مَن رمي بالكذب! ومن ذلك:
1- محمد بن محمد بن سليمان هو الباغندي مرمي بالكذب، في (لسان الميزان) للحافظ ابن حجر، قال الذهبي: كان مدلسا وفيه شيء. قال ابن عدي: أرجو أنه كان لا يتعمد الكذب. وقال الإسماعيلي: لا اتهمه ولكنه خبيث التدليس ومصحف أيضا. وقال الخطيب: رأيت كافة شيوخنا يحتجون بحديثه ويخرجونه في الصحيح... وقال السلمي سألت الدارقطني عن محمد بن محمد الباغندي؟ فقال: مخلِّط مدلس يكتب عن بعض اصحابه ثم يسقط بينه وبين شيخه ثلاثة وهو كثير الخطأ رحمه الله تعالى.
2- وعبد الله بن محمد بن جعفر توفي (315هـ) في لسان الميزان: رماه الحاكم والدارقطني وغيرهما بالكذب، قال: فالقصة تالفة من ناحية الإسناد، وباطلة من ناحية المتن. هذا كلامه بحروفه، وأقول وبالله التوفيق: أما الباغندي فحافظ كبير لا يعاب عليه إلا التدليس كما حققه الخطيب بل قال: (الباغندي مذكور بالضعف ولا أعلم لأية علة ضُعّف فإن رواياته مستقيمة ولا أعلم في حديثه منكراً) هذا كلامه، ولا يضر ما رمي به من التدليس في هذا الخبر عن ابن المبارك، لأنه صرح فيه بالتحديث أو ما يقوم مقامه كما هو ظاهر،
والعجب أن الأستاذ السقاف يضعف حديثه في فضل معاوية على عمر بن عبد العزيز برميه بالكذب مع أن حكاية رميه بالكذب لا تصح عن الدارقطني كما حققه العلامة المعلمي في (التنكيل) وفي إسنادها من لا يُعرف، بل الثابت عن الدارقطني أنه قال في الباغندي: (لا بأس به) حكاه عنه أبو عبد الرحمن السلمي].
وأقول مجيباً هذا المعترض: الباغندي لا وجود له في السند، وما أوقعك في هذا إلا (المصيدة التي نصبناها لأمثالك) وعدم معرفتك بالرواة ووفاياتهم، والذي يتعقب أهل هذه الصناعة ويتشدق عليهم بوصف الجهالة سينكشف حاله ويفضح ادعائه المعرفة لئلا يلتفت أحد إلى ترهاته الفارغة!
ومع أن الباغندي ليس له دخل ولا وجود في هذه الرواية أقول متعقباً له في الباغندي الذي لا وجود له في السند:
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (14/386): [وقال الدارقطني في الضعفاء: الباغندي مدلس مخلط يسمع من بعض رفاقه ثم يسقط من بينه وبين شيخه وربما كانوا اثنين وثلاثة وهو كثير الخطأ. قال البرقاني سألت أبا بكر الإسماعيلي عن ابن الباغندي فقال لا أتهمه في قصد الكذب ولكنه خبيث التدليس ومصحف أيضا كأنه تعلم من سويد التدليس. وقال حمزة السهمي سألت أبا بكر بن عبدان عن محمد بن محمد الباغندي هل يدخل في الصحيح فقال لو خرجت الصحيح لم أدخله فيه كان يخلط ويدلس وليس ممن كتبت عنه آثر عندي ولا أكثر حديثا منه إلا أنه شره وهو أحفظ من أبي بكر بن أبي داود وسألت أبا الحسن الدارقطني عنه فقال كثير التدليس يحدث بما لم يسمع وربما سرق].
وقال ابن عدي في الكامل في الضعفاء (6/300): [وللباغندي أشياء أنكرت عليه من الأحاديث وكان مدلسا يدلس على ألوان وأرجو أنه لا يتعمد الكذب].
وقال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (5/361): [وقال الخليلي عن الحاكم قال الحافظ أبو علي النيسابوري ثنا أبو بكر الباغندي ثنا أبو كامل عن غندر عن بن جريج عن عطاء عن بن عباس رضي الله عنهما رفعه الأذنان من الرأس قال ونحن نتهمه لم يحدث به في الإسلام غيره..]. وما حاول أن يبين بأنه برىء منه لا يتم ذلك له بعد البحث والتفصي.
أما النقل عن المعلمي من التنكيل! فكل من ينقل من التنكيل ويحتج بما فيه من الترهات فهو مبطل! وقوله على جرف هار! فالتنكيل رجع عنه صاحبه ولم ينشره لما وجد أن ما كتبه الشيخ العلامة الكوثري رحمه الله تعالى حق وصدق، وبقي الكتاب مخطوطاً عند ورثة المعلمي حتى جاء الألباني وزهير الشاويش فاشترياه من ورثة المعلمي وطبعاه! ووقع الخلاف والافتراق بين الشاويش والألباني على هذا الكتاب حتى وصلا إلى المحاكم النظامية كرامة من كرامات العلامة الكوثري التي أكرمه الله تعالى بها على المبطلين الزائغين.
ثم أكمل هذا الكاتب المعترض الذي لا أعرفه فقال:
[وأما تضعيفه بعبد الله بن محمد بن جعفر فهو وهم قبيح من السقاف لا يليق بمن ينتحل صناعة الحديث، فإن هذا ليس هو عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني المصري الذي رمي بالكذب كما ظنه السقاف، وإنما هو الحافظ الكبير الثبت أبو الشيخ الأصبهاني صاحب التصانيف،].
وأقول ناقضاً لما قال: لا دليل لك على ذلك إلا الأوهام التي ستعرفها ويعرفها المهتمون عند بيان حال السند بعد قليل إن شاء الله تعالى.
ثم أكمل هذا الكاتب الذي لا أعرفه فقال:
[وأما القزويني فليس هو من شيوخ الباغندي بل من أقرانه].
وأقول: هذا قول لا دليل عليه فكم تدابج الأقران ورووا عن بعضهم!
ثم أكمل هذا الكاتب الذي لا أعرفه فقال:
[ثم زعم السقاف أن في الإسناد عن ابن المبارك مجاهيل، فإن قصد إبراهيم بن عيسى فغلط قبيح منه، فإنه الزاهد العابد صاحب السيد الإمام العارف بالله معروف الكرخي، ذكره أبو الشيخ في (طبقات الأصبهانيين) وقال: (كان عابدا فاضلا، لم يكن بأصبهان في زمانه مثله). وغلط الذهبي فأدخله في (الميزان) بدعوى الجهالة لأنه اعتمد على قول أبي الشيخ إنه لم يرو عنه إلا أحمد بن محمد البزار فظن أنه مجهول، وقد تعقبه الحافظ في (اللسان) بأنه معروف روى عنه أيضا أحمد بن نعيم بن ناصح وعبد الله بن محمد بن زكريا، فزالت عنه الجهالة عينا وحالا. وإن قصد بالجهالة الراوي عنه أحمد بن محمد البزار، فغلط أقبح من الأول، فهو حافظ أصبهاني كنيته أبو العباس وهو من شيوخ الحافظ أبي الشيخ، ذكره في (طبقاته) وقال: (من أفاضل الناس، حسن الحدِيث كثير الفوائد).
وإن قصد السقاف بالجهالة أحمد الدوري، فقد تصحّف عليه، والصواب: أحمد الدورقي، وهو أحمد بن إبراهيم الدورقي الحافظ الثبت، صاحب ابن معين، ومن شيوخ مسلم. وأما محمد بن يحيى بن سعيد فهو القطان ابن الحافظ المشهور،
وإن قصد أحمد بن عبد الغفار بن أشتة فقبيح منه لأنه أبو العباس الكاتب الحافظ الأصبهاني المصنف المشهور بالثقة، صاحب المسند].
أقول: أي مسند هذا الذي كان هذا الرجل صاحبه ؟!
وكل هذا الكلام الفارغ سينكشف بطلانه إن شاء الله تعالى أثناء التفصيل على رواة هذا القول عن ابن المبارك، وأنه قائم بلا دليل!
ثم أكمل هذا الكاتب الذي لا أعرفه فقال:
[وإن قصد شيخ ابن عساكر أبا بكر اللفتواني فهو محمد بن شجاع الأصبهاني الحافظ، ذكره الحافظ أبو سعد السمعاني في (معجمه) وقال: (شيخ صالح كثير العبادة والخير حسن الطريقة عارف بالحديث وطرقه أفنى عمره في سماع الحديث وكتابته وما كنت أدخل عليه إلا وهو يصلي أو ينسخ شيئا أو يقرئ الحديث أكثر عن شيوخ أصبهان وسمع العالي والنازل)].
