ورد علي قبل يومين أو ثلاثة سؤال من (سيريلانكا):
ما رأيك في كتاب "الرد الوافر" لابن ناصر الدين الدمشقي؟
وما رأيك في تقريظ الحافظ ابن حجر للكتاب؟
وما رأيك في قول الحافظ ابن حجر عن ابن تيمية: لا يكفر ابن تيمية إلا أحد رجلين: إما كافر حقيقة وإما جاهل بحاله؟!
فأقول مستعينا بالله الواحد الأحد:
أبدأ سريعاً بالإجابة على القسم الثالث من السؤال وهو (لا يكفر ابن تيمية إلا أحد رجلين...)
أقول: ليس هذا من كلام الحافظ ابن حجر وإنما هو من كلام بهاء الدين السبكي! وهذا السبكي ليس هو السبكي المعروف تقي الدين علي بن عبد الكافي ولا ابنه تاج الدين صاحب طبقات الشافعية إنما هو ابن عم التاج وهو غير معروف ولا مشهور وعليه كلام، وقد دلس زهير الشاويش ناشر ومحقق – زعم! – كتاب "الرد الوافر" فوضع عبارة السبكي على غلاف بعض طبعات الكتاب ليظن القارىء أنها كلام الإمام السبكي المشهور فيقع الشك والحيرة في قلب أعداء ابن تيمية الحراني! وكله تدليس في تدليس!
وأقول: هذا الكتاب ألفه الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي الشافعي (ت842هـ) في الرد على شيخ الإسلام علاء الدين البخاري (ت841هـ) تلميذ السعد التفتازاني، والقصة مختصرة:
أن علاء الدين البخاري الحنفي كفّر ابن تيمية وقال: (كل من يطلق عليه شيخ الإسلام فهو كافر). فلم يرق ذلك للحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي الشافعي وألف كتاباً سماه (الرد الوافر على من زعم بأن من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر)!
خطوات تحليل كتاب "الرد الوافر" وكشف ما فيه من التحريفات والألاعيب خطوة خطوة باختصار:
أقدم زهير الشاويش - السلفي الوهابي (المصلحي) المحقق المزعوم والناشر للكتاب – على تزوير وتحريف ترجمة العلامة الإمام علاء الدين البخاري الحنفي رحمه الله تعالى وتشويه صورته فقال في مقدمة الكتاب ص (21) من الطبعة الأولى، المكتب الإسلامي، بيروت، سنة 1980م في ترجمة العلاء البخاري ما نصه:
[.. ونشأ ببخارى، ورحل إلى الهند، ثم مكة المكرمة، ومصر حيث استوطنها سنة 832، واتصل بحكامها وكان شديد الالتصاق بهم..]!!!!!!!
والصواب: في المصادر كما سأبين أنه جاء في ترجمة العلاء البخاري (وكان شديد الإغلاظ على الحكام)!!!!
قلب زهير الشاويش الوهابي الحقيقة رأساً على عقب فحرّفها وجعلها (وكان شديد الالتصاق بهم)!!!! بدل (كان شديد الإغلاظ عليهم)!!!
وهكذا يمضي الفكر السلفي الوهابي في تحريف الحقائق سابقاً ولاحقاً!
وذكر أن مصادر ترجمة العلاء البخاري: "إنباء الغمر" للحافظ ابن حجر، و"الضوء اللامع" للحافظ السخاوي، و"شذرات الذهب" و"معجم المؤلفين" و"والتاج المكلل" و"الأعلام"!
ولم أجد في شيء من هذه الكتب ما ذكره زهير الشاويش!
وقد واجهت زهير الشاويش بذلك وقابلته في منزلٍ له في الأردن/عمان وقلت له كيف تحرف وتزور ترجمة العلاء البخاري بهذا الشكل الفاضح فحاول أن يتنصل ويتهرب وهو رجل ليس من أهل العلم ولا من طلبته وإنما هو جامع أموال وساع في طباعة الكتب التي في صالح الوهابية وقد حصل من ذلك على ملايين لن تغني عنه عند الله تعالى شيئاً!
