أقول أنا حسن بن علي السقاف:
يدّعي بعض الناس أن التأويل ينقسم إلى تأويل إجمالي وإلى تأويل تفصيلي... والذي أراه أن هذه فكرة موجودة ضمن نظريات في بعض كتب العقائد أو ضمن أقوال بعض العلماء وليس لها وجود أو قيمة في الواقع.
والموجود من الأقوال سواء صحت ام لم تصح إما التأويل وإما التظاهر بعدم التفسير وادعاء السكوت والإمرار، وهو في الواقع ليس إمراراً بل تفسير وزيادة وعدم سكوت بإثبات (صفة كذا) وهذا ابتداع! وكذلك مخالفة ما قعدوه من القواعد الباطلة!
والموجود بين أيدينا في الكتب والواقع هو: التأويل أي بيان المعنى، وهو ما ذهب إليه السلف من عهد الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وأتباعهم ومن خلفهم من العقلاء إلى زمننا هذا.
والبحث العلمي يفيد أن أغلب من نقل عنهم التفويض ـ إن لم نقل جميعهم ـ لم يثبت عنهم هذا التفويض، (أي أن الأسانيد إليهم في التفويض لا تثبت) بل ثبت عنهم التأويل كالسفيانين وغيرهما بأسانيد صحيحة وحسنة.
وهنا ننبه أن الحجة عندنا ليست أقوال الرجال وإنما العبرة بالدليل العقلي والنقلي.
وهنا نتساءل: لماذا أوّل ابن عباس وغيره من التابعين والسلف تأويلا تفصيلياً ؟
ولماذا أول أئمة المسلمين من جميع الفرق والمذاهب في كتب التفسير ـ إلا النزر القليل من أتباع المذهب الآخر الذين أثبتوا ما يسمونه الصفات ـ ؟
وما هو غاية ومآل من امتنع عن التأويل وأثبت الوجه والعينين واليدين والنزول والأصابع والكف والرِّجل بكسر الراء والقَدَم والساق والجنب والضحك وغيرها وادّعى بأنها صفات ؟
وحاول بعد ذلك أن يرضي الناس بأنها بلا كيف ولا تشبيه ولا تمثيل!
وهل المقصود بهذه الإضافات إثبات صفات أم أنها ألفاظ مضافة ضمن سياق يراد بها معان أخرى بانتظامها في الجمل والعبارات ؟
وهل المراد في مثل قوله تعالى (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) إثبات صفة اليدين للقرآن وصفة الخلف ؟
أم أن المراد بذلك (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) أو ما في معناه ؟
وهل يجوز أن ننقسم إلى فرقتين فرقة تقول بالتفويض في إثبات يدين للقرآن الكريم وفرقة تؤول وتبين بأن المراد الحفظ من التبديل والتحريف ؟
وما هو غاية من يُصرّ على إثبات مذهب التفويض لإقناع العامة بعدم خطأ أولئك القائلين بهذه الصفات التي لم يصرح القرآن والسنة والصحابة بأنها صفات لله تعالى ؟
إن سعي من يصر على التفويض (وهو المذهب الذي يروّج له الحنابلة وينسبونه للسلف) هو إخراج التائهين – المثبتين لهذه الألفاظ بأنها صفات – من لائحة الاتهام بالتجسيم والتشبيه وحمايتهم من ذلك بالسفسطة والهرطقة!
ومن أبدع الكلمات التي وقفت عليها في ذلك والتي تؤيد ما أذهب إليه: قول الحافظ أبو حيان والعلامة عداب الحمش.
أما أبو حيان فقد قال رحمه الله تعالى في تفسيره (البحر المحيط) (4/316 طبعة دار الفكر):
[وقال قوم منهم القاضي أبوبكر بن الطيب: هذه كلها صفات زائدة على الذات ثابتة لله تعالى من غير تشبيه ولا تحديد، وقال قوم منهم الشعبي وابن المسبب والثوري نؤمن بها ونقرُّ كما نصت ولا نُعَيّن تفسيرها ولا يسبق النظر فيه. وهذان القولان حديث مَنْ لم يمعن النظر في لسان العرب].
وهذا مما ينبغي أن يكتب بالذَّهَب.
وأما العلامة عداب الحمش فقال:
[اﻹثبات: تجسيم، حتى لو قرنته بالبلكفة.
والتفويض: جهل، فليس في القرآن العظيم شيء ﻻ يفهم، بوجه يرد المتشابه إلى المحكم.
والتأويل في ضوء السياق والسباق والعقل: هو الذي يتعين المصير إليه.
فليس لله تعالى يد وﻻ رِجل وﻻ قدم وﻻ ساق.
والله تعالى ﻻ يضحك وﻻ يتبشبش وﻻ يهرول وﻻ يركض.
وليس في الروايات الحديثية حديث واحد يصلح ﻷن تثبت به عقيدة.
بمعزل عمن يقول بهذا أو ذاك.
واﻷمة كانت كلها مجسمة؛ ﻷن التجسيم متساوق مع البداوة.
باستثناء ما ينقل عن اﻹمام علي وتلميذه ابن عباس، وكلام يسير ﻻ يكون ظاهرة عن غيرهما.
وكل التقدير لشيخنا الجليل محمود سعيد وللسيد حسن السقاف].
وكلامه هذا جزاه الله خيراً مما أعجز والله عن صياغة مثله بما قلَّ ودل!
هذه رؤوس أقلام في الموضوع نريد فيها نقاشاً علمياً هادفاً مؤدباً يخرج منه كل من تطاول وخرج عن هذه الحدود، وسنطرحه فيما بعد موسعا إن شاء الله تعالى!
يدّعي بعض الناس أن التأويل ينقسم إلى تأويل إجمالي وإلى تأويل تفصيلي
-
- مشاركات: 777
- اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm