كتب أحد السلفيين الوهابيين ـ هداه الله تعالى ـ (وقد سمى نفسه: طوبى للغرباء) كتب رداً باطلا على بعض ما كتبناه في إثبات أن معاوية كان يشتم سيدنا عليا رضي الله عنه، وضعف فيه الحديث الذي صححه شيخه الألباني في صحيح ابن ماجه (1/29) والذي فيه:
[عن سعد بن أبي وقاص قال: قدم معاوية في بعض حجاته فدخل عليه سعد فذكروا علياً فنال منه! فغضب سعد ؛ وقال: تقول هذا لرجل سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:((من كنت مولاه فعلي مولاه)) وسمعته يقول: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)) وسمعته يقول: ((لأعطين الراية اليوم رجلاً يحب الله ورسوله))].
وعلى كل حال فما نبينه ونوضحه من أحوال (معاوية) فهو بيان لحال بعض الناس الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذين لم يمتثلوا أمره ونهيه، والناس يذكرون المنافقين كابن أبي سلول وغيره من المنافقين ليل نهار وهم أقل ضرراً على الإسلام من معاوية ولا يرون في ذلك شيئا ولا يقولون {تلك أمة قد خلت}!! مع أن الله سبحانه أنزل سورة التوبة التي فضح بها أناساً كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الظاهر وهم في الباطن مخادعون مخاتلون منافقون، وقد قال الله تعالى لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} التوبة: 101.
وقد جاء في حديث البخاري ومسلم التالي:
روى البخاري في الصحيح (6582): ((لَيَرِدَنَّ عليَّ ناسٌ من أصحابي الحوض حتى عرفتهم اخْتُلِجوا دوني فأقول أصحابي! فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك)).
وروى مسلم في ((الصحيح)) (2304) عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ليردن عليَّ الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم ورفعوا إليَّ اخْتُلِجُوا دوني فلأقولنَّ أي رب أصيحابي أصيحابي فَلَيُقَالَنَّ لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)).
ورواه الترمذي (2423) من حديث سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما
مرفوعاً وفيه: ((ويؤخذ من أصحابي برجال ذات اليمين وذات الشمال فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم)).
ورواه البخاري في ((صحيحه)) (6585) من حديث أبي هريرة أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((يَرِدُ عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي فَيُحَلَّئُونَ عن الحوض فأقول يا رب أصحابي! فيقول إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى)).
فالقوم الذين يعارضوننا يعتبرون أن لهم الحق بأن يتكلموا كيفما شاءوا وفيما شاءوا ولكن يمنعون علينا أن نبين ما ذكره الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك عن أولئك!!
ونحن نتكلم في معاوية لما له آثار وتأثيرات سيئة معارضة للكتاب والسنة دخلت في الفكر الإسلامي لتشوهه وأضرت به طوال قرون!
وعوداً على بدء ؛ أعود لذلك الوهابي الراد علينا في تضعيف الحديث الصحيح الذي صححه شيخه الألباني فأقول:
إنني سأبين خطأه وأرد عليه لا ليرجع عن خطئه وإنما ليستفيد الناس في كشف تلبيساتهم وتدليساتهم وتلاعباتهم في الأخبار والآثار والأحاديث المبنية على جرف هار فأقول له مستعينا بالله تعالى:
تضعيفك لرواية ابن ماجه التي فيها أن معاوية نال من معاوية ومعارضتك لشيخك الألباني ولمن صححه خطأ ظاهر واضح! فسب معاوية وشتمه لسيدنا علي عليه السلام وللسابقين الأولين وأمره الناس بذلك لم يثبت من هذه الطريق ـ طريق ابن سابط ـ فحسب وإنما هو في صحيح مسلم يا أبا الفهم والعلم!
قال مسلم في صحيحه (2404): [حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد وتقاربا في اللفظ قالا حدثنا حاتم وهو ابن إسمعيل عن بكير بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال أمـــــر معاويــــة بن أبي سفيان سعدا فقال ما منعك أن تسب أبا التراب....].
وقال مسلم أيضاً في صحيحه (2409): [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني ابن أبي حازم عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال استعمل على المدينة رجل من آل مروان قال فدعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم عليا قال فأبى سهل فقال له أما إذ أبيت فقل لعن الله أبا التراب...].
وقال ابن حبان في صحيحه (15/454): [أخبرنا أبو خليفة حدثنا الحوضي عن شعبة عن الحر بن الصياح: عن عبد الرحمن بن الأخنس أنه كان في المسجد فذكر المغيرة عليا فنال منه فقام سعيد بن زيد....]. فرد عليه. وهو خبر صحيح. وصححه المعلقون على ابن حبان.
وروى أحمد في ((المسند)) (6/323) عن أبي عبد الله الجدلي قال:
دخلت على أم سلمة فقالت لي: أَيُسَبُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيكم ؟! قلت: معاذ الله أو سبحان الله أو كلمة نحوها! قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من سب علياً فقد سبني)). ورواه أيضاً النسائي في الكبرى (5/133) وله روايات عديدة ذكرها الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (9/130). وله ألفاظ أخرى وروايات عديدة منها ما رواه ابن أبي شيبة (12/76-77) والطبراني في الكبير (23/322) وأبو يعلى (12/444) وغيرهم وصححه شعيب الأرنأوط في تعليقه على المسند (44/329) والألباني في صحيحته (3332).
