قال الفخر الرَّازِي رحمه الله تعالى في كتابه "نهاية العقول" (4/272):
[أصحابنا اختلفوا في كثير من صفات الله تعالى، ولا شك أن الحق في كل مسألة منها واحد، والمخالف له يكون جاهلاً بصفات الله تعالى، فيلزمنا تكفير أصحابنا.....].
ثم أورد أمثلة كثيرة لذلك بين الأشاعرة أنفسهم، ثم قال:
[فقد تقرر من مجموع ذلك شدة وقوع الاختلاف في صفات الله تعالى بين الأصحاب، ولايجوز الالتفات إلى ما يُتكلف في إزالة هذه الاختلافات، فإن أمثال تلك التكلفات مما لا يعجز عنها أحد من أرباب المذاهب.
فثبت أنا لو حكمنا بأن الجهل بشيء من صفات الله تعالى يكون كفراً يلزمنا تكفير أئمتنا ومشايخنا وأنه غير جائز].
فالخلافات والتشنيعات بين أرباب مذهبنا السني الأشعري كبيرة وعميقة باعتراف أئمة المذهب .
والترقيع لا يفيد فالخطأ خطأ والصواب صواب.
والخلافات بين الأشاعرة والماتريدية عميقة جداً خلافاً لمن يحاول أن يقنع الناس بتخفيفها وإظهارها بأنها لفظية وسطحية وقشرية!
ويمكن تتبعها وعرضها للتصحيح والتصويب
وموافقة عالم أشعري أو سني لاجتهاد مذهب المعتزلة أو الزيدية أو الإباضية ليس قدحاً ولا عيباً ولا يصيّره من ذلك المذهب
كما يريدون ويحاولون للتشنيع أن يرموني به.. مع أنه لا يهمني ولا أكترث به!
وعندنا نماذج من كبار كبار العلماء وأصحاب الوجوه كالماوردي والمتولي وإمام الحرمين والغزالي.... يمكن عرضها وعرض ما قيل فيها
وأعود للفخر الرازي رحمه الله تعالى الذي يقول:
في كتابه ((أصول الدين)) ص (68):
(المسألة التاسعة عشرة: أنه تعالى باق لذاته خلافاً للأشعري).
وفي ذلك الكتاب مسائل أخرى خالف فيها الفخرُ الرازيُّ الأشعريَّ [انظر ص (89) و (90) وغير ذلك ]،
ومنها مسائل وافق فيها الرازيُّ المعتزلةَ وخالف فيها الأشعريَّ مثل قوله في ذلك الكتاب ص (89):
[قال أبو الحسن الأشعري: الاستطاعة لا توجد إلا مع الفعل، وقالت المعتزلة: لا توجد إلا قبل الفعل، والمختار عندنا أن القدرة هي عبارة عن سلامة الأعضاء وعن المزاج المعتدل فإنها حاصلة قبل حصول الفعل....].
وأختم هنا بما قاله أخونا الفاضل الشيخ خليل شهابي جزاه الله عنا خيراً تعليقاً على المقال السابق:
[قصد سماحة السيد حفظه الله ان الناس قد يخالفون بعضهم وان كانوا يحملون نفس المذهب
فمخالفة الناس لبعضهم سنة الله تعالى في خلقه
والمخالفة ان كانت فيما تحتمله الادلة فلا ضير في ذلك
وبعض الناس جمد على بعض الاوراق الصفراء والحواشي الركيكه فاتخذ ما جاء فيها كانه وحي لا يرد
فالعاقل يتبع الدليل وان خالف ما عليه اصحاب مذهبه او ما عليه الجمهور او بعض الامه
دمتم سيدنا فنحن ننتفع بعلمكم].
فهل يحتاج القوم المتعصبون للمزيد من البيان والإيضاح عما لا يعلمونه ؟!
.......... يتبع
وقد أرسل لي حبيبنا وتلميذنا الفاضل عبدالله المالكي الأشعري نصاً وكتبه في التعليقات السابقة فأحببت أن أنشره مستقلاً هنا لتتأملوا فيه، مع أن لدينا عشرات النصوص في هذا الأمر للسادة الأشاعرة، والهدف كما بينا هو إخراج الناس من التعصب إلى وجوب اتباع الدليل والبحث العلمي لا الادعاءات غير المصيبة في المسائل بأن هذا هو قول الأشاعرة والجمهور وقول أهل السنة
واتهام مخالف الحواشي المتبع للتحقيق والدليل بأنه معتزلي رافضي شاذ!
قال شِهَابُ الدِّين المَرْجَانِي الحَنَفِي ((المَاتُرِيدِي))، فِي ((حَاشِيَتِهِ)) عَلَى شَرْحِ الجَلَالِ الدَّوَانِي لِـ العَقَائِدِ العَضُدِيَّةِ:
[فخر الدين ابن الخطيب الرازي في أواخر المائة السادسة من الهجرة واشتهر بالتبحر في العلوم وانتشر خبره وأمر أمره، فاتخذه الناس إماماً في العلوم النقلية والفنون العقلية، فذهب بهم كل مذهب ولعب بعقولهم كل ملعب، والرجل عاطل من التحقيق والوقوف على حقيقة الحق في كلا الصناعتين، وآراؤه الركيكة هي التي يتداولها عامة من جاء بعده على زعم أنها السنة والجماعة ومذهب أهل الحق والفرقة الناجية وحاشاهم عنها حاشا].
ولزيادة العلم قال الشيخ محي الدين بن عربي في الفتوحات المكية:
[والتقليد في دين الله لا يجوز عندنا لا تقليد حي ولا ميت].
