التعليق على ادعاء ابن القيم بأن ابن تيمية يعلم الغيب وأموراً في المستقبل:
رأى بعض المعلقين المتعصبين لابن تيمية أنه لا ضير فيما ادعاه ابن القيم من معرفة ابن تيمية لأمور غيبية تقع مستقبلا، وبعضهم يحاول أن يغالط في الموضوع وتعليقا على ذلك أقول:
ما يدعي ابن القيم أنه رآه من ابن تيمية غير صادق فيه.. وذلك لأنه يعتقد ان ابن تيمية يعلم الغيب.. وهذه فكرة باطلة شرعاً.. فالله تعالى يقول لسيدنا محمد سيد الخلق صلى الله عليه وآله {ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء}.. ويقول الله تعالى {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً.. إلا من ارتضى من رسول} وابن تيمية ليس رسولاً قطعاً!!
فما أخبر عنه أو به ابن القيم مخالف لما هو مقرر في القرآن الكريم!
وبالتالي إما أن يكون القرآن هو الصادق أو ابن القيم الذي عاكس خبره هنا ما تقرر في القرآن! وبما أننا نقطع بأن القرآن هو الصادق فيكون ابن القيم غير صادق فيما ادعاه!!
ولو قال أشعري أو صوفي أو شيعي هذا الكلام - الذي قاله ابن القيم في حق ابن تيمية – في حق شيعي أو أشعري أو صوفي لكفره المتمسلفون بلا مثنوية..
ولكنهم هنا يتمحلون في رده وتسويغه والتعذر عنه بشتى الوسائل!!
وقول ابن القيم هذا يثبت غلو المتمسلفين في حق مشايخهم مع احتقارهم وازدرائهم للعلماء من كافة الفرق الأخرى وخاصة المنتسبين إلى أهل البيت الهاشميين وما يمت لهم بصلة!
أما القول الثاني المنقول من كتاب الحافظ ابن حجر سواء كان لابن حجر أو للذهبي أو لغيرهما فهو يثبت أن أكابر علماء أهل السنة شهدوا على ابن تيمية بأنه معجب برأيه!
وكنت قد كتبت بعضا مما جاء من الذم ملخصا لما في الدرر الكامنة لابن حجر في قديم ونقلته الآن هنا في المقال السابق ولما رجعت الآن للدرر وجدت أن صدر القول المنقول هنالك كان للذهبي وليس كله له، وتمامه من الدرر الكامنة للبيان والإيضاح هو:
[قال الطوفي سمعته يقول من سألني مستفيداً حققت له ومن سألني متعنتاً نقضته فلا يلبث أن ينقطع فأكفي مؤنته وذكر تصانيفه وقال في كتابه أبطال الحيل عظيم النفع وكان يتكلم على المنبر على طريقة المفسرين مع الفقه والحديث فيورد في ساعة من الكتاب والسنة واللغة والنظر ما لا يقدر أحد على أن يورده في عدة مجالس كأنه هذه العلوم بين عينيه فأخذ منها ما يشاء ويذر ومن ثم نسب أصحابه إلى الغلو فيه واقتضى له ذلك العجب بنفسه حتى زهى على أبناء جنسه واستشعر أنه مجتهد فصار يرد على صغير العلماء وكبيرهم قويهم وحديثهم حتى انتهى إلى عمر فخطأه في شيء فبلغ الشيخ إبراهيم الرقي فأنكر عليه فذهب إليه واعتذر واستغفر وقال في حق علي أخطأ في سبعة عشر شيئاً ثم خالف فيها نص الكتاب منها اعتداد المتوفي عنها زوجها أطول الأجلين وكان لتعصبه لمذهب الحنابلة يقع في الأشاعرة حتى أنه سب الغزالي فقام عليه قوم كادوا يقتلونه].
ونحن إن شاء الله منصاعون للحق ونأمل من مخالفينا أن لا يكابروا ويجادلوا بالباطل فالحق بغية كل صادق مع الله تعالى ومع نفسه، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
(غلو ابن تيمية بنفسه وغلو مقلديه المتعصبين له فيه
وادعاء أنه اطلع على اللوح المحفوظ وبواطن النفوس
والعياذ بالله تعالى
ومما يجب التنبه إليه: غلو ابن تيمية بنفسه وغلو أتباعه فيه حتى وصل الأمر به وبأتباعه أن يقولوا بأنه مطلع على اللوح المحفوظ وأنه يطلع على البواطن وما في النفوس و يبصر ببصيرته تنـزل الأمر بين طبقات السماء والأرض!!! وهذه خصائص تفوق خصائص الأنبياء!!