والذي قاله الحافظ السخاوي في ترجمة العلاء البخاري رحمه الله تعالى في "الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع" (9/291) هو ما نصه:
[ثم قدم القاهرة فأقام بها سنين وانثال عليه الفضلاء من كل مذهب وعظمه الأكابر فمن دونهم بحيث كان إذا اجتمع معه القضاة يكونون عن يمينه وعن يساره كالسلطان وإذا حضر عنده أعيان الدولة بالغ في وعظهم والإغلاظ عليهم بل ويراسل السلطان معهم بما هو أشد في الإغلاظ ويحضه عن إزالة أشياء من المظالم مع كونه لا يحضر مجلسه وهو مع هذا لا يزداد إلا إجلالا ورفعة ومهابة في القلوب].
وقال الحافظ ابن حجر في "إنباء الغمر بأبناء العمر" (4/83):
[علي بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد، البخاري العجمي علامة الوقت علاء الدين، مولده في سنة 779 ببلاد العجم، ونشأ ببخارى فتفقه بأبيه وعمه العلاء عبد الرحمن، وأخذ الأدبيات والعقليات عن الشيخ سعد الدين التفتازاني وغيره، ورحل إلى الأقطار واجتهد في الأخذ عن العلاء حتى برع في المعقول والمنقول والمفهوم والمنظوم واللغة العربية وصار إمام عصره، وتوجه إلى الهند فاستوطنه مدة، وعظم أمره عند ملوكه إلى الغاية لما شاهدوه من غزير علمه وزهده وورعه، ثم قدم مكة فأقام بها، ودخل مصر فاستوطنها، وتصدر للإقراء بها فأخذ عنه غالب من أدركناه من مذهب وانتفعوا به علماً وجاهاً ومالاً، ونال عظمة بالقاهرة مع عدم تردد إلى أحد من أعيانها حتى ولا السلطان والكل يحضر إليه، وكان ملازماً للإشغال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بذات الله مع ضعف كان يعتريه، وآل أمره إلى أن توجه إلى الشام فسار إليها بعد أن سأله السلطان في الإقامة بمصر مراراً فلم يقبل، وسار إليها فأقام بها حتى مات في رمضان، ولم يخلف بعده مثله لما اشتمل عليه من العلم والورع والزهد والتحري في مأكله ومشربه وعدم قبوله العطاء من السلطان وغيره، ولما سافر السلطان إلى آمد ركب إليه وزاره أول ما دخل دمشق].
وزاد ابن العماد الحنبلي في "شذرات الذهب" (9/351) نقلاً عن الحافظ ابن حجر:
[ولم يخلّف بعده مثله في العلم، والزّهد، والورع، وإقماع أهل الظلم والجور].
قال السخاوي في ترجمته في "الضوء اللامع" (9/293) إن من قرّظ لابن ناصر الدين الدمشقي كتابه "الرد الوافر" هم: (شيخه الحافظ ابن حجر والعلم البلقيني والتفهني والعيني والبساطي) وكان اعتراضهم على تكفير كل من أطلق على ابن تيمية شيخ الإسلام! لأن أولئك الذين أطلقوا عليه "شيخ الإسلام" ربما لم يطلعوا على ما اطلع عليه العلاء البخاري من فساد وضلال الاعتقاد الذي كان يقول به ابن تيمية الحَراني!
ولذلك جاء أن البساطي قال له في التقريظ كما في "الضوء اللامع":
[لو فرضنا أنك اطلعت على ما يقتضي هذا من حقه فما مستندك في الكلام الثاني وكيف تصلح لك هذه الكلية المتناولة لمن سبقك ولمن هو آت بعدك إلى يوم القيامة وهل يمكنك أن تدعي أن الكل اطلعوا على ما اطلعت أنت عليه وهل هذا إلا استخفاف بالحكام وعدم مبالاة ببنى الأنام والواجب أن يطلب هذا القائل ويقال له لم قلت وما وجه ذلك فإن أتى بوجه يخرج به شرعا من العهدة كان وإلا برح به تبريحا يرد أمثاله عن الإقدام على أعراض المسلمين انتهى]. ("الضوء اللامع"9/293).
وبعد هذا نقول بأن هناك عدة قضايا في هذه المسألة منها:
- أن ابن ناصر الدين الدمشقي لم يبحث في قضية كفر ابن تيمية وإنما في قضية هل من يطلق عليه شيخ الإسلام يكفر أم لا؟ وفي المسألة خلاف بين أهل العلم لمن اطلع على حاله وأقواله وعقيدته.
وإذا كان الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي الشافعي أراد نصر ابن تيمية فهو مخطىء، وما فعل ذلك إلا مكايدة بالعلاء الحنفي، للمكايدة المذهبية فيما أحسب. وربما كان ابن ناصر الدين على طريقة بعض الشافعية أمثال الذهبي الذين هم في الحقيقة حنابلة اعتقاداً وتيميي الهوى. وهذا يحتاج لمزيد تمحيص وتفتيش واستقصاء!
- أن ابن حجر وهو من جملة المقرظين كما نقل السخاوي شنع على ابن تيمية في موضعين من "فتح الباري"، وذلك عند كلامه على شد الرحل إلى زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والثانية عند قوله بحوادث لا أول لها، وكذلك شنع ابن حجر على ابن تيمية ونقل تشنيعات العلماء عليه في ترجمته في كتابه "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة".
مع أننا ننكر على ابن حجر قوله في المسائل الثابتة على ابن تيمية والتي اطلع عليها (المنسوبة لابن تيمية) وفي موضع آخر (المنقولة عن ابن تيمية)!
وذلك في قوله في "الفتح" (13/410): (قوله: "كان الله ولم يكن شيء قبله" تقدم في بدء الخلق بلفظ: "ولم يكن شيء غيره: " وفي رواية أبي معاوية " كان الله قبل كل شيء " وهو بمعنى " كان الله ولا شيء معه " وهي أصرح في الرد على من أثبت حوادث لا أول لها من رواية الباب، وهي من مستشنع المسائل المنسوبة لابن تيمية، ووقفت في كلام له على هذا الحديث يرجح الرواية التي في هذا الباب على غيرها، مع أن قضية الجمع بين الروايتين تقتضي حمل هذه على التي في بدء الخلق لا العكس، والجمع يقدم على الترجيح بالاتفاق).
والموضع الآخر في الفتح (3/66) حيث قال الحافظ ابن حجر: (والحاصل أنهم ألزموا ابن تيمية بتحريم شد الرحل إلى زيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنكرنا صورة ذلك، وفي شرح ذلك من الطرفين طول، وهي من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية)!
فقوله (المنسوبة) و (المنقولة) لا يعجبني مع ثبوت ذلك عند ابن حجر عن ابن تيمية لأنها قد يحتج بها بعض المغرضين بأن ذلك غير ثابت عنه!
- ثبت أن زهير الشاويش زور وحرف في ترجمة العلاء البخاري! ولا يبعد أنه حرف أيضاً وزاد ونقص في كتاب ابن ناصر الدين الدمشقي!
فهذا يحتاج إلى أن يحقق الكتاب إنسان أمين يدرس الكتاب ويدرس ما فيه ويدرس وضع المذكورين فيه من العلماء الذين جاء في الكتاب أنهم أثنوا على ابن تيمية، ونضرب على ذلك أمثلة فنقول:
1- أنه ورد في كتاب "الرد الوافر" ص (93) ترجمة بهاء الدين أبو البقاء محمد بن عبد البر السبكي المتوفى سنة (777هـ) وهذا ليس السبكي الأب المشهور تقي الدين، ولا ابنه التاج السبكي صاحب "طبقات الشافعية الكبرى" وهذان من جملة من كفر أو ضلل ابن تيمية! وقد نقل السلفيون عنه جملة من كتاب الرد الوافر وهي: (والله يا فلان ما يبغض ابن تيمية إلا جاهل أو صاحب هوى..)!
وهذا الكلام لا قيمة له وهو كلام فاسد لم يقله السبكي المشهور تقي الدين ولا ابنه التاج!
وهذا السبكي بهاء الدين مطعون فيه وليس بسليم المعتقد!
2- أنه أورد في كتاب "الرد الوافر" ص (106) ترجمة الإمام ابن دقيق العيد المتوفى سنة (702هـ)!! وابن دقيق العيد عاد ذاماً وطاعناً في ابن تيمية!
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (12/202):
[وقد حكى عياض وغيره الإجماع على تكفير من يقول بقدم العالم، وقال ابن دقيق العيد: وقع هنا من يدعي الحذق في المعقولات ويميل إلى الفلسفة فظن أن المخالف في حدوث العالم لا يكفر لأنه من قبيل مخالفة الإجماع، وتمسك بقولنا إن منكر الإجماع لا يكفر على الإطلاق حتى يثبت النقل بذلك متواترا عن صاحب الشرع، قال وهو تمسك ساقط إما عن عمى في البصيرة أو تعام لأن حدوث العالم من قبيل ما اجتمع فيه الإجماع والتواتر بالنقل].