أقول: قال السمعاني في التحبير في المعجم الكبير (2/134): [شيخ صالح كثير العبادة والخير حسن الطريقة عارف بالحديث وطرقه أفنى عمره في سماع الحديث وكتابته وما كنت أدخل عليه إلا وهو يصلي أو ينسخ شيئا أو يقرئ الحديث أكثر عن شيوخ أصبهان وسمع العالي والنازل عمن أقبل وأدبر وكان يقرأ قراءة غير مفهومة مدغمة ويكتب خطأ مثل ذلك لا يمكن قراءته لكل أحد..].
فالمنتقد المعترض علينا دلس وبتر ووقف عند قوله (وسمع العالي والنازل) وتمامه: (عمن أقبل وأدبر ) وأن (قراءته غير مفهومة) و (خطه لا يمكن قراءته) فلو كان ثقة أو حسن الحديث لذكر ذلك ولكن لم يذكره! والرجل من الراوين عن ابن منده وأضرابه من الحنابلة، فهو حاطب ليل في الحديث يروي عمن هب ودب!
ثم أكمل هذا الكاتب الذي لا أعرفه فقال:
[فمن يجهل هؤلاء الحفاظ كيف يدعي معرفة الحديث ويرمي العارفين به بالجهالة والتناقض.؟! ثم تكلم السقاف على متنه فقال: (ثانياً: كيف يكون تراب في أنف رجل أو أنف فرس عليه مختلط بمخاط الفرس أفضل من رجل مسلم وحاكم عادل وعالم وعابد من التابعين والسلف الصالح مثل عمر بن عبد العزيز؟! وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح بأن المؤمن أعظم حرمة عند الله من الكعبة المشرفة، فمن قال بأن الغبار الذي في أنف الفرس المختلط عادة بالمخاط أفضل من المؤمن الصالح فقد طعن في نفسه! وكان كلامه من جملة الهراء الذي يرمى ولا يلتفت إليه، وكذلك إن كان التراب في نعل الفرس الذي يكون مختلطاً بروثها وبولها كما هي العادة، فبمثل هذه الأدلة الفاشلة تثبت الفضائل عند النواصب). وهذا منه ضرب في حديد بارد، وتخديش في الجلامد، فقد صح الخبر بيقين عن ابن المبارك، ولا يتجه رده بهذه].
وكل هذا كلام لا قيمة له عند البحث العلمي! وإليكم تفصيل الكلام على سند هذا القول لابن المبارك الذي ينكشف فيه بطلان ما قاله المعترض:
قال ابن عساكر في تاريخه:
1- أخبرنا أبو بكر اللفتواني (أصبهاني) (467-533هـ) (ضعيف):
قلت: قال في التحبير في المعجم الكبير (2/134): [شيخ صالح كثير العبادة والخير حسن الطريقة عارف بالحديث وطرقه أفنى عمره في سماع الحديث وكتابته وما كنت أدخل عليه إلا وهو يصلي أو ينسخ شيئا أو يقرئ الحديث أكثر عن شيوخ أصبهان وسمع العالي والنازل عن من أقبل وأدبر وكان يقرأ قراءة غير مفهومة مدغمة ويكتب خطأ مثل ذلك لا يمكن قراءته لكل أحد..].
فصاحبنا المنتقد دلس وبتر ووقف عند قوله (وسمع العالي والنازل) وتمامه: (عمن أقبل وأدبر ) وأن (قراءته غير مفهومة) و (خطه لا يمكن قراءته) فلو كان ثقة أو حسن الحديث لذكر ذلك ولكن لم يذكره! والرجل من الراوين عن ابن منده وأضرابه من الحنابلة، فهو حاطب ليل في الحديث يروي عمن هب ودب!
ولا يفيد قول بعضهم (من أهل الثقة) أنه ثقة في الرواية بل ثقة في دينه وصلاحه.
وهذا يفيدنا أن اللفتواني ضعيف وربما نتسامح فنحسن خبره إذا لم يعارضه شيء!
2- أنا أحمد بن عبد الغفار بن أشتة (أصبهاني) (410-492هـ) بقراءتي عليه:
في كتاب التقييد برقم (170):
[قال يحيى بن منده: أحمد بن عبد الغفار بن أحمد بن علي بن أشتة كثير السماع واسع الرواية].
وليس كل من كان كثير السماع واسع الرواية ثقة كما هو معلوم عند العالمين بهذه الصناعة!
