إبطال القول بأن الاسم هو عين المسمى:

قضايا ومسائل لغوية تتعلق بالعقائد
أضف رد جديد
عود الخيزران
مشاركات: 777
اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm

إبطال القول بأن الاسم هو عين المسمى:

مشاركة بواسطة عود الخيزران »

إبطال القول بأن الاسم هو عين المسمى:

قال الدكتور نذير العطاونة في كتابه: ( القواعد اللغوية المبتدَعة):
المسألة السابعة عشرة :
في إبطال زعمهم أن الاسم هو المسمى


قال الأشعري في كتاب (( الإبانة )) (ص77) : [ وأن من زعم أن اسم الله غيره كان ضالاً ] ، فزعم بهذه القاعدة ضلال من خالفه ، وكان الأشعري قد أسس لهذه المقولة منطلقاً من فكرة سابقة مفادها أن أسماء الله تعالى قديمة ، وليتوصل بها للقول بقدم القرآن ، وليردّ على مخالفيه الذين يرون أن كل ما سوى الله فهو حادث مخلوق ويرفضون القول بتعدد القدماء .
وقبل البدء بعرض أدلة الخصمين لا بد لنا أن نشير أن كثيراً من أهل العلم يرى البحث في هذه المسألة لغواً وفضولاً لا فائدة فيه ، ولكن إن علمنا الأثر العقائدي المترتب على هذا البحث وحِدّة الأحكام التي أطلقها البعض ( كالتضليل والتبديع ) كان لا بد لنا أن نبين الأمر ونوضحه ، مع تأييدنا للقول أن مجرد الخلاف اللغوي فيه كان لا يجب أن يقود أصحابه إلى نزاع وشقاق عقائدي ، والمهونون لأمر هذه المسألة إنما أرادوا التهوين من الأثر والحكم المترتب على القائل بأي القولين دون التزام ما يترتب عليه من جعل القائل به من أهل الحق أو من أهل الباطل .
وقد تبع جمهور الأشاعرة الأشعري في أن الاسم هو عين المسمى وخالف في ذلك الإمامان الرازي والغزالي، وكذا الماتريدية ، حتى عدّت هذه المسألة من مسائل الخلاف فيما بينهم ، وقد أُلّف في هذه المسألة مصنفات عدة ، منها :
1) رسالة (( فتح العين عن الاسم غير أم عين )) ، لمؤلفها ابن الحنبلي.
2) (( مقالة في الاسم والمسمى )) ، لابن الطروة (ت 528 هـ).
3) رسالة (( الاسم والمسمى )) ، لابن السيد البطليوسي (ت 521 هـ) .
وقد لخص ابن حزم شبه القائلين بأن الاسم هو عين المسمى في كتابه (( الفصل في الملل والأهواء والنحل )) (5/19) ومن الأفضل هنا أن نوضح كلام المخالفين من مصادره ونعلق عليه فنفصّل شبه القوم ونحرر الكلام على كل شبهة ، فنقول :
الشبهة الأولى : قال الباقلاني في (( تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل )) (ص260) : [ يدل على ذلك أيضا قول الله سبحانه : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه }(الأنعام/121) ، أي مما لم يذكر الله عليه ، كذلك قوله : {سبح اسم ربك الأعلى }(الأعلى/1) ، أي سبح ربك الأعلى ، ولا حاجة بنا إلى حمل ذلك على أنه أريد به : سبح باسم ربك ، لأنه قد يجوز أن يسبح باسم ربه ويجوز أن يسبح ربه الذي هو الله نفسه ، وكذلك قوله سبحانه : { تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام }(الرحمن/78) ، لأن من له الجلال والإكرام والإنعام هو الله تعالى ] .
والجواب على ذلك أن نقول أن اسم الله في الآية الأولى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } هو الاسم بمعنى اللفظ ، ودليل ذلك تقييده بالذكر ، ففي
(( لسان العرب )) (4/308) : [ والذِّكْرُ : جَرْيُ الشيء علـى لسانك ] وقد فهم المفسرون ذلك فراحوا ينقلون في تفسير هذه الآية الأقوال في حكم تارك التسمية على المذبوح.
