كلمة في معنى الكسب:
ضحكت وتعجبت من تحليل أحد المتعالمين حينما قال:
إن قوله تعالى: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} دليل على الكسب!
وادَّعى ذلك الواعظ: أن هذه الآية الكريمة تفحم القدرية والجبرية!
وقال ذلك المدَّعي: (إن في هذا أن محمداً لم يرم خلقاً حين رميت كسباً ولكن الله رمى خلقاً .. فيه إثبات الكسب للعبد وأنه ليس خالقاً) (!!)
يقول (محمداً) دون السيادة ودون أن يصلي عليه صلى الله عليه وآله وسلم!
وعلى كل؛ فنحن نجيب ونقول:
لو طالبنا هذا الإنسان عن معنى الكسب لعجز أن يبرز لنا معنى واضحاً له حسب تعريفات مشايخ الأشاعرة المعوَّل عليهم القائلين بالكسب بالمعنى الجبري الذي يقولونه! وهو:
(تعلق قدرة العبد الحادثة – التي لا تأثير لها أصلاً عندهم – بالفعل الذي يخلقه ويوجده الله تعالى)!!
ولوجد نفسه هذا المتعالم – إن حاور فاهماً للمسألة – مضطراً لإبراز معنى الكسب الصحيح الذي يقول به مشايخ الأشاعرة القائلين بالاختيار وأن فعل العبد يقع بقدرة العبد الحادثة كإمام الحرمين والشيخ العلامة الكوثري وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين!
فحزب السنوسي من الأشاعرة مصرّحون بتبني عقيدة الجبر في قولهم: (العبد مجبور في صورة مختار) وأحياناً يقولون: (في قالب مختار)!
ويقول السنوسي وشيعته: (يجب أن نعتقد أن الأفعال كلها لله) و(ليس في الوجود فعل لغيره تعالى فهو الفاعل لجميع الأفعال)!!
مع أن الله تعالى يثبت الفعل والعمل للعبد مئات المرات في القرآن الكريم!
{وافعلوا الخير} {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} {وما تفعلوا من خير يعلمه الله} {بما كانوا يصنعون} {وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير} .......
وقال سبحانه: {بما كانوا يكسبون} وقال: {بما كانوا يعملون} وكلاهما بمعنى واحد!
فهم فريقان! ومذهبان! وحزبان! وطريقان! ومسلكان!
قائلون بالاختيار ومجبرة!
مصيب ومخطىء!
والصواب في معنى الآية الكريمة دون تكلّفٍ فلسفي باطل هو:
(وما رميت) تلك الرمية البعيدة الخارقة (إذ رميت) لأن رميك يا سيد الخلق محدود (ولكن الله) هو الذي جعل رميتك خارقة فزاد عليها فكان هو الذي (رمى) أعين الكفار ووجوههم بإيصال التراب من قبضة النبي صلى الله عليه وآله إليها!
فالله تعالى أثبت الرمي لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله (إذ رميت) أي: لمَّا رميت!
وأثبت الرمي لنفسه وهو ما حصل في تلك الرمية من المعجزة الإلهية حيث وصلت الرمية أبعد من القدرة العادية لسيدنا رسول الله ووصلت إلى وجوههم جميعاً!
وأما القول بأنها من النبي كسباً ومن الله تعالى خلقاً فخرافة مضحكة!
وقد استعمل الكسب في القرآن وفي لغة العرب بمعنى (الفعل) و (العمل)!
قال إمام الحرمين رحمه الله تعالى في الرسالة النظامية (30-31):
[ ( الركن الأول ) في قدرة العبد وتأثيرها في مقدورها فنقول : قد تكرر عند كل حاظٍ بعقله مترق عن مراتب التقليد في قواعد التوحيد أن الرب تعالى مطالِب عباده بأعمالهم في حياتهم، وداعيهم إليها ومثيبهم ومعاقبهم عليها في مآلهم ، وتبيَّن بالنصوص التي لا تتعرض للتأويلات ، أنه أقدرهم على الوفاء بما طالبهم به ، ومكنهم من التوصل إلى امتثال الأمر ، والانكفاف عن مواقع
الزجر ، ولو ذَهَبْتُ أتلو الآي المتضمنة لهذه المعاني لطال المرام ، ولا حاجة لذلك مع قطع اللبيب المنصف به ، ومن نظر في كليات الشرائع وما فيها من الاستحثاث على المكرمات ..... ثم استراب في أن أفعال العباد واقعة على حسب إيثارهم واختيارهم واقتدارهم فهو مصاب في عقله أو مستمر على تقليده مصمم على جهله..].