3- أنه أورد في كتاب "الرد الوافر" ص (113) ترجمة الحافظ أبو حيان الأندلسي.
وقد طعن أبو حيان في ابن تيمية أشد الطعن، وشنع عليه!
قال الحافظ أبو حيان في تفسيره "النهر الماد" المطبوع مستقل ضمن ثلاثة مجلدات (1/254) حيث قال ما نصه:
[وقرأت في كتاب لأحمد بن تيمية هذا الذي عاصرنا وهو بخطه سماه كتاب العرش: أنّ الله تعالى يجلس على الكرسي وقد أخلى منه مكاناً يُقْعِدُ فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحيّل عليه التاج محمد بن علي بن عبد الحق البارنباري، وكان أظهر أنه داعية له حتى أخذه منه وقرأنا ذلك فيه]!!
قلت: كتاب العرش هذا غير الرسالة العرشية المطبوعة.
وعبارة أبي حيان هذه سقطت من النسخة المطبوعة على هامش "البحر المحيط"، قال المحدّث الكوثري رحمه الله تعالى في تعليقه على "السيف الصقيل" ص (85) ما نصه:
(وقد أخبرني مصحح طبعه بمطبعة السعادة أنه استفظعها جداً فحذفها عند الطبع لئلا يستغلّها أعداء الدين، ورجاني أن أسجل ذلك هنا استدراكاً لما كان منه ونصيحة للمسلمين).
أقول: والظاهر أن المصحح كان من المرتزقة (!!) وكذلك قال سيدي الإمام المحدث عبد الله ابن الصديق الغماري في كتابه "بدع التفاسير" ص 158 ـ 159 فليراجع.
وقال العلامة المحدث الزبيدي في "شرح الإحياء" في المجلد الثاني:
[قال التقي السبكي: وكتاب العرش من أقبح كتبه، ولما وقف عليه الشيخ أبو حيان ما زال يلعنه حتى مات بعد أن كان يعظمه].
ولذلك يحتاج "كتاب الرد الوافر" أن يحقق من جديد وأن يقوم على ذلك إنسان أمين نزيه يخشى الله تعالى وليس كزهير الشاويش وموظفيه العاملين تحت يديه في التزوير والتلفيق! ويكفي أنه هو وشيخه الألباني كل واحد منهما يتهم الآخر بالسرقات والتزوير والتحريف حتى صارت بينهما في آخر حياتهما قضايا في المحاكم النظامية وهذا مشهور يمكن أن يفرد له بعض الإخوة مقالات خاصة يكشف ما كان بينهما من المهاترات.
- وجاء في تقريظ الحافظ ابن حجر لكتاب "الرد الوافر" ص 229و230 أن أكثر فقهاء البلد تعصبوا على ابن تيمية حتى مات محبوساً بالقلعة، وقد قام عليه جماعة من العلماء مراراً بسبب أشياء أنكروها عليه من الأصول والفروع... الى آخره.
وما قاله هناك ابن حجر من المدح والثناء إن ثبت عنه فهو يعبر عن رأيه المخالف لرأي كبار العلماء الذين عاصروا ابن تيمية وناظروه وأفحموه وأثبتوا عليه تلك الطامات المعروفة! هذا أيضاً إن ثبت هذا الكلام بكل أحرفه عن ابن حجر! مع ما نقلناه سابقا من تشنيع ابن حجر على ابن تيمية في "الدرر الكامنة" وفي "فتح الباري".
هذه أمور أحببت أن أبينها وخلاصتها:
أن كتاب "الرد الوافر" كتاب مشكوك بما فيه وتقريظ ابن حجر للكتاب لا يبرىء ابن تيمية من التشبيه والتجسيم والأقوال المنكرة الثابتة عليه في كتبه ومؤلفاته، فالمدح لا قيمة له مع وجود الضلالات العقائدية والكوارث التكفيرية التي وقعت في كتب ابن تيمية لمخالفيه حيث رماهم بالبدعة والكفر والزندقة وغير ذلك! فابن تيمية الحَراني ليس معصوماً، والأمة المحمدية ضالة منحرفة مرمية عنده وعند أتباعه بالبدعة والكفر والشرك والضلال! كما يحاول أن يصور ذلك مقلدته وأتباعه المفتونون به! هذا لا يقوله منصف ولا عاقل!
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.