واقعة الحرة في المدينة المنورة ـ على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ـ كانت بتوجيهات معاوية قبل أن يموت ليزيد وقد قَتَل جيش الأمويين بها ما لا يحصى من الصحابة وأبناء الصحابة ومن الأنصار والمؤمنين:
قال الحافظ ابن حجر في ((الفتح)) (13/70):
[وأخرج أبو بكر بن أبي خيثمة بسند صحيح الى جويرية بن أسماء سمعت أشياخ أهل المدينة يتحدثون أن معاوية لما احْتُضِر دعى يزيد فقال له: إن لك من أهل المدينة يوماً فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة فاني عرفت نصيحته فلما ولي يزيد وفد عليه عبد الله بن حنظلة وجماعة فأكرمهم وأجازهم فرجع فَحَرَّض الناس على يزيد وعابه ودعاهم الى خلع يزيد فأجابوه فبلغ يزيد فجهز إليهم مسلم بن عقبة فاستقبلهم أهل المدينة بجموع كثيرة فهابهم أهل الشام وكرهوا قتالهم فلما نشب القتال سمعوا في جوف المدينة التكبير وذلك أن بني حارثة أدخلوا قوماً من الشاميين من جانب الخندق فترك أهل المدينة القتال ودخلوا المدينة خوفاً على أهلهم فكانت الهزيمة وقُتِلَ مَنْ قُتِلَ، وبايع مسلم الناس على أنهم خول ليزيد يحكم في دمائهم وأموالهم وأهلهم بما شاء، وأخرج الطبراني من طريق محمد بن سعيد بن رمانة أن معاوية لما حضره الموت قال ليزيد: قد وطأت لك البلاد ومهدت لك الناس ولست أخاف عليك الا أهل الحجاز فان رابك منهم ريب فوجه إليهم مسلم بن عقبة فإني قد جربته وعرفت نصيحته، قال: فلما كان من خلافهم عليه ما كان دعاه فوجهه فأباحها ثلاثاً ثم دعاهم إلى بيعة يزيد وأنهم أعبد له قن في طاعة الله ومعصيته].
قال الحافظ في ((الفتح)) (3/177):
[قلت: يوم الحرة قُتِلَ فيه من الأنصار مَنْ لا يحصى عدده ونُهِبَت المدينة الشريفة وبُذِلَ فيها السيف ثلاثة أيام وكان ذلك في أيام يزيد بن معاوية].
وقال الحافظ ابن حجر في ((الفتح)) (4/94) عند شرح حديث البخاري (1877) سعد بن أبي وقاص قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع كما ينماع الملح في الماء)) ما نصه:
[ويحتمل أن يكون المراد لمن ارادها في الدنيا بسوء وأنه لا يمهل بل يذهب سلطانه عن قُرْب كما وقع لمسلم بن عقبة وغيره ؛ فإنه عوجل عن قرب وكذلك الذي أرسله، قال: ويحتمل أن يكون المراد من كادها اغتيالاً وطلباً لغرتها في غفلة فلا يتم له أمر بخلاف من أتى ذلك جهاراً كما استباحها مسلم بن عقبة وغيره، وروى النَّسَائي من حديث السائب بن خلاد رفعه: من أخاف أهل المدينة ظالماً لهم أخافه الله وكانت عليه لعنة الله... الحديث ولابن حبان نحوه من حديث جابر].
واستخلاف معاوية لابنه يزيد السكير الخمير فهذا مجمع عليه ولا يخالف في هذا عاقل! قال الذهبي في ((السير)) (4/37) أن يزيد:
(كان ناصبياً فظاً غليظاً جلفاً يتناول المسكر ويفعل المنكر).
وقال الحافظ ابن حجر في ((لسان الميزان)) (4/293الطبعة الهندية) نقلاً عن الذهبي:
(مقدوح في عدالته وليس بأهل أن يروى عنه، وقال أحمد بن حنبل: لا ينبغي أن يروى عنه)!!
فهذا الفاسق هو الذي جعله معاوية أميراً للمؤمنين!!
وقال ابن كثير في ((تاريخه)) (8/224):
[أما ما يوردونه عنه من الشعر في ذلك واستشهاده بشعر ابن الزِّبِعْرى في وقعة أحد التي يقول فيها:
ليت أشياخي ببدر شهدوا
حين حلت بفنائهم برَّكها
قد قتلنا الضعف من أشرافهم
جزع الخزرج من وقع الأسل
واستحر القتل في عبد الأشل
وعدلنا مَيْلَ بدر فاعتدل
...... فهذا إن قاله يزيد بن معاوية فلعنة الله عليه ولعنة اللاعنين..... وما ذُكِر عنه وما قيل فيه وما كان يعانيه من الأفعال والقبائح والأقوال في السنة الآتية فإنه لم يمهل بعد وقعة الحرة وقتل الحسين إلا يسيراً حتى قصمه الله الذي قصم الجبابرة قبله وبعده إنه كان عليماً قديراً].
وقال ابن كثير أيضاً في ((تاريخه)) (8/223) عند التعليق على حديث ((من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله وعليه لعنة الله....)) ما نصه:
[وقد استدلَّ بهذا الحديث وأمثاله من ذهب إلى الترخيص في لعنة يزيد بن معاوية وهو رواية عن أحمد بن حنبل اختارها الخلال وأبو بكر عبد العزيز والقاضي أبو يعلى وابنه القاضي أبو الحسين وانتصر لذلك أبو الفرج بن الجوزي في مصنَّف مفرد وجوَّز لعنته].
وسننقل لكم فيما بعد إن شاء الله تعالى مختصر واقعة الحرة ومن قتل بها من عباد الله المؤمنين المسلمين.
_______________(تعليقات مفيدة)____________
روى أحمد بن حنبل في مسنده (5/347) عن عبد الله بن بُرَيدة قال: دخلت أنا وأبي على معاوية فأجلسنا على الفرش، ثم أتينا بالطعام فأكلنا، ثم أتينا بالشراب فشرب معاوية ثم ناول أبي ثم قال:
ما شربته منذ حرمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم().
قال الحافظ الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (5/42): ((رجاله رجال الصحيح)).
ولم يكتف معاوية بهذا بل كانت له قوافل تحمل الخمر له ويتاجر بها أيضاً فقد ذكرالذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (2/9-10) مسألة متاجرة معاوية بالخمر فقال ما نصه:
[يحيى بن سليم عن ابن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه:
أن عبادة بن الصامت مرت عليه قِطَارة وهو بالشام تحمل الخمر، فقال: ما هذه ؟
أزيت ؟! قيل: لا بل خمر يباع لفلان فأخذ شفرة من السوق ؛ فقام إليها فلم يذر فيها راوية إلا بقرها.
وأبو هريرة إذ ذاك بالشام فأرسل فلانٌ إلى أبي هريرة فقال: ألا تمسك عنا أخاك عبادة ؟! أما بالغدوات فيغدو إلى السوق يفسد على أهل الذمة متاجرهم، وأما بالعشي فيقعد في المسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا وعيبنا.
قال: فأتاه أبو هريرة فقال: يا عبادة مالك ولمعاوية ذره وما حمل.
فقال لم تكن معنا إذ بايعنا على السمع والطاعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وألا يأخذنا في الله لومة لائم، فسكت أبو هريرة وكتب فلان إلى عثمان إن عبادة قد أفسد عليَّ الشام].
قال الذهبي في سير النبلاء (4/37):
[وعن محمد بن أحمد بن مسمع قال: سكر يزيد، فقام يرقص، فسقط على رأسه فانشق وبدا دماغه].