نقل ابن عبد البر عن السلف الإجماع على اعتقاد الصفات على حقيقتها وظاهرها وهو أمر مردود وباطل:

عرض عقائد المجسمة والمشبهة والرد عليها
Post Reply
cisayman3
Posts: 300
Joined: Sat Nov 11, 2023 8:00 pm

نقل ابن عبد البر عن السلف الإجماع على اعتقاد الصفات على حقيقتها وظاهرها وهو أمر مردود وباطل:

Post by cisayman3 »

قول الحافظ ابن عبد البر في الصفات مردود مع أنه مضطرب في ذلك
قال ابن عبد البر في التمهيد 7/144 بعد أن ذكر حديث النزول:
[وقال آخرون ينزل بذاته،.. قال سمعت نُعَيم بن حماد يقول: حديث النزول يرد على الجهمية قولهم. قال: وقال نُعيم: ينزل بذاته وهو على كرسيه.
قال أبو عمر:
ليس هذا بشيء عند أهل الفهم من أهل السنة، لأن هذا كيفية وهم يفزعون منها لأنها لا تصلح إلا فيما يحاط به عياناً، وقد جل الله وتعالى عن ذلك وما غاب عن العيون فلا يصفه ذوو العقول إلا بخبر ولا خبر في صفات الله إلا ما وصف نفسه به في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فلا نتعدى ذلك إلى تشبيه أو قياس أو تمثيل أو تنظير فإنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
قال أبو عمر:
أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد لله].
أقول: الكارثة هنا في قول ابن عبد البر: هو قوله (أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز).
وابن عبد البر له أقوال ممتازة وجميلة وتوافق الحق وموقفه من آل البيت ممتاز جداً، لكن هذا القول الذي قاله هنا باطل مردود ومنقوض كما سنبين إن شاء الله تعالى.
والجواب على هذا الذي قاله ابن عبد البر من أوجه:
أولاً: أن هناك من نقل الإجماع على عكس هذا الإجماع الذي نقله ابن عبد البر!
ويكفي في دحض هذا الإجماع الباطل:
قول النووي في شرح صحيح مسلم (5/24):
[قال القاضي عياض (ت544هـ): لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى { ءَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ}، ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم].
ثانياً: قال الحافظ ابن الجوزي في ((صيد الخاطر)) ص (61):
[عجبتُ من أقوامٍ يدَّعون العلمَ! ويميلون إلى التشبيه بحملهم الأحاديث على ظواهرها،.... ولقد عجبتُ لرجلٍ أندلسيٍّ يُقال له ابن عبد البر صنَّف كتاب التمهيد فذكر فيه حديث النزول إلى السماء الدنيا فقال: (هذا يدل على أن الله تعالى على العرش لأنه لولا ذلك لما كان لقوله ينزل معنى)، وهذا كلام جاهل بمعرفة الله عز وجل، لأن هذا استسلف من حسه ما يعرفه من نزول الأجسام فقاس صفة الحق عليه! فأين هؤلاء واتِّباع الأثر ؟ ولقد تكلَّموا بأقبح ما يتكلَّم به المتأولون، ثم عابوا المتكلمين].
ثالثاً: أن علماء الحديث من أهل السنة اعتبروا من يقول بظاهرها وحقيقتها من المجسمة:
قال ابن حجر في ((فتح الباري)) (3/30) عند شرح حديث النزول:
[وقد اختلف في معنى النزول على أقوال: فمنهم مَنْ حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة تعالى الله عن قولهم].
وقال الذهبي في ((السير)) (19/582) إن ابن عساكر قال عن الحافظ العبدري: (كان سيء الاعتقاد يعتقد من أحاديث الصفات ظاهرها). ولأجل ذلك وصفه الذهبي بالتجسيم هناك في أول ترجمته ص (579) إذ قال: (وكان من بحور العلم، لولا تجسيم فيه).
وأعجبني قول الذهبي في ترجمة ابن قتيبة في ((سير أعلام النبلاء)) (13/298):
