افهم: التأويل في الصفات وغيرها هو الأصل وهو الواجب في الكتاب والسنة وعند الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم:

القواعد والأصول العقائدية
أضف رد جديد
cisayman3
مشاركات: 300
اشترك في: السبت نوفمبر 11, 2023 8:00 pm

افهم: التأويل في الصفات وغيرها هو الأصل وهو الواجب في الكتاب والسنة وعند الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم:

مشاركة بواسطة cisayman3 »

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} يوسف:6.
التأويل هو التفسير، وبالأدق هو فهم المقصود من أي أمر، وهنا هو فهم المراد من معنى الآية أو الحديث النبوي الشريف.
وقد أنزل الله تعالى إلينا القرآن الكريم وخاطبنا به لنفهم معناه ونستوعب خطابه ونتدبر آياته، قال تعالى: { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} ص:29.
وذكر الله التأويل في كتابه العزيز وبين أن هناك تأويل حق لكل آية كريمة يعلمه الله تعالى والراسخون في العلم وهم العلماء الذين فسروا القرآن الكريم من عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة رضي الله عنهم إلى أن تقوم الساعة وهم الصادقون الذين طلبوا معرفة الحق وفهم المعنى الذي أراده الله سبحانه وتعالى، كما أن هناك منحرفون زائغون أهل فتنة حاولوا التلاعب بمعاني كتاب الله تعالى ولم ينضبطوا بالمحكم الذي جعله الله تعالى أساساً لفهم هذا القرآن الكريم فأولوه تأويلاً فاسدا كتأويل ابن تيمية الاستواء بالقعود والجلوس، قال سبحانه:
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُوْلُوا الأَلْبَابِ} آل عمران:7.
وقد فسر العلماء الراسخون - كما هو معلوم- المحكم والمتشابه من الآيات الكريمة في الفقهيات وفي العبادات وفي التوحيد وفي صفات الله تعالى وبينوا معناها، وهذا يدل على أن المقصود هو فهم هذا الكتاب المبين الذي أنزله الله تعالى إلينا.
قال تعالى:
{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} يوسف:21.
وقال تعالى: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} الكهف:78.
وقال تعالى: {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} النساء:59.
فالتأويل ذكره الله تعالى في كتابه وهو المقصود من الإنزال وهو العلم بمعنى القرآن الكريم هنا، وقد أكد الله تعالى لنا ذلك بقوله:
{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} الفرقان:73.
وطلب منا أن نعلم معنى آياته فقال: {حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} النمل:84، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكد هذا الأمر وقرره، فعن ابن عباس قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده بين كتفيَّ أو قال على منكبي فقال: (اللهم فَقِهّهُ في الدين وعَلِّمْهُ التأويل). رواه أحمد في المسند وابن حبان في صحيحه واعترف بصحته ابن تيمية والألباني.
وقد نزل القرآن الكريم على مجتمع الصحابة وأهل مكة وما حولها من العرب بلسانهم ولغتهم ففهموا معناه، ولم يحتاجوا في بادىء الأمر أن يفسروا الآيات ويعملوا لها تفسيراً لكونها خطاباً مفهوماً لديهم، وإنما احتاجوا أن يؤولوه ويفسروه لمن جاء بعدهم ممن لم يفهم بعض الآيات الكريمة، وعلمهم التأويل ففهموه، ومن ذلك مثلاً: قوله تعالى: { فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} الأعراف:51، وقوله تعالى: { نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} التوبة:67، وفي نفس الوقت قال سبحانه: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} مريم:64، وقال سبحانه أيضاً: { لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى} طه:52. ففهموا أن النسيان الحقيقي محال عليه تعالى لأنه نقص لا يليق بالخالق الإله وأن النسيان المضاف إليه مؤول إلى معاني أخرى.
وقد أوَّل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبعض أصحابه الكرام ما استعجم عليهم ولم يفهموا المراد منه، ومن ذلك:
1- في الفقه مثلاً: ما رواه البخاري (1916) ومسلم (1090) عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ فَلا يَسْتَبِينُ لِي فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: ((إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ)).
2- وفي التوحيد مثلاً: وفي صحيح مسلم (177) عن مسروق التابعي أنه قال للسيدة عائشة رضي الله عنها:
يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْظِرِينِي وَلا تَعْجَلِينِي أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ} {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}؟! فَقَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ((إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ..)).
