قال تلميذنا العلامة المحقق عبد الله المالكي الأشعري حفظه الله تعالى فيما يتعلق بموضوع (اليد) و (أيد) ما نصه:
بَارَكَ اللهُ تَعَالَى فِيكُمْ سَيِّدَنَا العلَّامَة عَلَى هَذِهِ التَّنْبِيهَاتِ والتَّدْقِيقَاتِ، وقَدْ أَحْبَبْت أَنْ أَنْقُلَ بَعْضَ التَّعْلِيقَاتِ السَّابِقَةِ لِي حَوْلَ مَوْضُوعِ (أَيْدٍ جَمْعِ يَدٍ).
التَّعْلِيقُ رَقْم 1:
--------------
يَتَحَايَلُ السَّلَفِيَّةُ والوَهَّابِيَّةُ وَأَطْيَافُهُمْ، فَيَقُولُونَ إِنَّ لَفْظَ (أَيْدٍ) هُوَ مَصْدَرُ (آدَ)، وَلَيْسَ جَمْعَ (يَدٍ) وَيَقُولُونَ:
فِي وَزْنِ (فَعَلَ): (آدَ، يَئِيدُ، أَيْدًا و آدًا)، والفَاعِلُ: (آيِدٌ).
وَفِي وَزْنِ (فَعَّلَ): (أَيَّدَ، يُؤَيِّدُ، تَأْيِيدًا)، والفَاعِلُ: (مُؤَيِّدٌ).
وَفِي وَزْنِ (فَاعَلَ): (آيَدَ، يُؤَايِدُ، إِيَادًا ومُؤَايَدَةً)، والفَاعِلُ: (مُؤَايِدٌ).
وَلَسْنَا نُنْكِرُ هَذِهِ المَعَانِيَ، وَلَسْنَا نُنْكِرُ كَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ: (أَيْدٍ، أَيْدٌ، أَيْدًا) بالحَرَكَاتِ الثَّلاثَةِ هُوَ مَصْدَرُ (آدَ)؛ لَكِنَّ هَذَا المَعْنَى لَيْسَ هُوَ المَقْصُودَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ). فالتَّنْوِينُ بالكَسْرِ ( ٍ ) فِي (أَيْدٍ) هُنَا فِي الآيَةِ، هُوَ ((تَنْوِينُ عِوَضٍ))، وَلَيْسَ ((تَنْوينَ تَمْكِينٍ)) كَـ (أَيْدٍ، أَيْدٌ، أَيْدًا)، لأَنَّ هَذَاالأَخِيرَ مَصْدَرُ (آدَ)، وَيَجْرِي عَلَيْهِ الإِعْرَابُ رَفْعًا وَنَصْبًا وَجَرًّا.
أَمَّا (أَيْدٍ) الَّتِي فِي آيَةِ (الذاريات)، فَتَنْوينُهَا ((تَنْوِينُ عِوَضٍ)) عَنْ يَاءِ الجَمْعِ فِي (أَيْدِي)، وَهُوَ تَنْوِينٌ ثَابِثٌ عَلَى هَذَا الشَّكْلِ حَالَتَيْ الرَّفْعِ والجرِّ، إِلَّا النَّصْبَ.
وَقَدْ حَكَمْنَا أَنَّ لَفْظَ: (أَيْدٍ جَمْعِ يَدٍ) هُوَ المُرَادُ فِي الآيَةِ لِعِدَّةِ أُمُورٍ، لَا انفِكَاكَ لَهُمْ مِنْهَا:
1-تَرْكِيبُ: ((اليَدِ - الأَيْدِي)) قَدْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ (البَاءُ) فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى مِنْهَا:
قَالَ تَعَالَى: [يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ ((بـِ أَيْدِيهِمْ))...]
قَالَ تَعَالَى: [وَلَا تُلْقُوا ((بِـ أَيْدِيكُمْ))...]
قَالَ تَعَالَى: [ فَلَمَسُوهُ ((بِـ أَيْدِيهِمْ))...]
قَالَ تَعَالَى: [يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ ((بِـ أَيْدِيكُمْ)) ...]
قَالَ تَعَالَى: [أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ ((بِـ أَيْدِينَا)) ...]
قَالَ تَعَالَى: [يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم ((بِـ أَيْدِيهِمْ)) وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ ...]
قَالَ تَعَالَى: [مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ ((بِـ أَيْدِي)) سَفَرَةٍ ...]
قَالَ تَعَالَى: [أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي ((بِـ يَدِهِ)) عُقْدَةُ النِّكَاحِ..]