وآل مندة الذين أثنى أحدهم عليه عندنا من جملة المشبهة والمجسمة، وقد كان بعضهم ينسب أقوالاً للعلماء والأئمة، وإذا تفرد هؤلاء بالثناء على شخص فهو مشكوك فيه! انظر في تاريخ الإسلام (31/330) للذهبي ثناء يحيى هذا على عمه المجسم عبد الرحمن بن محمد بن مندة.
وقال الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (17/34) في ترجمة ابن منده ـ محمد بن إسحاق ـ:
((قال أبو نعيم في تاريخ أصبهان: ابن منده حافظ من أولاد المحدثين اختلط في آخر عمره، فحدّث عن ابن أسيد وابن أخي أبي زرعة الرازي، وابن الجارود بعد أن سُمِع منه أنَّ له عنهم إجازة، وتخبَّط في أماليه، ونسب إلى جماعة أقوالاً في المعتقدات لم يُعْرفوا بها نسأل الله الستر والصيانة..)). ودفاع الذهبي عنه باطل لنصرة الاعتقاد.
قال ابن عساكر أيضاً عن ابن منده كما نقله الذهبي نفسه هناك: ((لابن منده في كتاب معرفة الصحابة أوهام كثيرة)).
3- أنا محمد بن محمد بن سليمان (وضاع): قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (5/364): [محمد بن محمد بن سليمان المعداني عن الطبراني أتى بخبره موضوع اتهم به].
وقال الذهبي في الضعفاء (5946): [محمد بن محمد بن سليمان المعداني عن الطبراني بخبر كذب هو آفته وعنه أبو القاسم ابن منده]. وانظر الكشف الحثيث فيمن رمي بوضع الحديث برقم (727).
وأما محمد بن محمد بن سليمان الباغندي فتوفي سنة (312). ولا يمكن أن يروي عنه ابن أشته المولود سنة (410) السابق ذكره، فذهب كل ما قاله هذا المتنطع أدراج الرياح.
4- أنا عبد الله بن محمد بن جعفر (مجهول لا يمكن تعيينه):
هناك جماعة بهذا الاسم:
الأول: أبو الشيخ ابن حيان (274-369هـ).
والثاني: عبد الله بن محمد بن جعفر بن قيس أبو الحسن البزاز (ت395هـ) كما في تاريخ بغداد (10/139).
والثالث: عبد الله بن محمد بن جعفر بن محمد بن موسى بن يزيد بن شاذان أبو الحسين البزاز (ت351هـ) كما في تاريخ بغداد (10/128).
والرابع: عبد الله بن محمد بن جعفر بن شاذان شيخ لا يعرف كما في لسان الميزان للحافظ ابن حجر (3/346).
والخامس: عبد الله بن محمد بن جعفر أبو القاسم القزويني توفي سنة (315) وهو مرمي بالوضع. كما في لسان الميزان (3/345). وقال الذهبي في المغني في الضعفاء (3325): [عبدالله بن محمد بن جعفر أبو القاسم القزويني الفقيه مشهور كذبه الدارقطني].
قال الحافظ الهروي المتوفى سنة (405هـ) في كتابه: ((المعجم في مشتبه أسماء المحدثين)) ص (180): [عبدالله بن محمد بن جعفر بن حيان إثنان، أحدهما: أبو الشيخ الأصبهاني الحياني. والثاني: أبو بكر روى عن إسحاق بن أحمد الفارسي، روى عنه أبو نصر الفضل بن محمد بن سعيد القاساني].
وأبو الشيخ ابن حيان ذكروا أنه روى عنه أحمد بن محمد بن علي الخزاعي المترجم في تاريخ أصبهان (3/414).
وهناك آخرون، فأي واحد من هؤلاء المقصود بالرواية هنا وما هو الدليل عليه ؟
فالتحقيق أن يحكم بكون عبد الله بن محمد بن جعفر مجهولاً.
5- نا أحمد بن محمد البزار (الأصبهاني) (ت293هـ) (حسن الحديث): مترجم في طبقات أصبهان (3/408) على أنه حسن الحديث.
لكن يحتمل أن يكون الاسم مصحفاً من (أحمد بن محمد بن علي الخزامي) لأن أبو الشيخ بن حيان إن كان هو الراوي فإنه يروي عن هذا كما في ترجمته.
فيرجع الأمر إلى الجهالة.
