وبيان أنه ليس فيه دلالة صحيحة على مذهب المجسمة والمشبهة الوهابية وبيان معناه الصحيح:
قال الذهبي في العلو:
[حديث عيسى بن طهمان عن أنس، وثابت أيضاً عن أنس أنَّ زينب بنت جحش كانــــت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلـم تقـــول: (زوَّجكنَّ أهاليكنَّ وزوجني الله من فوق سبع سماوات)].
أقول:
إسناده صحيح. رواه بهذا اللفظ البخاري في الصحيح (13/404فتح) والترمذي (5/355برقم3213) وغيرهما وليس فيه دلالة على العلو الذي تقصده المجسمة كما سيأتي في نهاية تخريج طرقه إن شاء الله تعالى!!
ومعنى قولها (زوَّجني الله من فوق سبع سماوات) أي أنزل الله زواجها في القرآن الكريم الذي جاء به سيدنا جبريل من فوق السماء السابعة؛ أي: من اللوح المحفوظ، قال تعالى: { بل هو قرآن مجيد، في لوح محفوظ } البروج: 22، فليس المعنى ما توهمته المجسمة في أذهانها!! بل المعنى: أنَّ الله تعالى قضى تزويجي وأراده فأنزل به القرآن من فوق سبع سماوات، وإلا فجميع الخلق الذين يجوز عليهم الزواج قضى الله زواجهم وأراده من فوق سبع سماوات ـ على اعتقاد المجبرة وعلى اعتقاد المجسمة بأنَّ معبودهم فوق سبع سماوات أو في السماء ـ والحق أنَّ معنى (من فوق سبع سماوات) أي في اللوح المحفوظ.
ولا يستطيع الباحث المنصف أن يتشبَّث بلفظ (من فوق سبع سماوات) أو بغيره من هذه الألفاظ لأنه كما تراه قد دخل فيه تصرف الرواة، وقد نطق قائله بلفظ واحد!! فكيف يصح التشبث والاستدلال بواحد منها ؟!
قال الذهبي:
[ولفظ عيسى: كانت تقول: (إنَّ الله أنكحني في السماء)].
أقول:
صحيح دون لفظة (في السماء). رواه بهذا اللفظ البخاري في الصحيح (13/404) ورواه أحمد في المسنـد (3/226) بلفظ: ((إنَّ الله أنكحني من السماء)) ورواه أيضاً بهذا اللفظ النسائي في ((السنن الكبرى)) في مواضع منها (3/287برقم5400و5401) و (4/417-418حديث7755) وغيرهما والراجح هو هذا اللفظ لأنه رواته أكثر!! ولفظ (في السماء) من تصرّف الرواة. وسيأتي معناه والمقصود منه في الحاشية التالية إن شاء الله تعالى وأنه لا دلالة فيه على العلو الحسي الذي يريــده الذهبي.
قال الذهبي في العلو:
[وفي لفظ أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (زوَّجنيك الرحمن من فوق عرشه) هذا حديث صحيح أخرجـه البخـاري].
أقول:
وهذا واهٍٍ. هذا اللفظ ليس في صحيح البخاري وهو مرسل والمرسل من ضعيف الحديث وقد رواه بهذا اللفظ الحاكم في "المستدرك" (4/25) وسنده واهٍ لضعف علي بن عاصم الذي في سنده وإرسال عامر الشعبي ؛ ورواه الحافظ ابن جرير الطبري في تفسيره (22/14) بلفظ: (وإني أنكحنيـــك الله من السماء) وسنده واهٍ أيضاً!! وكنت قد قلت في مقدّمة "دفع شبه التشبيـه" ص (59) أنَّ متناقض عصرنا!! قال في مختصر العلو ص (84) عن هذا اللفظ الثالث:
[وأما اللفظ الثالث، فهو في توحيد البخاري من حديث أنس أيضاً ذكره الحافظ في الفتح (13/348) من مرسل الشعبي ؛ وقال: أخرجه الطبري وأبوالقاسم الطحاوي في كتاب الحجة والتبيان له] اهـ.
فأما قوله (وأما اللفظ الثالث فهو في توحيد البخاري من حديث أنس أيضاً) فغير صحيح البتة إذ لم يروه البخاري في كتاب التوحيد (له!!) بل لم يذكره في صحيحه البتة!!
وأما قوله (ذكره الحافظ في الفتح من مرسل الشعبي وقال أخرجه الطبري.....) فكلام هزيل لا قيمة له لأنه واهٍ من طريقيه عند الحاكم والطبري!! فإيراده إياه في مختصر العلو مخادعة ومخاتلة!!
وقد ذكر الحافظ في الفتح (13/412) هناك لفظاً آخر للحديث فقال: (.... ومن وجه آخر موصول عن أم سلمة: قالت زينب: ما أنا كأحد من نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنَّهُنَّ زُوِّجْنَ بالمهور زوَّجَهُنَّ الأولياء وأنا زوجني الله ورسوله وأنزلَ اللـهُ فيَّ الكتاب). وهذا لفظ جيد مقبول.
فيكون ملخص معنى قول السيدة زينب رضي الله عنها (زوَّجني الله تعالى من فوق سبع سموات) أو (من السماء) أو (في السماء) أي: أنكحني الله بأنْ ذكر نكاحي في القرآن الذي نزل من فوق سبع سماوات. وبه يتم المقصود ويبطل كلام المجسمة المعهود!! والحمد لله رب العالمين.