قَالَ تَعَالَى: [ لِمَا خَلَقْتُ ((بِـ يَدَيَّ)) ..]
وَمِنْ هُنَا جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى: [وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا ((بِـ أَيْـدٍ))....].
فَهَذَا التَّرْكِيبُ مَشْهُورٌ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى.
---------
2- يَسْتَدِلُّونَ عَلَى قَوْلِهِمْ بآيَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
[وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا ((الْأَيْدِ))..]
فَيَقُولُونَ فَرِحِينَ: هَا قَدْ جَاءَ ((الأَيْدُ)) الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ (آدَ) فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى !!
والجَوَابُ عَنْ زَعْمِهِمْ هَذَا: أَنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لأَنَّ اللَّفْظَ قَدْ وَقَعَ هُنَا أَيْضًا جَمْعَ (يَدٍ) وَلَيْسَ مَصْدَرَ (آدَ) كَمَا يَزْعُمُونَ، بِدَلِيلِ الآيَةِ الأُخْرَى:
[وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي ((الْأَيْــــــــدِي)) وَالْأَبْصَارِ]
وَالتَّشَابُهُ فِي الآيَتَيْنِ وَاضِحٌ:
((وَاذْكُرْ عَبْدَنا)) - ((وَاذْكُرْ عِبَادَنَا))
((ذَا الْأَيْدِ)) - ((أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ))
فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ((ذَا الْأَيْدِ)) هِيَ (جَمْعُ يَدٍ) أَيْضًا، وَحُذِفَتْ يَاؤُهُ للتَّخْفِيفِ، وَهَذَا مَشْهورٌ لُغَةً، وَلِذَلِكَ قَالَ الجوْهرِيُ:
[دوامى ((الأَيْدِ)) يخبطن السريحا؛ فَهُوَ لُغَةٌ لِبَعْضِ العَرَبِ، يَحْذِفُونَ اليَاءَ مِنَ الأَصْلِ مَعَ الأَلِفِ وَاللَّامِ، فَيَقُولُونَ فِي ((المُهْتَدِي)): ((المُهْتَدِ))]
انتهى كلام الجوهري.
وَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ اللُّغَةُ (بِحَذفِ اليَاءِ)، فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَمِنْ ذَلِكَ:
فِي سُورَةِ الكَهْفِ:
[مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ ((الْمُهْتَدِ))...]
وَجَاءَتْ أَيْضًا باليَاءِ، فِي الأعْرافِ:
[مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ ((الْمُهْتَدِي)).....]
وَمِنْهَا يَاءُ ((الجَوَارِي)) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
[وَمِنْ آيَاتِهِ ((الْجَوَارِ)) فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ]
وَمِنْهَا يَاءُ ((المُتَعَالِي)) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
[الْكَبِيرُ ((الْمُتَعَالِ))...]
---------
التَّعلِيقُ رَقْمُ 2:
--------------
3- الدَّلِيلُ الثَّالِثُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ (بأَيْدٍ) جَمْعُ (يَدٍ)، هُوَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ: [وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا ((بِـ أَيْـدٍ))....]؛ مِنْ أَقْوَى وأَشْهَرِ الأَمْثِلَةِ الَّتِي يَسْتَدِلُّ بِهَا أَهْلُ المَعَانِي عَلَى مُحَسِّنِ (التورية المرشَّحة).
وَ((التَّوْرِيَةُ)) هِيَ أَنْ يُطْلَقَ لَفْظٌ مُعَيَّنٌ وَيَكُونُ ((لَهُ مَعْنَيَانِ))؛ وَاحدٌ قَرِيْبٌ وَالآخَرُ بَعِيْدٌ، ثُمَّ يُرَادُ ((المَعْنَى الْبَعِيْدُ)) اعْتِمَاداً عَلَى قَرِيْنَةٍ خَفِيَّةٍ صَرَفَتْهُ مِنَ المَعْنَى القَرِيبِ إِلَى ذَلِكَ المَعْنَى البَعِيدِ.
وَقَدْ قَدْ جَاءَ هُنَا قوْلُهُ تَعَالَى: (بأَيْدٍ)، بِمَعْنَيَيْنِ اثْنَيْنِ، وَاحِدٍ قَرِيبٍ، وَآخَرَ بَعِيدٍ، وَهُمَا:
1- جَمْعُ يَدٍ عَلَى الحَقِيقَةِ.
2- مَجَازُ (أَيْدٍ جَمْعِ اليَدِ)، الَّتِي هِيَ القُوَّةُ.