[وقال أبو بكر البيهقي: كان ـ ابن قتيبة ـ يرى رأي الكرامية ونقل صاحب مرآة الزمان بلا إسناد عن الدارقطني أنه قال: كان ابن قتيبة يميل إلى التشبيه، قلت: هذا لم يصح وإن صح عنه فسحقاً له فما في الدين محاباة].
وقال الذهبي في ترجمة الحافظ العبدري في سير النبلاء (19/583) وكان قد رُمِيَ بالتجسيم والتشبيه: [قلت: ما ثبت عنه ما قيل من التشبيه وإن صح فَبُعْدَاً له وسحقاً].
وبذلك يكون الآخذ بظواهر النصوص وحقيقتها لا مجازها مجسماً مشبهاً.
وقال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله تعالى عن مجسمة الحنابلة ص (100):
[وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات، فسموها بالصفات تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى ولا إلى إلغاء ما يوجبه الظاهر من سمات الحدوث، ولم يقنعوا بأنْ يقولوا صفة فعل، حتى قالوا صفة ذات، ثم لـمّا أثبتوا أنها صفات ذات قالوا: لا نحملها على توجيه اللغة مثل يد على نعمة وقدرة، ومجيء وإتيان على معنى بِرٍّ ولطف، وساق على شدة، بل قالوا: نحملها على ظواهرها المتعارفة والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين، والشيء إنما يحمل على حقيقته إذا أمكن، ثم يتحرّجون من التشبيه ويأنفون من إضافته إليهم ويقولون: نحن أهل السنة، وكلامهم صريح في التشبيه وقد تبعهم خلق من العوامَّ.. فلو أنكم قلتم: نقرأ الأحاديث ونسكت، ما أنكر عليكم أحد، إنما حَمْلكم إيّاها على الظاهر قبيح.. فقد ابتدع من سمى المضاف صفة.. قالوا: إن هذه الأحاديث من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله تعالى. ثم قالوا: نحملها على ظواهرها، فواعجباً!! ما لا يعلمه إلا الله أيُّ ظاهرٍ له.. ؟! فهل ظاهر الاستواء إلا القعود، وظاهر النزول إلا الانتقال..].
وقد قال ابن الجوزي (في دفع الشبه ص 102) عائباً على مجسمة الحنابلة:
[قالوا: إن هذه الأحاديث من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله تعالى. ثم قالوا: نحملها على ظواهرها، فواعجباً!! ما لا يعلمه إلا الله أيُّ ظاهرٍ له.. ؟! فهل ظاهر الاستواء إلا القعود، وظاهر النزول إلا الانتقال..]، وقال ص (102): [ثم قلتم في الأحاديث، تُحمل على ظاهرها، وظاهر القَدَم الجارحة].
رابعاً: السلف وأهل القرون الثلاثة ومن ينقلون عنهم التفويض والإمرار وعدم التفسير أولوا آيات وأحاديث الصفات، وقد عقدنا لذلك فصلً خاصاً في شرح الجوهرة يقارب (150) صحيفة أنقل لحضراتكم كلمات منه:
روى ابن جرير في تفسيره (13/27/94) في تأويل { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } قال: [وذُكر عن سفيان في تأويل ذلك، ما حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مِهْران، عن سفيان، في قوله (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا) يقول: بأمرنا]. وإسناده حسن.
وقال البيهقي في الأسماء والصفات ص (462) في تأويل حديث (آخر وطأة وطأها الرحمن بوج): [قال أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي: معناه عند أهل النظر: أن آخر ما أوقع الله سبحانه وتعالى بالمشركين بالطائف، وكان آخر غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل فيها العدو، ووج واد بالطائف. قال: وكان سفيان بن عيينة رضي الله عنه يذهب في تأويل هذا الحديث إلى ما ذكرناه].