3- وروى البخاري في صحيحه (103): عن ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَتْ لا تَسْمَعُ شَيْئًا لا تَعْرِفُهُ إِلا رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قالَ: ((مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ))، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} الإنشقاق:8، قَالَتْ: فَقَالَ: ((إِنَّمَا ذَلِكِ الْعَرْضُ، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَهْلِكْ)).
بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها ما لم تفهمه. إذن المطلوب هو المعرفة وفهم المقصود والعلم بمعنى النص وهذا هو التأويل.
4- وفيما يتعلق بالله تعالى وصفاته مثلاً: روى مسلم في صحيحه (2569) عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
((إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضتُ فلم تعدني. قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده. يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني. قال: يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي. يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني. قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي)).
وقد أوَّل السلف وعلى رأسهم الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم المفسرين من السلف والخلف القرآن من أوله إلى آخره وبينوا معاني آياته الكريمة سواء المحكمات والمتشابهات، في التوحيد والصفات والفقه وغير ذلك.
فأول ابن عباس رضي الله عنهما الساق {يوم يكشف عن ساق} باشتداد الأمر كما في تفسير ابن جرير الطبري (29/38) وفتح الباري (13/428) وقد بينت صحة السند إليه وبطلان من حاول أن يموِّه فيضعفه في كتاب التناقضات (2/312-313). قال ابن جرير هناك: [قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد].
والنسيان بالتَّرْك، كما رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (8/201). والأيدي في قوله تعالى { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} بالقوة كما رواه ابن جرير أيضاً (7/27)، والجنب بالأمر والحق كما في تفسير الطبري (24/19)، والكرسي بالعلم كما في تفسير ابن جرير (3/9)، وفي البخاري (فتح8/199قبل الحديث4535) عن سعيد بن جبير قال: (كرسيه علمه). وقد بسطنا الكلام في تأويلات ابن عباس وأئمة السلف والعلماء في صحيح شرح الطحاوية وشرح الجوهرة ومقدمة دفع شبه التشبيه وغيرها فليرجع إليها من شاء!
وصنف الإمام أبو منصور الماتريدي المتوفى سنة 333هـ كتاب "تأويلات أهل السنة" أو "تأويلات القرآن" وهو مطبوع في عشر مجلدات فيه تأويلات كثيرة في الصفات وغيرها، والإمام الفراء المتوفى سنة 207هـ قبل ذلك له تفسير كله تأويل ويجد من يتدبر كتب الصحاح والسنن وغيرها من كتب السنة تأويلات كثيرة للسلف في موضوع الصفات وغيرها، حتى أن الترمذي رحمه الله تعالى لَمَّا أوَّل في سننه (3298) حديث:
(لو أنكم دليتم رجلاً بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله) فقال عقبه:
[وفسَّر بعض أهل العلم هذا الحديث فقالوا: إنما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه....]، ولم يَرُقْ هذا التأويل لابن تيمية الحرَّاني في "مجموع الفتاوى" (6/573) فقال منكراً على الترمذي ما نصه:
[فان الترمذى لما رواه قال: وفسره بعض أهل الحديث بأنه هبط على علم الله... وكذلك تأويله بالعلم تأويل ظاهر الفساد من جنس تأويلات الجهمية]!!
والحاصل أن التأويل هو ما يريده الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مذهب السلف الصالح من عهد الصحابة فمن بعدهم حتى جاء هؤلاء الحنابلة الذين ينكرونه وينسبونه لبعض علماء السلف ويُرَكِّبون له الأسانيد فيُقَوِّلون السلف ما لا يقولون! والأمر ظاهر واضح!
ومذهب التفويض مذهب هزيل مرفوض لم يقل به السلف! ومن يكابر وينافح عن التفويض غاية أمره أن يحتج بالوقف عند قوله تعالى {وما يعلم تأويله إلا الله} ولا يجعل الراسخين في العلم يعلمون معناه! ومعنى هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يعلم معناه! وكذلك الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يعلمون معناه ولا تأويل آياته! وعلى هذا يكون المفسرون لكتاب الله تعالى وأكابر العلماء الذين بينوا معناه آثمين معتدين مأزورين!
وهذا قول ظاهر البطلان والسخف!
وكل من خالف في ذلك فهو مخطىء واهم!
ومن ادعى غير ذلك فليأتنا بدليله لننظر فيه وليدع التقليد وأقوال الرجال!
والله الهادي إلى سواء السبيل!
أضف رد جديد

العودة إلى ”القواعد والأصول العقائدية“