والقَرِيبُ والمُلَائِمُ للتَّرْكِيبِ اللُّغَوِيِّ هُنَا هُوَ (جَمْعُ اليَدِ) عَلَى الحَقِيقَةِ أَيْ الجَارِحَةِ، لَكِنْ لاسْتِحالَةِ هَذَا المَعْنَى عَلَى اللهِ تَعَالَى، أُوِّلَ اللَّفْظُ وَصُرِفَ إِلَى ((المَعْنَى الثَّانِي المَجَازِيِّ)) الَّذِي هُوَ (القُوَّةُ).
وَهَذِهِ هِيَ ((التَّوْرِيَةُ المُرَشَّحَةُ))، وَقَدْ مَثَّلَ بِهَذِهِ الآيَةِ كَثِيرٌ مِنَ العُلَمَاءِ أَهْلِ المَعَانِي، فَصَرَّحُوا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ((بأَيْـدٍ)) هِيَ ((جَمْعُ يَدٍ))، لَكِنَّهُ صُرِفَ هَذَا الجَمْعُ إِلَى مَعْنَى القُوَّةِ بالتَّأْوِيلِ.
وإِلَيْكَ أَقْوالَهُمْ
---------
(1)- قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ الأَشْعَرِيُّ عَنِ (التَّوْرِيَةِ المُرَشَّحَةِ):
[(مُرَشَّحَةٌ): وَهِيَ الَّتِي تُجَامِعُ شَيْئًا مِمَّا يُلَائِمُ المَعْنَى الْقَرِيْبَ؛ نَحْوُ: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} ؛ أَرَادَ بِــ ((الـأَيْـدِي)) مَعْنَاهُ البَعِيدَ، وَهُوَ: (القُدْرَةُ)، وَقَدْ قُرِنَ لَهَا مَا يُلَائِمُ المَعْنَى القَرِيبَ الَّذِي هُوَ ((الجارحَة المخصوصة))، وَهُوَ قَوْلُهُ: ((بَنَيْنَاهَا))؛ إِذِ ((البِنَاءُ)) يُلَائِمُ ((الــيَــدَ)) ]
انتهى.
----------------------
(2)- وَقَالَ (الدَّسُوقِيُّ) شَارِحًا كَلَامَ (التَّفْتَازَانِيِّ) هَذَا:
[فَمَثَّلَ المُصَنِّفُ بقوله: نحْوُ (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) للتَّرْشِيحِ الوَاقِعِ قَبْلَهَا، وَذَلِكَ لأَنَّ ((الـأَيْـدِي)) جَمْعُ يَدٍ، وَ((الـيَـدُ)) تطْلَقُ عَلَى (الجَارِحَةِ المَخْصُوصَةِ) وَهُوَ المَعْنَى القَرِيبُ لَهَا.
وَتُطْلَقُ عَلَى القُوَّةِ وَالقُدْرَةِ وَهُوَ مَعْنًى بَعِيدٌ.
أُرِيدَ فِي الآيَةِ مَعْنَاهَا البَعِيدُ وَهُوَ القُدْرَةُ ((اعتمادا على قرينة خفية)) وَهِيَ: ((استحالة الجارحة على الله تعالى))، وَقَدْ قُرِنَ بِهَا مَا يُلَائِمُ المَعْنَى القَرِيبَ الَّذِي هٌوَ الجَارِحَةُ المَخْصُوصَةُ، وهُوَ قَوْلُهُ: ((بَنَيْنَاهَا))؛ إِذِ ((البِنَاءُ)) الذِي هُوَ وَضْعُ لَبِنَةٍ عَلَى أخْرَى ((يُلَائِمُ الــيَــدَ بِمَعْنَى الجَارِحَةَ)).
وأَمَّا ((مُلَائِمُ القُدْرَةِ)) فهُوَ: ((الإِيجَادُ وَالخَلْقُ)).
(*)- لَا يُقَالُ: ((البِنَاءُ يَقْتَضِي القُدْرَةَ أيضا، فَكَمَا أَنَّهُ يُلَائِمُ المعنى القريب يلائم البعيد أيضا)) !!
(*)- لِأَنَّا نَقُولُ: ((طَلَبُ البِنَاءِ وَاقْتِضَاؤُهُ لِـلـيَـدِ أَتَّمُ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: بَنَيْنَاها تَرْشِيحٌ لِلتَّوْرِيَةِ الكَائِنَةِ فِي قَوْلِهِ: بِـأَيْـدٍ، وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا] انتهى.
----------------------
(3)- وَقَالَ ابْنُ حجة الحَمَوِيُّ فِي (خِزَانَةِ الأَدَبِ):
[التَّوْرِيَةُ، ((وَأَعْظَمُ أَمْثِلَتِهِ)) قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}.