ومن ذلك قول ابن قيم الجوزية تلميذ ابن تيمية الوفي في "مدارج السالكين" (2/489) ما نصه:
[ولقد شاهدت من فراسة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أموراً عجيبة وما لم أشاهده منها أعظم وأعظم ووقائع فراسته تستدعي سِفْرَاً ضخماً. أخبر أصحابه بدخول التتار الشام سنة تسع وتسعين وستمائة وأن جيوش المسلمين تُكْسَر وأن دمشق لا يكون بها قتل عام ولا سبي عام وأن كَلَبَ الجيش وحدته في الأموال وهذا قبل أن يهم التتار بالحركة(1) ثم أخبر الناس والأمراء سنة اثنتين وسبعمائة لما تحرك التتار وقصدوا الشام أن الدائرة والهزيمة عليهم وأن الظفر والنصر للمسلمين وأقسم على ذلك أكثر من سبعين يميناً ؛ فيقال له: قل إن شاء الله! فيقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً ؛ وسمعته يقول ذلك ؛ قال: فلما أكثروا علي قلت لا تكثروا كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ أنهم مهزومون في هذه الكرة وأن النصر لجيوش الإسلام(2) قال: وأطعمت بعض الأمراء والعسكر حلاوة النصر قبل خروجهم إلى لقاء العدو وكانت فراسته الجزئية في خلال هاتين الواقعتين مثل المطر].
فابن تيمية بهذا اطلع على اللوح المحفوظ والله تعالى يقول: { أطلع الغيبَ أم اتخذ عند الرحمن عهداً } والله تعالى يقول { فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول }.
فهل ابن تيمية رسول ونبي من الأنبياء ؟!
وقال ابن القيم في الصفحة التالية بعد ذلك:
[وأخبرني غير مَرَّة بأمور باطنة تختص بي مما عزمت عليه ولم ينطق به لساني وأخبرني ببعض حوادث كبار تجري في المستقبل ولم يعين أوقاتها وقد رأيت بعضها وأنا أنتظر بقيتها وما شاهده كبار أصحابه من ذلك أضعاف أضعاف ما شاهدته والله أعلم].
ولو قال هذا الكلام اليوم أحد أو نقله عن بعض العلماء السابقين في بعض الأولياء أو بعض الصوفية أو بعض أئمة آل البيت لرفع الوهابية عقيرتهم في إنكار ذلك وادَّعوا بأن هذا من خرافات وشركيات وبدع الدجالين!!
وقال تلميذه ابن شيخ الحزَّامين الحنبلي في رسالة كتبها خاطب فيها تلاميذ ابن تيمية(3):
[أصبحتم إخواني تحت سنجق رسول الله إن شاء الله تعالى مع شيخكم وإمامكم وشيخنا وإمامنا المبدوء بذكره رضي الله عنه قد تميزتم عن جميع أهل الأرض فقهائها وفقرائها وصوفيتها وعوامها بالدين الصحيح.
وقد عرفتم ما أحدث الناس من الأحداث..... فأنتم اليوم في مقابلة الجهمية من الفقهاء نصرتم الله ورسوله في حفظ ما أضاعوه من دين الله تصلحون ما أفسدوه من تعطيل صفات الله...
فشيخكم أيدكم الله تعالى عارف بذلك عارف بأحكام الله الشرعية عارف بأحكامه القدرية(4) عارف بأحكام أسمائه وصفاته الذاتية ومثل هذا العارف قد يبصر ببصيرته تنزل الأمر بين طبقات السماء والأرض...
فوالله ثم والله ثم والله لم ير تحت أديم السماء مثل شيخكم علماً وعملاً وحالاً وخلقاً واتباعاً وكرماً وحلماً في حق نفسه وقياماً في حق الله عند انتهاك حرماته...].
ومنه تعلم كيف يغلو به هؤلاء! ويصفونه بأنه يبصر تنزل أمر الله ما بين السماء والأرض!!
وهذا الغلو فيه ذكره الذهبي واعترف به فقد قال ابن حجر في ترجمته في "الدرر الكامنة" نقلاً عن الذهبي هناك:
[وأنا لا أعتقد فيه عصمة بل أنا مخالف له في مسائل أصلية وفرعية فإنه كان مع سعة علمه وفرط شجاعته وسيلان ذهنه وتعظيمه لحرمات الدين(5) بشراً من البشر تعتريه حِدَّة في البحث وغضب وشظف(6) للخصم تزرع له عداوة في النفوس....
ومن ثَمَّ نُسِبَ أصحابُهُ إلى الغلو فيه واقتضى له ذلك العجب بنفسه حتى زها على أبناء جنسه واستشعر أنه مجتهد فصار يرد على صغير العلماء وكبيرهم قويهم وحديثهم حتى انتهى إلى عمر فخطأه في شيء فبلغ الشيخ إبراهيم الرقي فأنكر عليه فذهب إليه واعتذر واستغفر وقال في حق علي أخطأ في سبعة عشر شيئاً ثم خالف فيها نص الكتاب منها اعتداد المتوفي عنها زوجها أطول الأجلين وكان لتعصبه لمذهب الحنابلة يقع في الأشاعرة حتى أنه سَبَّ الغزالي....
وافترق الناس فيه شيعاً فمنهم من نسبه إلى التجسيم لما ذكر في العقيدة الحموية والواسطية وغيرهما من ذلك كقوله إن اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقية لله وأنه مستو على العرش بذاته فقيل له يلزم من ذلك التحيز والانقسام فقال أنا لا أسلم أن التحيز والانقسام من خواص الأجسام فألزم بأنه يقول بالتحيز في ذات الله...