سفيان الثوري: جاء عن سفيان الثوري أنه أوَّل المعية المذكورة في قوله تعالى { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}، بالعلم، واحتج بذلك ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (4/181). وقد ذكره البخاري في ((خلق أفعال العباد)) ص (32)، ورواه عبدالله بن أحمد في كتابه ((السنة)) (1/307) والآجُرِّي في ((الشريعة)) (3/1078). فهذا تأويل واضح.
وروى ابن جرير في تفسيره (13/27/8) بسند حسن عن سفيان الثوري أنه أوَّل قوله تعالى: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ }، قال: ((بقوَّة)).
وروى ابن أبي حاتم في تفسيره (11/382) بسند صحيح عن سفيان الثوري أنه أوَّل قوله تعالى { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ }، قال: ((كل شيء هالك إلا ما ابتغي به وجهه من الأعمال الصالحة)).
وقد نقل الحافظ ابن حجر أيضاً في فتح الباري (7/124) أن الإمام مالكاً أنكر أيضاً حديث اهتزاز العرش بموت سعد بن معاذ ونهى عن التحديث به.
وفي سير أعلام النبلاء (8/103): [قال ابن القاسم: سألتُ مالكاً عمَّن حدَّث بالحديث، الذين قالوا: (إنَّ الله خلق آدم على صورته) والحديث الذي جاء: (إنَّ الله يكشف عن ساقه) (وأنه يُدخل يده في جهنم حتى يُخْرِجَ مَنْ أراد) فأنكر مالك ذلك إنكاراً شديداً، ونهى أن يحدث بها أحد، فقيل له: إنَّ ناساً من أهل العلم يتحدّثون به، فقال: من هو ؟ قيل: ابن عجلان عن أبي الزناد، قال: لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء، ولم يكن عالماً. وذكر أبا الزناد فقال: لم يزل عاملاً لهؤلاء حتى مات] انتهى.
وزاد العقيلي على هـــذه العبارة في الضعفاء (2/251): (وكان صاحب عمَّال يتبعهم).
أي أنَّ أبا الزناد كان صاحب عامل بني أمية على المدينة وكان تابعاً للأمويين في نشرهم أحاديث التشبيه هذه!!
وأما الأوزاعي: فقال النووي في شرح مسلم (6/36) عن بعض أحاديث الصفات: [مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي أنها تتأوَّل على ما يليق بها بحسب مواطنها].
وأبو عبيد القاسم بن سلام كان من تلاميذ أبو عبيدة معمر بن المثنى (110هـ ـ209هـ) صاحب كتاب ((مجاز القرآن)) الذي أوَّل فيه { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ}، بالشدة، وأوَّل فيه { يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ }، بثواب الله تعالى.
فكيف يقول أبو عبيد فيما يروى عنه ولا يثبت: (لا نفسر هذا ولا سمعنا أحداً يُفَسِّرُه) ؟! وهذا يثبت لنا أن المروي عن أبي عبيد كذب مفترى.
وأما رواية وكيع عن سفيان الثوري عن شيوخهم في التأويل: فقال الحافظ ابن جرير في تفسيره (14/29/192):
[قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }، قال: تنتظر الثواب من ربها]. وإسناده صحيح، وهو مروي هناك بأسانيد عديدة.
وروى ابن جرير في تفسيره (2/536) قال: [حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن النضر بن عربي، عن مجاهد: { فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } قال: قبلة الله]. ورجاله ثقات أثبات.
وأما إسماعيل بن أبي خالد: فقال ابن جرير في تفسيره (14/29/193):
[حدثني أبو الخطاب الحساني، قال: ثنا مالك، عن سفيان، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } قال: تنتظر الثواب]. وإسناده صحيح.