6- نا إبراهيم بن عيسى إن كان الزاهد (أصبهاني) (ت247هـ): فهو مترجم في تاريخ أصبهان (3/408) لأبي نُعَيم حيث قال هناك:
[أبو إسحاق كان من العباد والفضلاء لم يخرج حديثه لإقباله على التعبد صحب معروفاً الكرخي توفي سنة سبع وأربعين ومائتين].
وفي طبقات أصبهان (2/341) لأبي الشيخ ابن حيان: [إبراهيم بن عيسى الزاهد كان عنده عن أبي داود وشبابة وكان صحب معروف الكرخي توفي سنة سبع وأربعين ومائتين وكان خيرا فاضلا عابدا لم يكن ببلدنا مثله في زمانه لم يخرج حديثه وما رأينا أحدا حدث عنه إلا أبو العباس البزار أحاديث يسيرة..].
وهناك أيضاً من أسمه: إبراهيم بن عيسى القنطري وهو مترجم في الكشف الحثيث الترجمة رقم (16) وفيها: [إبراهيم بن عيسى القنطري عن أحمد بن أبي الحواري قال الخطيب مجهول قال الذهبي وخبره باطل].
7- نا أحمد الدوري (مجهول): هناك جماعة ممن تسمى بهذا، لكن من ترجمة الذي قبله يترجح أنه ربما تصحف من أحمد بن أبي الحواري المتوفى سنة (246) فقد تقدم في ترجمة المجهول (إبراهيم بن عيسى القنطري) الذي قبله أنه روى عن أحمد بن أبي الحواري.
وربما يكون تصحف أيضاً من أحمد الدورقي المتوفي سنة (246) وقال ابن حبان في الثقات سنة (242). ومولده سنة (168). وبما أنه لا جزم ومع وجود هذه الاحتمالات فهو من جملة المجاهيل.
8- نا محمد بن يحيى بن سعيد القطان (233 أو 223): على خلاف ما بين التقريب لابن حجر وتهذيب الكمال للمزي. قال الذهبي في الكاشف (5209): [محمد بن يحيى بن سعيد القطان أبو صالح عن أبيه وابن عيينة وعنه ابناه وأبو يعلى علق له البخاري وله في مقدمة مسلم خت مق].
ولم يخرج له أصحاب الكتب الستة إلا البخاري حديثاً واحداً معلقاً متابعة وأحمد كذلك حديثاً واحداً متابعة. وثقه ابن حبان كما في تهذيب المزي وفي حاشيته نقل عن ابن معين في توثيقه.
قال سئل ابن المبارك.. فذكره. والأصل في (سئل) الانقطاع. أي أن محمد بن يحيى لم يسمعه منه.
فملخص الكلام في إسناد هذا الحديث أن الباغندي ليس من رجال إسناده، وفي هذا السند مجاهيل، لا يستطيع المدعي أن ييثبت بأنه مسلسل بالحفاظ وغير ذلك من الدعاوى إلا بدليل.
أما المتن فمنكر تكلمنا عليه.
وهو معارض بما رواه الحافظ البلاذري في أنساب الإشراف (5/137) ـ كما قال بعض الإخوة الفضلاء وهو أبو حسان المنزه ـ حيث قال:
حدثني الحسين ابن علي بن الأسود عن يحيى عن عبدالله ابن المبارك قال: ها هنا قوم يسألون عن فضائل معاوية، وبحسب معاوية ان يترك كفافاً.
وهذا الإسناد لا يقل عن رتبة الحسن.
(أقول: وهذا أقوى بكثير من ذلك السند التالف..!!)
بل انه يشابه كثيراً كلام الامام النسائي الذي استشهد بسبب كلمة الحق في معاوية. ذكر الذهبي في ترجمته في سير إعلام النبلاء(14/132):
أن النسائي خرج من مصر في آخر عمره إلى دمشق، فسئل بها عن معاوية، وما جاء في فضائله، فقال: لا يرضى رأسا برأس حتى يفضل ؟....
وكنت قد قلت ـ أنا العبد الفقير ـ في المقال السابق:
كيف يكون تراب في أنف رجل أو أنف فرس عليه مختلط بمخاط الفرس أفضل من رجل مسلم وحاكم عادل وعالم وعابد من التابعين والسلف الصالح مثل عمر بن عبد العزيز ؟! وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح بأن المؤمن أعظم حرمة عند الله من الكعبة المشرفة.
فمن قال بأن الغبار الذي في أنف الفرس المختلط عادة بالمخاط أفضل من المؤمن الصالح فقد طعن في نفسه! وكان كلامه من جملة الهراء الذي يرمى ولا يلتفت إليه.
وكذلك إن كان التراب في نعل الفرس الذي يكون مختلطاً بروثها وبولها كما هي العادة!
فبمثل هذه الأدلة الفاشلة تثبت الفضائل عند النواصب! ومن هنا يتبين لنا كيف يركض المتمسلفون والنواصب بالنصوص دون وعي ودون دراية وفهم!
وبذلك تم الجواب على قول المعترض علينا وسيكتشف طلبة العلم المعتنون بهذا الأمر كيف أنه يجزم ـ المعترض الذي يقبح به أن يتكلم فيما لا يحسنه ـ بأن الراوي فلان هو فلان بلا دليل ولا برهان ويتشدق وينافح عن الباغندي وهو لا يدري أن الباغندي ليس في هذا الإسناد وإنما هو رجل آخر!
والله أعلم والحمد لله رب العالمين!
_____________(تعليقات مفيدة)_____________
وَأَنَا أَقْرَأُ فِي جُؤنَة العطَّار لِلْحَافِظِ أَبِي الفَيْضِ الغُمَارِي، رَأَيْتُ أنْ أَنْقُلَ تَضْعِيفَهُ وَتَكْذِيبَهُ - الَّذِي تَطَّلِعُونَ عَلَيْهِ - لـِ أَثَرِ [غُبَارِ أَنْفِ مُعَاويَةَ] كَتَأكِيدٍ لحُكْمِكُمْ عَلَيْهِ بِالبُطْلَانِ.
قَال الحَافِظُ ج1ص50، بِعُنوانِ (كِبْرُ مُعَاوِيَةَ بِشَهَادَةِ الإِمَامِ مالِكٍ) مَا نَصُّهُ:
[نَقَلَ الذَهَبِيُّ في التَّارِيخِ عَنِ الإِمَامِ مَالكٍ أَنَّهُ قَالَ: (إنَّ مُعَاوِيَة نَتَفَ الشَّيْبَ كَذَا وَكَذَا سَنَةَ، وَكَانَ يَخْرُجُ إِِلَى الصَّلَاةِ وَرِدَاؤُهُ يُحْمَلُ، فَإِذَا دَخَلَ مُصَلَّاهُ جُعِلَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مِنَ الكِبْرِ) اه....
وَهَذَا يُكَذِّبُ مَا نُقِلَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ: (غُبَارُ حَافِرِ فَرَسِ مُعَاوِيَةَ أَفْضَلُ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ)، وَرُبَّمَا نَقَلَ بَعْضُهُمْ هَذَا عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ وَكُلُّهُ ((كَذِبٌ)). وَإِذَا وَصَفَ مَالِكٌ مُعَاوِيَةَ بِالكِبْرِ وَهُوَ يَعْلَمُ الحَدِيثَ الصَّحِيحَ: (لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ) المُخرَّجَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ].
الله الله الله على التحقيق والتَّدقيق، بارك الله في علمكم وزادكم الله من فضله.
واللَّهِ تُمتِعُنَا تحقيقاتكم سيدي، جزاكم اللَّهُ كلَّ خيرٍ.
أمَّا بالنسبةِ لهَذَا الرَّجُل فدأْبُهُ هو تحَيُّنُ الفرص فيما يَرَاهُ بنَظرِهِ القاصِر (خطَأً)، ثم الظُّهور عليه طَالباً بذلكَ المدْحَ والثَّناء عند العامَّة الذين لا يفقَهُون شيئاً، ومنهم (أساتذة ودكاترة) صفَّقوا له وفرحوا بهجْوِهِ لكُم بالباطل.
بَلْهَ تخليطاتِهِ في توثيق (محمد بن محمد بن سليمان الباغندي) الذي لا يُوجَد في السَّنَد، إذْ أتى بنقول عن الدارقطني من حكاية السلمي في توثيق أبيه (الباغندي الكبير) ويظُّنُّ أنَّهُ هو، ممَّا يزيد المسافة الزَّمنيَّة بينَهُ وبينَ الرَّاوي (أحمد بن عبد الغفار بن أشتة) كما حقَّقتُم.
سدَّد الله قلمكم في طريقِ الحَقِّ، وهَدَانا وهداكُم لما اختُلِفَ فيه من الحقِّ بإذنِهِ.