وأما ابن سابط: فالمزي عندما ترجمه في تهذيب الكمال عندما ذكر أن من جملة شيوخ ابن سابط سيدنا سعد بن أبي وقاص قال: (وسعد بن أبي وقاص وقيل لم يسمع منه) أشار إلى تمريض ذلك عنه.
وابن معين الذي تمسك بقوله (الوهابي) الذي قال لم يسمع ابن سابط من سعد بن أبي وقاص، قال أيضاً: (بأن ابن سابط لم يسمع من جابر بن عبد الله) وقد رد كلام ابن معين أبو حاتم الرازي كما في الجرح والتعديل (5/240) فقال: (وعن جابر بن عبدالله متصل).
وبالنظر للطرق والشواهد التي ذكرناها في سب معاوية لسيدنا علي رضي الله عنه وامره الناس بسبه صار الدخول في تمحلات (المتمسلفين) و (النواصب) لا معنى لها ولا يلتفت إليها! والتعنت بالباطل لا قيمة له! فعلى قواعد المحدثين والحفاظ حديث ابن ماجه صحيح لا غبار عليه! ولذلك صححه شيخهم الألباني المتناقض اعترافاً منه بذلك! وهذا الأمر ثابت على معاوية بالتواتر والقطع منقول بالأسانيد الصحيحة في كتب الحديث ومشهور في كتب التواريخ وأقوال الأئمة.
فالجدال في عدم ثبوته عن معاوية جدال عقيم باطل!
وزيادة على هذا نقول:
وفي صحيح مسلم (1480) عن الصحابية فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أنها ذكرت لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد فكرهته ثم قال انكحي أسامة فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت).
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وصف معاوية بأنه (صعلوك) كما في صحيح مسلم! مع أنه كان من بيت التجارة والمال بيت أبي سفيان صاحب التجارات والقوافل، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعب أحداً بقلة المال، وقد قال تعالى {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.فتلخص أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصفه (بالصعلوك) ترغيباً عنه!!
وروى مسلم في صحيحه (2604) أيضا عن ابن عباس قال: (كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف باب قال فجاء.. وقال اذهب وادع لي معاوية قال فجئت فقلت هو يأكل قال ثم قال لي اذهب فادع لي معاوية قال فجئت فقلت هو يأكل فقال لا أشبع الله بطنه).
زاد البيهقي في دلائل النبوة (6/480) قال: (فما شبع بطنه أبداً).
فالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم دعا عليه أن لا يشبع الله بطنه قائلا: (لا أشبع الله بطنه).
وقد استجاب الله تعالى دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على معاوية ولم يشبع بعد ذلك! لأن معاوية كان أهلاً لتلك الدعوة فعظم بطنه وكبر وانتفخ ولم يشبع بعد ذلك. حتى صار لا يستطيع أن يخطب الجمعة إلا جالساًً.
فروى ابن أبي شيبة (8/325) قال: حدثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي قال: أول من خطب جالسا معاوية حين كبر وكثر شحمه وعظم بطنه.وروى الشافعي كما في مسنده (262) وهو في كتاب الأم: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن صالح، مولى التوأمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان أنهم: (كانوا يخطبون يوم الجمعة خطبتين على المنبر قياما يفصلون بينهما بجلوس، حتى جلس معاوية في الخطبة الأولى فخطب جالسا وخطب في الثانية قائما).
وهذا إسناد صحيح عندنا وإبراهيم ثقة ثبت.وقد أنكر الصحابة في ذلك على معاوية وعماله وولاته الذين صاروا يخطبون الجمعة جلوساً اقتداء بمعاوية وإعراضا عن سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم!فروى مسلم في صحيحه (862) عن جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائما فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة(.وروى مسلم (864) أيضاً (عن كعب بن عجرة قال دخل المسجد وعبد الرحمن ابن أم الحكم يخطب قاعدا فقال: انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعدا وقال الله تعالى {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما}).
قال ابن كثير في البداية والنهاية (6/169): [قلت: وقد كان معاوية لا يشبع بعدها ووافقته هذه الدعوة في أيام إمارته، فيقال إنه كان يأكل في اليوم سبع مرات طعاما بلحم وكان يقول: والله لا أشبع].
ومن العجيب أن النواصب جعلوا هذا من ممادحه! مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
(المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء). وقد رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر.
كل هذه الأخبار والآثار والأحاديث الصحيحة عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيعرض عنها المتنكبون عن جادة الصواب ويتعامون عنها ويردونها مكابرة وعنادا وإعراضا عن سنة الحبيب الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم!!ويقلبون المذام ممادح ويصححون الموضوعات في فضله مع تصريح جهابذة الحفاظ قبل نحو 1200 سنة بأنها موضوعات ولم يصح في فضله شيء.
قال الحافظ ابن حجر في ((الفتح)) (7/104):
[وأخرج ابن الجوزي أيضاً من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي: ما تقول في علي ومعاوية ؟ فأطرق ثم قال: اعلم أن علياً كان كثير الأعداء ففتش أعداؤه له عيباً فلم يجدوا فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطروه كياداً منهم لعلي، فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له.
وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الإسناد وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما]. انتهى كلام الحافظ ابن حجر من فتح الباري.
وليس هدفنا من هذا كله كما قدمنا إلا كشف الحقيقة وإحقاق الحق وإبطال الباطل، والله ولي التوفيق