أئمة أهل السنة وخاصة الأشاعرة المنزهون يقولون إن مذهب الباقلاني في الصفات وما يسميه بعض المرقعين بالتفويض مرغوب عنه، ومذهب الباقلاني في الصفات ممدوح عند ابن تيمية المجسم لأنه يوافق ما يريده مجسمة الحنابلة:
قال الإمام المفسر ابن عطية (ت541هـ) في تفسيره "المحرر الوجيز" (5/461) يرد على القاضي ابن الطيب الباقلاني (ت403هـ):
[{مِمّا عَمِلَتْ أيْدِينا} بِالجَمْعِ، وهَذِهِ كُلُّها عِبارَةٌ عَنِ القُدْرَةِ والقُوَّةِ، وعَبَّرَ عن هَذا المَعْنى بِذِكْرِ اليَدِ تَقْرِيبًا عَلى السامِعِينَ؛ إذِ المُعْتادُ عِنْدَ البَشَرِ أنَّ القُوَّةَ والبَطْشَ والِاقْتِدارَ إنَّما هو بِاليَدِ، وقَدْ كانَتْ جَهالَةُ العَرَبِ بِاللهِ تَعالى تَقْتَضِي أنْ تُنْكِرَ نُفُوسُها أنْ يَكُونَ خَلْقٌ بِغَيْرِ مُماسَّةٍ ونَحْوَ هَذا مِنَ المَعانِي المَعْقُولَةِ. وذَهَبَ القاضِي ابْنُ الطَيِّبِ إلى أنَّ اليَدَ والعَيْنَ والوَجْهَ صِفاتُ ذاتٍ زائِدَةٌ عَلى القُدْرَةِ والعِلْمِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِن مُتَقَرَّرِ صِفاتِهِ تَعالى، وذَلِكَ قَوْلٌ مَرْغُوبٌ عنهُ، ويُسَمِّيها الصِفاتِ الخَبَرِيَّةَ] انتهى.
لاحظ قوله: (وذلك قول مرغوب عنه)!
وقال الفخر الرازي في كتاب الإشارة ص (268): (مُنْكِراً) على الأشعري والباقلاني إثباتهما (اليد) صفة مع علمه بأنهما ينفيان عنها معنى الجارحة:
[فإن قيل: فبم تنكرون على شيخكم أبي الحسن والقاضي حيث أثبتا اليدين صفتين لا تدركان إلا سمعاً زائدتين على الذات وما عداهما من الصفات؟ .....
قلنا: الأصح حمل اليدين على القدرة، وقولهما: (إن فيه إبطال فائدة التخصيص) فنقول: التشريف يتحقق بتخصيص الله تعالى آدم بالذكر، كما شرّف عباده المخلَصين بإضافتهم إلى نفسه، وإن كانت الكفرة أيضاً عباد الله تعالى، وهذا سبيل تخصيص البيت والناقة وغيرهما من المشرفات بالإضافات، نحققه: وهو أنه تعالى ذكر قريباً من هذه الآية في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا}يس:71، والمراد به القدرة إجماعاً. والتمسك بصيغة التثنية باطل، لأنه كما يُعبَّر باليد عن الاقتدار يعبر باليدين عن كمال الاقتدار، بدليل قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}المائدة:64، والمراد به القدرة إجماعاً، فبطل ما ذكروه.
فثبت أنه لا دليل على صفة وراء ما ذكرناه، وما لا دليل عليه وجب نفيه..]. انتهى ما أردنا نقله من كلام الفخر الرازي رحمه الله تعالى.
وقال الحافظ أبو حيان الأندلسي الغرناطي (654-745هـ) رحمه الله تعالى في تفسيره "البحر المحيط" (4/316 طبعة دار الفكر):
[وقال قوم منهم القاضي أبوبكر بن الطيب: هذه كلها صفات زائدة على الذات ثابتة لله تعالى من غير تشبيه ولا تحديد، وقال قوم منهم الشعبي وابن المسيِّب والثوري نؤمن بها ونقرُّ كما نصت ولا نُعَيّن تفسيرها ولا يسبق النظر فيه. وهذان القولان حديث مَنْ لم يمعن النظر في لسان العرب]. فتأمل !!
وأبو بكر بن الطيب هو الباقلاني كما هو معلوم.
وما نقله عن الشعبي وابن المسيب والثوري لا يثبت عنهم كما حققناه في رسالة إبطال مذهب التفويض ولكن ما نقله عن الباقلاني ثابت!
وقال إمام الحرمين في "الإرشاد" ص (137) :
[ذهب بعض أئمتنا إلى أن اليدين والعينين والوجه صفات ثابتة للرب تعالى ، والسبيل إلى إثباتها السمع دون قضية العقل ، والذي يصح عندنا : حمل اليدين على القدرة ، وحمل العينين على البصر ، وحمل الوجه على الوجود ......
وكنا على الإضراب عن الكلام في الظواهر، فإذا عرض فسنشير إلى منها في الكتاب والسنة، وقد صرح بالاسترواح إليها الحشوية الرعاع المجسمة] .
ورفض الباقلاني تأويل الاستواء بالاستيلاء كما وثقت ذلك عنه في مقالات سابقة فرد ذلك منزهو السادة الأشاعرة، ومن ذلك:
قول العضد الإيجي في المواقف (1/207) :
[ الرحمن على العرش استوى : فإنه يدل على الجلوس وقد عارضه الدليل العقلي الدال على استحالة الجلوس في حقه تعالى فيؤول الاستواء بالاستيلاء أو يجعل الجلوس على العرش كناية عن الملك].
ملاحظة: لفت نظري في ترجمة الباقلاني أمران: (الأول): ما ذكره ابن كثير في البدايـة (11/350): [وقيل إنه كان يكتب على الفتاوى: كتبه محمد بن الطيب الحنبلي، وهذا غريب جداً] .
والأمـر (الثاني): ما ذكره الذهبي في السير (17/193) في ترجمته: [أَمَرَ شيخ الحنابلة أبوالفضل التميمي منادياً يقول بين يدي جنازته: هذا ناصر السنة والدين، والذاب عن الشريعة].
فهذا أمر عجب عجاب مع ما عرف به الحنابلة من معاداتهم للأشعرية!! وشدة بغضهم لهم!!
وقال الذهبي في ترجمة شيخ الحنابلة التميمي في السير (17/273) أيضاً: [كان صديقاً للقاضي أبي بكر الباقلاني وموادَّاً له]. وفي كتاب "تبيين كذب المفتري" لابن عساكر بيان أكثر من هذا عن هذه الصداقة!!
ومن أقوال الباقلاني المنكرة التي رفضها المنزهون من أهل العلم من أهل السنة الأشاعرة وغيرهم:
قوله في كتابه "الإنصاف":
[فنص تعالى على إثبات أسمائه وصفات ذاته، وأخبر أنه ذو الوجه الباقي بعد تقضي الماضيات، كما قال عز وجل {كل شيء هالك إلا وجهه} وقال: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} واليدين اللتين نطق بإثباتهما له القرآن، في قوله عز وجل: {بل يداه مبسوطتان} وقوله: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} وأنهما ليستا بجارحتين، ولا ذوي صورة وهيئة، والعينين اللتين أفصح بإثباتهما من صفاته القرآن وتواترت بذلك أخبار الرسول عليه السلام، فقال عز وجل: {ولتصنع على عيني} و {تجري بأعيننا} وأن عينه ليست بحاسة من الحواس، ولا تشبه الجوارح والأجناس].
وقوله في "التمهيد" ص (299) من المطبوع :
[صفات ذاته هي التي لم يزل ولا يزال موصوفا بها : وهي الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والبقاء والوجه والعينان واليدان].
تأمل كيف يثبت (العينان) و (العينين) لله تعالى !! واعرض هذا على مقولات أهل التنزيه!!
فيجب الوقوف بحزم لمناهضة مثل هذه الأقوال والمذاهب وعدم تمييع القضية فالغيرة يجب أن تكون لله تعالى لا لزيد ولا لعمرو!
والله تعالى أعلم.
___(تعليقات مفيدة)____
لا يشك الدارس لعقيدة أبي الحسن الأشعري وتلامذته بعده ب200 سنة أنهم تأثروا بالمجسمة من حيث كان المجسمة يقولون لهم أنتم تنفون الصفات الواردة في الآية فصاروا يثبتونها وينفون الكيف تأثرا بهم أو إرضاء لهم لا ندري .... وصار كلامهم هذا متناقض في ذاته ولذلك من بعدهم كانوا يؤولون على طريقة المعتزلة وهذا هو الصواب ويرون أن الآيات كلها في السياق البلاغي. والعجب انهم اليوم (الأشاعرة) يعودون لما قاله أبو الحسن تقربا إلى الوهابية أو تأثرا بهم فالتاريخ يعيد نفسه...
منزهو الأشاعرة يقولون بأن مذهب الباقلاني مرغوب عنه:
القواعد والأصول العقائدية
Return to “القواعد والأصول العقائدية”
Jump to
- القرآن الكريم وتفسيره
- ↳ تفسير آية أو آيات كريمة
- ↳ أبحاث في التفسير وعلوم القرآن الكريم
- الحديث النبوي الشريف وعلومه
- ↳ قواعد المصطلح وعلوم الحديث
- ↳ تخريج أحاديث وبيان مدى صحتها
- ↳ شرح الحديث
- ↳ التراجم والرجال: الصحابة والعلماء وغيرهم
- ↳ أحاديث العقائد
- العقائد والتوحيد والإيمان
- ↳ القواعد والأصول العقائدية
- ↳ مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
- ↳ أقوال لأئمة وعلماء ومشايخ في العقيدة ومدى صحتها عنهم
- ↳ قضايا ومسائل لغوية تتعلق بالعقائد
- ↳ الفرق والمذاهب وما يتعلق بها
- ↳ عرض عقائد المجسمة والمشبهة والرد عليها
- التاريخ والسيرة والتراجم
- ↳ السيرة النبوية
- ↳ قضايا تاريخية
- ↳ سير أعلام مرتبطة بالتاريخ والأحداث السياسية الغابرة
- ↳ معاوية والأمويون والعباسيون
- الفكر والمنهج والردود
- ↳ توجيهات وتصحيح لأفكار طلبة العلم والمنصفين من المشايخ
- ↳ الردود على المخالفين
- ↳ مناهضة الفكر التكفيري والرد على منهجهم وأفكارهم
- ↳ أسئلة وأجوبة عامة
- الفقه وأصوله
- ↳ القواعد الأصولية الفقهية
- ↳ مسائل فقهية عامة
- ↳ المذهب الحنفي
- ↳ المذهب المالكي
- ↳ المذهب الشافعي
- ↳ المذهب الحنبلي
- علوم اللغة العربية
- ↳ النحو والصرف
- ↳ مسائل لغوية ومعاني كلمات وعبارات
- الكتب الإلكترونية
- ↳ كتب العلامة المحدث الكوثري
- ↳ كتب السادة المحدثين الغماريين
- ↳ كتب السيد المحدث حسن السقاف
- ↳ كتب مجموعة من العلماء
- المرئيات
- ↳ العقيدة والتوحيد: شرح متن العقيدة والتوحيد