وقبل بيان هذا أقول:
والله ما نريد إلا النصح لله تعالى لاعتقاد الصواب والعقيدة الحقة وترك الشوائب والابتعاد عن التشبيه والتجسيم والبعد عن تمييع العقائد.
ونريد بيان أن كل من يقول قولاً غير صحيح أو باطلاً فقوله مردود لا يلتفت إليه ولا يجوز التعويل عليه وليس حجة علينا.
كل مرادنا أيها المنزهون من أهل السنة من هذا البيان الوصول لعقيدة التنزيه وتمييز الصواب من الخطأ أو الحق من الباطل وعدم الانسياق وراء العبارات المتخبطة المخربطة المتوّهة في العقائد،
ونحن لا نقصد الأشخاص كالباقلاني أو الأشعري أو غيرهما ونتمنى أن تكون كل تلك الكتب المنسوبة إليهما وإلى غيرهما لا تصح عنهم وأنهم مبرؤون مما فيها من تلك العقائد الفاسدة المحيّرة للضعفاء الذين لم يستبينوا فسادها لجلالة قدر مصنفيها في قلوبهم.
وأن طريقة من يؤول تلك الجمل والعبارات الواردة عنهم المفيدة للتشبيه والتجسيم المتطابقة مع عقيدة ابن تيمية بتأويلات متكلفة ركيكة ويدافع بالباطل وبالكلام الفارغ عن الخطأ والعبارات المحيرة المدخلة في التيه مخطىء مكابر.
ولعرض ما نريد بيانه الآن نقول:
قال الباقلاني في كتابه (التمهيد) ص (295):
[أبواب شتى في الصفات باب في أن لله وجها ويدين:
فإن قال قائل: فما الحجة في أن لله عز و جل وجها ويدين ؟!
قيل له: قوله تعالى {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} وقوله {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديَّ} فأثبت لنفسه وجها ويدين.
فإن قالوا: فما أنكرتم أن يكون المعنى في قوله {خلقت بيدي} أنه خلقه بقدرته أو بنعمته لأن اليد في اللغة قد تكون بمعنى النعمة وبمعنى القدرة كما يقال لي عند فلان يد بيضاء يراد به نعمة، وكما يقال هذا الشيء في يد فلان وتحت يد فلان، يراد به أنه تحت قدرته وفي ملكه،....
يقال لهم: هذا باطل لأن قوله {بيدي} يقتضي إثبات يدين هما صفة له، فلو كان المراد بهما القدرة لوجب أن يكون له قدرتان، وأنتم لا تزعمون أن للباري سبحانه قدرة واحدة فكيف يجوز أن تثبتوا له قدرتين ؟! وقد أجمع المسلمون من مثبتي الصفات والنافين لها على أنه لا يجوز أن يكون له تعالى قدرتان فبطل ما قلتم...].
انتهى كلام الباقلاني من التمهيد.
وانتبهوا إلى أنه ليس هناك تعرّض لذكر الاستواء في كتاب التمهيد المطبوع لأنه قد تم حذفه، والنسخ المطبوعة منه غير موثوقة وخاصة الكتب التي تقوم بطبعها (مؤسسة الكتب الثقافية تحقيق عماد الدين أحمد حيدر تم تحريف وحذف وتغيير ما لا يوافقهم فيها)!!!!
وفي النسخة المخطوطة من كتاب (التمهيد) للباقلاني، ونقل الذهبي في العلو وابن القيم في اجتماع جيوشه من كتاب التمهيد للباقلاني أنه قال:
[فإن قال قائل: فهل تقولون أن الله في كل مكان ؟ قيل: معاذ الله، بل هو مستو على العرش كما أخبر في كتابه فقال عز وجل: { الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى } وقال تعالى: { إليه يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }، وقال: { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ }، ولو كان في كل مكان لكان في جوف الإنسان وفي فمه وفي الحشوش وفي المواضع التي يرغب عن ذكرها، تعالى الله عن ذلك......
ولا يجوز أن يكون معنى استوائه على العرش هو استيلاؤه كما قال الشاعر: (قد استوى بشر على العراق..) لأن الاستيلاء هو القدرة والقهر، والله تعالى لم يزل قادراً قاهراً عزيزاً مقتدراً وقوله: { ثُمَّ اسْتَوَىْ } يقتضي استفتاح هذا الوصف بعد أن لم يكن، فبطل ما قالوه..].
وقال الباقلاني في الإنصاف:
[فنص تعالى على إثبات أسمائه وصفات ذاته، وأخبر أنه ذو الوجه الباقي بعد تقضي الماضيات، كما قال عز وجل {كل شيء هالك إلا وجهه} وقال: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} واليدين اللتين نطق بإثباتهما له القرآن، في قوله عز وجل: {بل يداه مبسوطتان} وقوله: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} وأنهما ليستا بجارحتين، ولا ذوي صورة وهيئة، والعينين اللتين أفصح بإثباتهما من صفاته القرآن وتواترت بذلك أخبار الرسول عليه السلام، فقال عز وجل: {ولتصنع على عيني} و {تجري بأعيننا} وأن عينه ليست بحاسة من الحواس، ولا تشبه الجوارح والأجناس].
وقال في التمهيد ص (299) من المطبوع:
[صفات ذاته هي التي لم يزل ولا يزال موصوفا بها: وهي الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والبقاء والوجه والعينان واليدان].
تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً!
فجعل كما ترون العينين صفة مغايرة للبصر!!
وعند أصحابنا الأشاعرة المنزهين في المتون والشروح والحواشي العين هي البصر.
والكلام في مثل هذا الكلام الممجوج عقائديا عند أهل التنزيه طويل الذيل!
إنكار الحافظ أبي حيان المفسر الأشعري على أبي بكر بن الطيب الباقلاني الأشعري:
قال الحافظ أبوحيان رحمه الله تعالى في تفسيره ((البحر المحيط)) (4/316 طبعة دار الفكر):
[وقال قوم منهم القاضي أبوبكر بن الطيب: هذه كلها صفات زائدة على الذات ثابتة لله تعالى من غير تشبيه ولا تحديد، وقال قوم منهم الشعبي وابن المسبب والثوري نؤمن بها ونقرُّ كما نصت ولا نُعَيّن تفسيرها ولا يسبق النظر فيه. وهذان القولان حديث مَنْ لم يمعن النظر في لسان العرب].
فتأملوا!!
وهذا عندي والله مما ينبغي أن يكتب بالذَّهَب.
__________(تعليقات مفيدة)________________
جَزَاكُمُ اللهُ خَيْراً سَيِّدِي، إِنَّهَا النَّزْعَةُ الحَنبَلِيَّة، بِنَاءً عَلَى أَفَدْتُمُونَا بِهِ فِي نَقْلِكُمْ عَنْهُ سَابِقاً أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ عَلَى الفَتَاوَى: [كَتَبَهُ مُحَمَّد بْنُ الطَّيِّبِ ((الحَنْبَلِي))].
وَمَا أَشْكَلَ بِهِ البَاقِلَّانِيُّ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: [لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ] إِذْ قَالَ:
[يقتضي إثبات يدين هما صفة له، فلو كان المراد بهما القدرة لوجب أن يكون له قدرتان]
يُجَابُ عَنْهُ بـِ: [أَنَّ التَّثْنِيَةَ فِي اللَّفْظِ لَا تَعْنِي دَائِماً التَّثْنِيَةَ فِي المَعْنَى]، وَمِنْ ذَلِكَ:
1- قَوْلُ العَرَبِ: [مَا لَهُ بِهَذَا الأَمْرِ يَدَانِ].
2- مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي القِصَّةِ المَزْعُومَةِ لِنُزُولِ سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَخُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمأْجُوجَ، وقَدْ جَاءَ فِيهِ: [إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَاداً لِي، ((لَا يَدَانِ)) لأحد بقتالهم].
وَالَعَجِيبُ أَنَّ ابْنَ القَيِّمِ اسْتَعْمَل هَذَا المَعْنَى فِي نُونِيَّتِهِ، فَقَالَ:
حُكْمُ المَحَبَّةِ ثَابِتُ الأَرْكَانِ * مَا لِلصدُودِ بِفَسْخِ ذَاكَ ((يَدَانِ)).
وَالـ ((يَدَانِ)) فِي كُلِّ ذَلِكَ مَعْنَاهَا القُدْرَةُ وإِنْ ثُنِّيَتْ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ.
---------
وقَدْ دَاهَنَ شَيْخُهُمْ البَرَّاكُ، فَفَرَّقَ بَيْنَ: [اليَدَيْنِ] المُضافَةِ إِلَى ضَمِيرِ الَّذِي قَامَتْ بِهِ اليَدَانِ. ثُمَّ أَضَافَ قَيْداً آَخرَ، هُوَ التَّعْدِيَةُ بِالبَاءِ مِثْلُ: فَعَلْتُ الشَّيْءَ بـِ يَدَيَّ. فََجَاءَتْ هُنَا كَلِمَةُ [اليَدَيْنِ] مُضَافَةً وَمَدْخُولَةً للبَاءِ.
وَبَيْنَ: [اليَدَانِ] غَيْرِ المُضَافَةِ والَّتِي تَلْزَمُ الأَلِفَ، كالَّتِي ذَكَرَها ابْنُ القَيِّمِ فِي نُونِيََّتِهِ، أَوِ [اليَدَانِ] المُضَافَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي مَحَلِّ الفَاعِلِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: [تَبَّتْ ((يَدَا)) أَبِي لَهَبٍ].
وَقالَ إِنَّ الأُولَى المُعَدَّاةَ بِالبَاءِ حَقيقَةٌ لَا مَجَازٌ، أَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَدْ تَرِدُ مَجَازاً، هَذَا كُلُّهُ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَحْمِلَ قَوْلَهُ تعَالَى: [بِيَدَيَّ] عَلَى مَا يُرِيدُهُ مِنَ التَّجْسِيمِ، وَقَدْ قَرَأْتُ مِثْلَ ذَلِكَ لِابْنِ عُثَيْمِينَ فِي فَتَاوَاهُ.
وكُلُّ ذَلِكَ مَنْقُولٌ مِنْ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنَ اللُّغَةِ، وإِنَمَا هِيَ خُدَعٌ كَلَامِيَّةٌ مَشُوبَةٌ بِقَوَاعِدِ اللُّغَةِ يُرَدُّ عَلَيْهَا بالتَّأَمُّلِ.