وكل هذا عند أصحاب التفويض وعدم التفسير من أقوال الجهمية.
وأما مسعر بن كدام: فروى ابن جرير في تفسيره (20/99) قال:
[حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن مسعر وسفيان، عن قيس بن مسلم، عن إبراهيم، قال: { لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ } قال: لدين الله].
وذكر البخاري في صحيحه (فتح الباري 8/199) أن سعيد بن جبير قال: (إن كرسيه علمه).
وأما ما روي عن الأوزاعي في ذلك مما قد يفيد التفويض والإمرار والتجسيم فباطل:
قال البيهقي في ((الأسماء والصفات)) ص (408): [وقال أبو عبدالله الحاكم: أخبرني محمد بن علي الجوهري ببغداد، ثنا إبراهيم ابن الهيثم البلدي، ثنا محمد بن كثير المصيصي قال: سمعت الأوزاعي يقول: كنَّا والتابعون متوافرون نقول: إنَّ الله فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة مـن صفاتـه].
أقول: لا يثبت هذا عن الأوزاعي بل هو محض افتراء. لأن في إسناده محمد ابن كثير المصيصي وقد ضعَّفه أحمد جداً كما في (الجرح والتعديل) (8/69). وجاء في ترجمته في الكامل لابن عدي أنَّ أحمد قال: (هـــو منكر الحديث)، وقــال: (يروي أشياء منكرة)، وقال: ابن عدي: (له روايات عن معمر والأوزاعي خاصة أحاديث عداد مما لا يتابعه أحد عليه). وقال أحمد أيضاً: ليس بشيء يحدّث بأحاديث مناكير ليس لها أصل. وقال البخاري: ليِّنٌ جداً. ووثَّقه بعضهم. انظر ترجمته في (تهذيب الكمال) (26/331).
والراوي عنه إبراهيم بن الهيثم البلدي، قال العقيلي في الضعفاء (1/274): (حدَّث بحديث كذبه فيه الناس وواجهوه به).
فأنى تقوم لمثل هذه المقولات قائمة! وابن تيميه يقول عن هذا النص في العقيدة الحموية ص (27) ((بإسناد صحيح))! وهو مكذوب موضوع!
هذه بعض تأويلات للسلف وكلها تثبت أنهم أولوا وفسروا في آيات وأحاديث الصفات وهي تهدم ذلك الإجماع الذي نقله ابن عبد البر!
والألباني عندما كان ينقل له بعض الناس الإجماع يقول: قال أحمد: (مَن ادَّعى الإجماع فهو كاذب)!
وأختم قائلاً: يا ليت بعض طلبة العلم المتفرغين يجمعوا لنا جميع تأويلات السلف لآيات وأحاديث الصفات لتكون مقابل كتب المجسمة المشبهة الذين ينقلون لنا عن السلف الأخذ بظواهر النصوص أي بالحقيقة دون المجاز ويقولون (هي على الحقيقة)!
والله المعين والهادي.

_________(تعليقات مفيدة)__________
نعم لابن عبد البر تأويلات ولكنه هنا أخطأ، إن ثبت هذا عنه!
والعجيب أن الحافظ ابن حجر نقل كلامه هذا الذي ذكرناه في المقال في فتح الباري، وليس فيه هذه الجملة المستنكرة (وحملها على الحقيقة لا على المجاز)، فلا أدري هل أسقطها الحافظ ابن حجر ؟ أم أراد أن يخفف كلام ابن عبد البر ؟!
وقد نقل ابن عبد البر بعد ذلك عن مالك ابن أنس أمامه كلاماً يفيد التأويل والمنع من رواية أحاديث الصفات.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/407):
[وقال ابن عبد البر: أهل السنة مجمعون على الإقرار بهذه الصفات الواردة في الكتاب والسنة، ولم يكيفوا شيئاً منها، وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج فقالوا من أقرَّ بها فهو مشبه فسماهم من أقرَّ بها معطلة].
فلم يذكر جملة: (وحملها على الحقيقة لا على المجاز)!!

________________________________
Post Reply

Return to “عرض عقائد المجسمة والمشبهة والرد عليها”