فَإِنَّ قَوْلَهُ: ((بِـأَيْـدٍ)) يحتَمِلُ الجَارِحَةَ، وَهَذَا هُوَ المَعْنَى القَرِيبُ المُوَرَّى بِهِ، وَقَدْ ذُكِرَ مِنْ لَوَازِمِهِ عَلَى جِهَةِ التَّرْشِيحِ: ((البُنْيَانُ)).
وَيَحْتَمِلُ (القوة وعظمة الخالق)، وَهَذا المَعْنَى البَعِيدُ المُوَرَّى عَنْهُ وَهُوَ المُرَادُ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنِ المَعْنَى الأَوَّلِ].
انتهى
----------------------
(4)- وَقَالَ العِصَام الإِسْفَرَايِينِيُّ:
[ قوله تعالى: (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ).
فَإِنَّ المُرَادَ ((بِأَيْـدٍ)) مَعْنَاهَا البَعِيدُ، أَيْ: كَمَالُ القُدْرَةِ، وَلِإِفَادَةِ الكَمَالِ ((جُـمِـعَـتِ الـيَـدُ))، وَقَدْ قُرِنَ بِهِ مَا يُلَائِمُ المَعْنَى القَرِيبَ، وَهُوَ: ((الـبِـنَـاءُ))؛ لِأَنَّ ((الـبِـنَـاءَ)) وَإِنْ تَطَلَّبَ القُدْرَةَ، لَكِنَّ طَلَبَهُ ((لِلْيَدِ أَكْثَرُ)) ...] انتهى.
فَهَذِهِ الآيَةِ مِنْ أَشْهَرِ وأَعْظَمِ مَا يُضَربُ فِي (التَّوْرِيَةِ المُرَشَّحَةِ)، وَكَثِيرٌ مِنَ المُشْتَغِلِينَ بِعِلمِ المَعَانِي يَرَوْنَ أَنَّ (بأَيْدٍ) فيهَا هيَ ((جَمْعُ يَدٍ)).
____(تعليقات مفيدة)____
بَارَكَ اللهُ تَعَالَى فِيكُمْ سَيِّدَنَا العلَّامَة عَلَى هَذِهِ التَّنْبِيهَاتِ والتَّدْقِيقَاتِ، وقَدْ أَحْبَبْت أَنْ أَنْقُلَ بَعْضَ التَّعْلِيقَاتِ السَّابِقَةِ لِي حَوْلَ مَوْضُوعِ (أَيْدٍ جَمْعِ يَدٍ).
التَّعْلِيقُ رَقْم 1:
--------------
يَتَحَايَلُ السَّلَفِيَّةُ والوَهَّابِيَّةُ وَأَطْيَافُهُمْ، فَيَقُولُونَ إِنَّ لَفْظَ (أَيْدٍ) هُوَ مَصْدَرُ (آدَ)، وَلَيْسَ جَمْعَ (يَدٍ) وَيَقُولُونَ:
فِي وَزْنِ (فَعَلَ): (آدَ، يَئِيدُ، أَيْدًا و آدًا)، والفَاعِلُ: (آيِدٌ).
وَفِي وَزْنِ (فَعَّلَ): (أَيَّدَ، يُؤَيِّدُ، تَأْيِيدًا)، والفَاعِلُ: (مُؤَيِّدٌ).
وَفِي وَزْنِ (فَاعَلَ): (آيَدَ، يُؤَايِدُ، إِيَادًا ومُؤَايَدَةً)، والفَاعِلُ: (مُؤَايِدٌ).
وَلَسْنَا نُنْكِرُ هَذِهِ المَعَانِيَ، وَلَسْنَا نُنْكِرُ كَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ: (أَيْدٍ، أَيْدٌ، أَيْدًا) بالحَرَكَاتِ الثَّلاثَةِ هُوَ مَصْدَرُ (آدَ)؛ لَكِنَّ هَذَا المَعْنَى لَيْسَ هُوَ المَقْصُودَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ). فالتَّنْوِينُ بالكَسْرِ ( ٍ ) فِي (أَيْدٍ) هُنَا فِي الآيَةِ، هُوَ ((تَنْوِينُ عِوَضٍ))، وَلَيْسَ ((تَنْوينَ تَمْكِينٍ)) كَـ (أَيْدٍ، أَيْدٌ، أَيْدًا)، لأَنَّ هَذَاالأَخِيرَ مَصْدَرُ (آدَ)، وَيَجْرِي عَلَيْهِ الإِعْرَابُ رَفْعًا وَنَصْبًا وَجَرًّا.
أَمَّا (أَيْدٍ) الَّتِي فِي آيَةِ (الذاريات)، فَتَنْوينُهَا ((تَنْوِينُ عِوَضٍ)) عَنْ يَاءِ الجَمْعِ فِي (أَيْدِي)، وَهُوَ تَنْوِينٌ ثَابِثٌ عَلَى هَذَا الشَّكْلِ حَالَتَيْ الرَّفْعِ والجرِّ، إِلَّا النَّصْبَ.
وَقَدْ حَكَمْنَا أَنَّ لَفْظَ: (أَيْدٍ جَمْعِ يَدٍ) هُوَ المُرَادُ فِي الآيَةِ لِعِدَّةِ أُمُورٍ، لَا انفِكَاكَ لَهُمْ مِنْهَا:
1-تَرْكِيبُ: ((اليَدِ - الأَيْدِي)) قَدْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ (البَاءُ) فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى مِنْهَا:
قَالَ تَعَالَى: [يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ ((بـِ أَيْدِيهِمْ))...]
قَالَ تَعَالَى: [وَلَا تُلْقُوا ((بِـ أَيْدِيكُمْ))...]
قَالَ تَعَالَى: [ فَلَمَسُوهُ ((بِـ أَيْدِيهِمْ))...]
قَالَ تَعَالَى: [يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ ((بِـ أَيْدِيكُمْ)) ...]
قَالَ تَعَالَى: [أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ ((بِـ أَيْدِينَا)) ...]
قَالَ تَعَالَى: [يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم ((بِـ أَيْدِيهِمْ)) وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ ...]
قَالَ تَعَالَى: [مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ ((بِـ أَيْدِي)) سَفَرَةٍ ...]
قَالَ تَعَالَى: [أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي ((بِـ يَدِهِ)) عُقْدَةُ النِّكَاحِ..]
قَالَ تَعَالَى: [ لِمَا خَلَقْتُ ((بِـ يَدَيَّ)) ..]
وَمِنْ هُنَا جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى: [وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا ((بِـ أَيْـدٍ))....].
فَهَذَا التَّرْكِيبُ مَشْهُورٌ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى.
---------
2- يَسْتَدِلُّونَ عَلَى قَوْلِهِمْ بآيَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
[وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا ((الْأَيْدِ))..]
فَيَقُولُونَ فَرِحِينَ: هَا قَدْ جَاءَ ((الأَيْدُ)) الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ (آدَ) فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى !!
والجَوَابُ عَنْ زَعْمِهِمْ هَذَا: أَنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لأَنَّ اللَّفْظَ قَدْ وَقَعَ هُنَا أَيْضًا جَمْعَ (يَدٍ) وَلَيْسَ مَصْدَرَ (آدَ) كَمَا يَزْعُمُونَ، بِدَلِيلِ الآيَةِ الأُخْرَى:
[وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي ((الْأَيْــــــــدِي)) وَالْأَبْصَارِ]
وَالتَّشَابُهُ فِي الآيَتَيْنِ وَاضِحٌ:
((وَاذْكُرْ عَبْدَنا)) - ((وَاذْكُرْ عِبَادَنَا))
((ذَا الْأَيْدِ)) - ((أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ))
فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ((ذَا الْأَيْدِ)) هِيَ (جَمْعُ يَدٍ) أَيْضًا، وَحُذِفَتْ يَاؤُهُ للتَّخْفِيفِ، وَهَذَا مَشْهورٌ لُغَةً، وَلِذَلِكَ قَالَ الجوْهرِيُ:
[دوامى ((الأَيْدِ)) يخبطن السريحا؛ فَهُوَ لُغَةٌ لِبَعْضِ العَرَبِ، يَحْذِفُونَ اليَاءَ مِنَ الأَصْلِ مَعَ الأَلِفِ وَاللَّامِ، فَيَقُولُونَ فِي ((المُهْتَدِي)): ((المُهْتَدِ))]
انتهى كلام الجوهري.
وَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ اللُّغَةُ (بِحَذفِ اليَاءِ)، فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَمِنْ ذَلِكَ:
فِي سُورَةِ الكَهْفِ:
[مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ ((الْمُهْتَدِ))...]
وَجَاءَتْ أَيْضًا باليَاءِ، فِي الأعْرافِ:
[مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ ((الْمُهْتَدِي)).....]
وَمِنْهَا يَاءُ ((الجَوَارِي)) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
[وَمِنْ آيَاتِهِ ((الْجَوَارِ)) فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ]
وَمِنْهَا يَاءُ ((المُتَعَالِي)) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
[الْكَبِيرُ ((الْمُتَعَالِ))...]
_______________________