ومنهم من ينسبه إلى النفاق لقوله في علي ما تقدم ولقوله إنه كان مخذولاً حيث ما توجه وإنه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها وإنما قاتل للرياسة لا للديانة ؛ ولقوله إنه كان يحب الرياسة وإن عثمان كان يحب المال ولقوله أبو بكر أسلم شيخاً يدري ما يقول وعلي أسلم صبياً والصبي لا يصح إسلامه على قول....
وكان إذا حوقق وألزم يقول لم أرد هذا إنما أردت فيذكر احتمالاً بعيداً...].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي السفلية:
(1) أي أنه يعلم الأمور قبل حصولها بزمن! نسأل الله تعالى السلامة!!
(2) هذه الجملة التي تحتها خط قام ابن كثير بحذفها من هذه القصة لشناعتها!
(3) أوردها ابن عبد الهادي في كتابه ((العقود الدرية)) (1/318) وكذا أوردها زهير الشاويش في التعليق على ((الرد الوافر)) ص (131) [طبع المكتب الإسلامي الطبعة الثالثة 1411هـ] إلا أن زهيراً حذف منها بعض الكلمات!! وعزاها للعقود الدرية ص (291)، والغالب على الظن أن الشاويش لم يكتب تلك المقدمة والتعليقات وإنما كلف بعض الموظفين في مكتبه وربما كان الألباني أو غيره ؛ وليس كل ذلك ببعيد! فإنه أجبر الشيخ شعيباً أن يضع اسمه معه على كتاب ((شرح السنة)) على أنه من محققي الكتاب! ولله في خلقه شؤون!
(4) يعني أنه عارف وعالم بالقدر وبما سيحصل من الأمور!!
(5) هذا هو رأي الذهبي فيه إذ ذاك مع مخالفته له في أصول الدين! ولكن نحن لا نرى ذلك في ابن تيمية! بل نرى أنه من كثرة كلامه ونقله من الكتب بلا وعي وضعف عقله كان سبباً لسقوطه في تلك الورطات العقائدية المستشنعة! حتى اعترف الألباني وهو من أكثر محبيه في هذا العصر بأنه قال بحوادث لا أول لها! انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني المجلد الأول حديث: ((أول ما خلق الله القلم))!!
(6) أي شدة وتحامل على مخالفه.)
تكملة: إعجاب وغرور ابن تيمية بنفسه بشهادة الحافظ الذهبي:
سير أعلام مرتبطة بالتاريخ والأحداث السياسية الغابرة
العودة إلى ”سير أعلام مرتبطة بالتاريخ والأحداث السياسية الغابرة“
الانتقال إلى
- القرآن الكريم وتفسيره
- ↲ تفسير آية أو آيات كريمة
- ↲ أبحاث في التفسير وعلوم القرآن الكريم
- الحديث النبوي الشريف وعلومه
- ↲ قواعد المصطلح وعلوم الحديث
- ↲ تخريج أحاديث وبيان مدى صحتها
- ↲ شرح الحديث
- ↲ التراجم والرجال: الصحابة والعلماء وغيرهم
- ↲ أحاديث العقائد
- العقائد والتوحيد والإيمان
- ↲ القواعد والأصول العقائدية
- ↲ مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
- ↲ أقوال لأئمة وعلماء ومشايخ في العقيدة ومدى صحتها عنهم
- ↲ قضايا ومسائل لغوية تتعلق بالعقائد
- ↲ الفرق والمذاهب وما يتعلق بها
- ↲ عرض عقائد المجسمة والمشبهة والرد عليها
- التاريخ والسيرة والتراجم
- ↲ السيرة النبوية
- ↲ قضايا تاريخية
- ↲ سير أعلام مرتبطة بالتاريخ والأحداث السياسية الغابرة
- ↲ معاوية والأمويون والعباسيون
- الفكر والمنهج والردود
- ↲ توجيهات وتصحيح لأفكار طلبة العلم والمنصفين من المشايخ
- ↲ الردود على المخالفين
- ↲ مناهضة الفكر التكفيري والرد على منهجهم وأفكارهم
- ↲ أسئلة وأجوبة عامة
- الفقه وأصوله
- ↲ القواعد الأصولية الفقهية
- ↲ مسائل فقهية عامة
- ↲ المذهب الحنفي
- ↲ المذهب المالكي
- ↲ المذهب الشافعي
- ↲ المذهب الحنبلي
- علوم اللغة العربية
- ↲ النحو والصرف
- ↲ مسائل لغوية ومعاني كلمات وعبارات
- الكتب الإلكترونية
- ↲ كتب العلامة المحدث الكوثري
- ↲ كتب السادة المحدثين الغماريين
- ↲ كتب السيد المحدث حسن السقاف
- ↲ كتب مجموعة من العلماء
- المرئيات
- ↲ العقيدة والتوحيد: شرح متن العقيدة والتوحيد