وقال إمام الحرمين أيضاً رحمه الله تعالى أيضاً هناك:
[ومن زعم أنه لا أثر للقدرة الحادثة في مقدورها كما لا أثر للعلم في معلومه ، فوجه مطالبته العبد بأفعاله عنده كوجه مطالبته أن يثبت في نفسه ألواناً وإدراكات ، وهذا خروج عن حد الاعتدال إلى التزام الباطل والمحال ، وفيه إبطال الشرائع ، ورد ما جاء به النبيون عليهم الصلاة والسلام ، فإذن لزم المصير إلى أن القدرة الحادثة تؤثر في مقدورها، ........ ولا سبيل إلى المصير إلى وقوع فعل العبد بقدرته الحادثة والقدرة القديمة ، فإن الفعل الواحد يستحيل حدوثه بقادرين ، إذ الواحد لا ينقسم ، فإن وقع بقدرة الله تعالى استقلَّ بها وسقط أثر القدرة الحادثة ، ويستحيل أن يقع بعضه بقدرة الله تعالى فإن الفعل الواحد لا بعض له].
وبذلك القول في الاختيار ونبذ الجبر قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في آخر الأمر كما ذكر ذلك الإمام السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" (3/386) على عكس ما يقوله الجبرية من الأشاعرة المعترفين بالجبر!
وتجد تفصيل المسألة والخلاف بين المشايخ الأقدمين والعلماء في رسالتنا "نثر اللآلي والدرر في الكشف عن مسائل القضاء والقدر" والله الموفق.
وهو سبحانه أعلم وأحكم.
كلمة في معنى الكسب:
مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
-
- Posts: 902
- Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm
Return to “مسائل وقضايا التوحيد والإيمان”
Jump to
- القرآن الكريم وتفسيره
- ↳ تفسير آية أو آيات كريمة
- ↳ أبحاث في التفسير وعلوم القرآن الكريم
- الحديث النبوي الشريف وعلومه
- ↳ قواعد المصطلح وعلوم الحديث
- ↳ تخريج أحاديث وبيان مدى صحتها
- ↳ شرح الحديث
- ↳ التراجم والرجال: الصحابة والعلماء وغيرهم
- ↳ أحاديث العقائد
- العقائد والتوحيد والإيمان
- ↳ القواعد والأصول العقائدية
- ↳ مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
- ↳ أقوال لأئمة وعلماء ومشايخ في العقيدة ومدى صحتها عنهم
- ↳ قضايا ومسائل لغوية تتعلق بالعقائد
- ↳ الفرق والمذاهب وما يتعلق بها
- ↳ عرض عقائد المجسمة والمشبهة والرد عليها
- التاريخ والسيرة والتراجم
- ↳ السيرة النبوية
- ↳ قضايا تاريخية
- ↳ سير أعلام مرتبطة بالتاريخ والأحداث السياسية الغابرة
- ↳ معاوية والأمويون والعباسيون
- الفكر والمنهج والردود
- ↳ توجيهات وتصحيح لأفكار طلبة العلم والمنصفين من المشايخ
- ↳ الردود على المخالفين
- ↳ مناهضة الفكر التكفيري والرد على منهجهم وأفكارهم
- ↳ أسئلة وأجوبة عامة
- الفقه وأصوله
- ↳ القواعد الأصولية الفقهية
- ↳ مسائل فقهية عامة
- ↳ المذهب الحنفي
- ↳ المذهب المالكي
- ↳ المذهب الشافعي
- ↳ المذهب الحنبلي
- علوم اللغة العربية
- ↳ النحو والصرف
- ↳ مسائل لغوية ومعاني كلمات وعبارات
- الكتب الإلكترونية
- ↳ كتب العلامة المحدث الكوثري
- ↳ كتب السادة المحدثين الغماريين
- ↳ كتب السيد المحدث حسن السقاف
- ↳ كتب مجموعة من العلماء
- المرئيات
- ↳ العقيدة والتوحيد: شرح متن العقيدة والتوحيد