وهذا الكلام كله نقوله للعلماء وطلبة العلم تحذيراً من التعصب ورمي الآخرين بالتهم والإشاعات الباطلة ولغربلة الأفكار والكتب التي بين أيدينا ونفض الغبار والران عنها واعتماد المسائل بالأدلة الواضحة لبناء فكر منقح قائم على الوعي والبصيرة لا يرضخ للتعصب والتزمت وازدراء الآخرين وإنكار فضل المصلحين والمصححين والذابين عن العقيدة الواضحة في الكتاب والسنة، إرغاماً لهؤلاء المقلدة الأغمار الحاقدين الذين يدعون العصمة من الخطل والزلل لأفكارهم وعقولهم.
أحمد الله تعالى أن المنصفين كثيرون والواعين يزدادون يوما بعد يوم شكرا لله تعالى على ذلك، وكثير ممن يوافقنا ممن هو بين هؤلاء المتعصبين لا يصرح بالحقيقة مع أنه يعرفها خوفا على نفسه من ضررهم وأذاهم، فالله يفرج عنا وعنهم.
....... يتبع
____________(تعليقات مفيدة)____________
قال تلميذنا الفاضل سيدي عبد الله المالكي الأشعري:
تَعْقِيباً سَيِّدِي عَلَى قَوْلِكُمْ: [فالخلافات والتشنيعات بين أرباب مذهبنا السني الأشعري كبيرة وعميقة باعتراف أئمة المذهب...]
وَجَدْتُ نَصًّا لَهُ عَلَاقَةٌ بِهَذَا النَّصِّ فِي أَنَّ الخِلَافَ بَيْنَ اَئِمَّةِ المَذْهََبِ الأَشْعرِي فِي قَضِيَّةِ: [وَصْفِ اللهِ تَعَالَى بالأحْوالِ السَّبْعَةِ إِضَافَةً إلَى المَعَانِي السَّبْعَةِ] مِنَ الخِلَافِ الَّذِي ((يَجِبُ أَنْ لَا يُسْتَحْقَرَ)).
فَرَأَيْتُ أَنْ أَكْتُبَهُ هُنَا.
يَقُولُ الفَخْرُ الرَّازِي (نِهَايَة العُقُول ج2ص468):
-----
كَانَ ((القَاضِي وَمُثْبِتُو الأَحْوَالِ مِنَّا)) يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّ العِلْمَ القَدِيمَ مَعْنىً يَقْتَضِي لَهُ تَعَالَى حَالَةَ العَالِمِيَّةِ وَكَذَلِكَ القُدْرَةُ وَالحَيَاةُ، فَيَكُونُ عَلَى مَذْهَبِهِ لَهُ تَعَالَى بِحَسَبِ كُلِّ مَعْنىً حَالَةٌ.
وَأَمَّا ((نُفَاة الأَحْوَالِ)) مِنَّا فَهُمْ يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّ العِلْمَ نَفْسُ العَالِمِيَّةِ.
وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ((ظَهَرَ وُقُوعُ الخِلَافِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا)) فِي أَنَّهُ تَعَالَى هَلْ لَهُ مَعَ هَذِهِ المَعَانِي السَّبْعَةِ أَحْوَالٌ سَبْعَةٌ أَمْ لَا؟
((وَالخِلَافُ فِي ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ أَنْ لَا يُسْتَحْقَرَ))، وَكَانَ مِنْ حَقَّهِمْ أَنْ يُفْرِدُوا هَذِهِ المَسْأَلَةَ بِالذِّكْرِ وَيَذْكُرُوا كُلَّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مِنَ الجَانِبَيْنِ، لَكِنِّي مَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِنَا أَفْرَدَ هَذِهِ المَسْأَلَةَ بِالذِّكْرِ وَلَا تَكَلَّمَ فِيهَا نَفْياً وَلَا إِثْبَاتاً، وَلَمْ يَتَخَلَّص أَيْضاً فِيهَا دَلَالَةٌ قَاطِعَةٌ لَا مِنْ جَانِبِ النَّفْيِ وَلَا مِنْ جَانِبِ الإِثْبَاتِ.
فَإِذَنْ إنَّمَا يُمْكِنُنَا نَفْيُهَا بِمَا بِهِ تَبَيَّنَ أَنًّهُ لَيْسَ للهِ صِفَةٌ أَزْيَدُ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي عَلِمْنَاهَا.
أقول أنا حسن بن علي السقاف مكملاً:
مزيد إيضاح لبعض الذين لم يفهموا شيئا
نحن نحب الفخر الرازي رحمه الله تعالى
ونحب إمام الحرمين مؤسس التنزيه عند أهل السنة
ونحب تلميذه حجة الإسلام الغزالي
وأمثالهم
رضي الله عنهم
هؤلاء هم مؤسسو التنزيه والانفتاح والفهم العقلي في مذهب أهل السنة
كما نحب ونعشق ابن الجوزي المنزه الفذ
نحبهم أيضاً لأنهم جميعاً خالفوا الأشعري ولم يسيروا على منهجه وقوله في الصفات ومسائل أخرى.
وإنما ذكرت ما ذكرت من طعن بعض من ينتسبون للأشعرية في مثل الفخر الرازي لأبين أن هناك اختلافاً وعدم اتفاق وتطابق بين أصحاب المذهب الذي يقال إنه واحد
فلا يلزمنا أحد بقول الأشعري ولا بقول زيد ولا عمرو
المقصد عند جميع العلماء العقلاء اتباع الدليل
والبحث العلمي أمامنا
والجهلة المتعصبون من ورائنا
وكل من قلد في التوحيد /////
إيمانه لم يخل من ترديد