الرد على من زعم أن العطف يقتضي المغايرة:

قضايا ومسائل لغوية تتعلق بالعقائد
أضف رد جديد
عود الخيزران
مشاركات: 777
اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm

الرد على من زعم أن العطف يقتضي المغايرة:

مشاركة بواسطة عود الخيزران »

الرد على من زعم أن العطف يقتضي المغايرة:

قال الدكتور نذير العطاونة في كتابه: ( القواعد اللغوية المبتدَعة):
المسألة الثانية :
في ادعائهم أن العطف يقتضي التغاير !!


وفي أثناء الجدل في مسألة خلق القرآن ، وسعي القائلين بقدم القرآن للبحث عن أي دليل يؤيدهم استدلوا بقول الله تعالى : { ألا له الخلق والأمر } (الأعراف/54) ، وقالوا إن وجود العطف ما بين الخلق والأمر يقتضي التغاير بينهما فالخلق غير الأمر ، وقالوا أن الأمر هو كلام الله أي القرآن الكريم ، فثبت في تصورهم المغلوط أن القرآن قديم غير مخلوق .
وهذا توهم فاسد مبني على القاعدة المغلوطة : أن العطف يقتضي التغاير ، فكل من استدل بهذه الآية الكريمة فهو واقع في وهم هذه القاعدة المزعومة ، وذهب إلى القول بهذه القاعدة الأشعري في كتاب (( الإبانة )) ، وقال البيهقي في (( الاعتقاد والهداية )) ص(192) : [ ففرق بين خلقه وأمره بالواو الذي هو حرف الفصل بين الشيئين المتغايرين ، فدل على أن قوله غير خلقه ] ، وابن تيمية الذي يقول في (( الفتاوى الكبرى )) (5/164) ناقلاً قول أبي عبد الله ما نصه : [ وقال : { ألا له الخلق والأمر } ، فأخبر أن الخلق خلق والخلق غير الأمر وأن الأمر غير الخلق وهو كلامه ] ، وأيضاً ابن القيم في (( بدائع الفوائد )) (1/198) : [ وأحسن منه أن يقال لما كانت هذه الألفاظ دالة على معاني متباينة وأن الكمال في الاتصاف بها على تباينها أتى بحرف العطف الدال على التغاير بين المعطوفات ] .
قلت : إن العطف بحرف الواو لا يلزم منه تغاير المعطوف والمعطوف عليه مطلقاً فيجوز أن يكون المعطوف بعضاً مما قبله وجزءاً منه بل ويجوز أحياناً أن يكون اللفظ المعطوف هو نفس المعطوف عليه مطابقاً له من غير وجود أي تغاير ، لأن مجرد الفصل لا يدل على اختلاف الجنسين .

ومما يدل على فساد هذه القاعدة وبطلانها أمور :
1) قوله تعالى : { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح }(الأحزاب/7) ، فسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك سيدنا نوح عليه سلام الله من الأنبياء والعطف هنا لم يفد التغاير ولا يُفهم منه الاختلاف والتفريق .
2) وقوله تعالى : {من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين } ، وسيدنا جبريل وميكال من الملائكة كما هو معلوم .
3) وقوله تعالى : { فيها فاكهة ونخل ورمان }(الرحمن/68) ، والنخل والرمان من أشرف الفاكهة.
4) وقوله تعالى : { حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى } (البقرة/238) ، والصلاة الوسطى على اختلاف الأقوال فيها إلا أنها جزء من الصلاة عموماً .
5) وقوله تعالى : { ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم } (الحجر/87) ، وقد اختلف في معنى المثاني على أقوال عدة فمنهم من ذهب إلى أنها سورة الفاتحة وآخرون إلى السبع الطوال وفريق بأن المراد بها القرآن كله وكل ذلك مبسوط في كتب التفسير ، وعلى أي قول ومعنى كان فالمثاني من القرآن العظيم وليست شيئاً غيره مختلفاً عنه ، وهنا الشاهد .

6) وقوله تعالى : { إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله ءابائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون }(البقرة/133) ، وبلا ريب ولا شك نقول أن الإله الذي عبده سيدنا يعقوب عليه السلام هو ذاته جل وعلا الذي عبده آباؤه الأنبياء عليهم سلام الله ولا مجال للقول بأي تغاير ههنا .
7) قال أبو حيان في (( تفسيره )) : [ وإنما كرر لفظ ( وإله ) ، لأنه لا يصح العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة جاره إلا في الشعر أو على مذهب من يرى ذلك وهو عنده قليل ، فلو كان المعطوف عليه ظاهراً لكان حذف الجار إذا كان اسماً أولى من إثباته ، لما يوهم إثباته من المغايرة فإن حذفه يدل على الاتحاد ] .

8) وقال الشاعر:
9) وقَدَّمَتِ الأَدِيمَ لِرَاهَشْيه وأَلْفَى قوْلَها كَذِباً ومَيْنَا

والكذب والمين شيء واحد ، ومع ذلك فقد عطف الشاعر أحدهما على الآخر للتأكيد .
قال الإمام السيوطي في (( الأشباه والنظائر في النحو )) (2/125) : [ عَطْف الشيء على مرادفه ، نحو ( وألفى قولها كذباً وميناً ) ] .
وقال ابن الجواليقي في (( شرح أدب الكاتب )) : [ وهم إذا أرادوا توكيد الكلمة بلفظها أتوا بلفظة في معناها من غير لفظها كما قال :
وألفى قولها كذباً وميناً
والمين : الكذب ، فيكون أحسن من تكرارها بلفظها ] .
وقال القزويني في (( الإيضاح في علوم البلاغة )) ص (171) عند ذكره هذا البيت : [فإن الكذب والمين واحد ] .

أضف رد جديد

العودة إلى ”قضايا ومسائل لغوية تتعلق بالعقائد“