وأما قوله تعالى : {سبح اسم ربك الأعلى } وزعمهم أنه : لو كان الاسم غير المسمى ، لكان الله آمراً أن يُسبّح ويُعظّم غيره !! فزعم لا تقوم به حجة ، وقد أوضح معنى الآية الإمام الرازي في (( لوامع البينات )) (ص26) قائلاً : [ فقد ذكروا في تفسير تسبيح أسماء الله وجوهاً . الأول : المراد منه نزه اسم ربك عن أن تجعله اسماً لغيره ، فيكون ذلك نهياً أن يُدعى غير الله تعالى باسم من أسماء الله ، فإن المشركين كانوا يسمون الصنم باللات ، ومسيلمة برحمان اليمامة ، وكانوا يسمون أوثانهم آلهة ، قال الله تعالى : { أجعل الآلهة إلهاً واحداً }(ص/5) . والثاني : أن المراد بتسبيح أسمائه أن لا تُفسر تلك الأسماء بما لا يصح ثبوته في حق الله سبحانه وتعالى نحو أن يفسر قوله تعالى : {سبح اسم ربك الأعلى } بالعلو المكاني ، ويفسر قوله : { الرحمن على العرش استوى}(طه/5) بالاستقرار ، بل يفسر العلو بالقهر والاقتدار وكذا الستواء يفسر بذلك . الثالث : أن تُصان أسماء اله تعالى عن الابتذال والذكر لا على وجه التعظيم ] .
قلت : وقد يراد بالآية : مجّد الله وعظمه باستخدام اسمه ، كما في قوله تعالى : { فسبح باسم ربك العظيم }(الواقعة/74) ، قال الطبري في (( تفسيره )) [ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فسبح يا محمد بذكر ربك العظيم وتسميته ] ، وتكون هذه الآية مفسرة لتلك ، ويكون حرف الباء محذوفاً على ما عرف في الاستعمال العربي من حذف حروف الجر ، على معنى أن قوله : { سبح اسم } يُراد به : { سبح باسم } .
وأما قول الله تعالى : {تبارك اسم ربك} ، فلا مانع من القول أن أسماءه تعالى مباركة ، وادعى الأشعري امتناع ذلك زاعماً أنه لا يُقال لمخلوق تبارك، وكلامه لا دليل له عليه .
[ فرع مهم ] : احتج أهل أهل العلم وعلى رأسهم أهل اللغة بهذه الآيات على أن الاسم غير المسمى ، فقد قال ابن جني في (( الخصائص )) (3/24) : [ ( باب في إضافة الاسم إلى المسمى والمسمى إلى الاسم ) هذا موضع كان يعتاده أبو علي رحمه الله كثيراً ويألفه ويأنق له ويرتاح لاستعماله ، وفيه دليل نحوي غير مدفوع يدل على فساد قول من ذهب إلى أن الاسم هو المسمى ولو كان إياه لم تجز إضافة واحد منهما إلى صاحبه ، لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه ، فإن قيل : ولِم لَمْ يضف الشيء إلى نفسه ؟ قيل : لأن الغرض في الإضافة إنما هو التعريف والتخصيص ، والشيء إنما يعرفه غيره ، لأنه لو كانت نفسه تعرفه لما احتاج أبداً أن يعرف بغيره لأن نفسه في حالي تعريفه وتنكيره واحدة وموجودة غير مفتقدة ، ولو كانت نفسه هي المعرفة له أيضاً لما احتاج إلى إضافته إليها لأنه ليس فيها إلا ما فيه ، فكان يلزم الاكتفاء به عن إضافته إليها ] .
وقال الزمخشري في (( المفصل في صنعة الإعراب )) باب ( امتناع إضافة الشيء إلى نفسه ) ما نصه : [ والذي أبوه من إضافة الشيء إلى نفسه أن تأخذ الاسمين المعلقين على عين أو معنى واحد كالليث والأسد ، وزيد وأبي عبد الله ، والحبس والمنع ونظائرهن ، فتضيف أحدهما إلى الآخر ، فذلك بمكان من الإحالة ] .
الشبهة الثانية : قال الباقلاني في (( التمهيد )) (ص260) : [ قول الله تعالى : { ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان }(يوسف/40) ، فأخبر أنهم يعبدون أسماء ، وهم إنما عبدوا الأشخاص دون الكلام والقول الذي هو التسمية فدل ذلك على أن الاسم الذي ذكره هو نفس المسمى ] .
والجواب على ذلك : أن المراد أصحاب الأسماء ، وقد حذف المضاف ( أصحاب ) ، وهذا من المجاز المعروف ، قال الشيخ عبد الله الفيضي في (( المرقاة شرح العلاقات )) :
والحذف للمضاف شاع واشتهر نحو اسـأل القرية في أهـل الأثر
ثم قال بعد ذلك شارحاً : [ أي بأن يحذف المضاف ويقوم المضاف إليه
مقامه ، فإنه قد ( شاع ) هذا الحذف بين النحاة ( واشتهر ) عند البيانيين أيضاً ، وذلك ( نحو ) أي مثل قوله تعالى : { وسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا منها }(يوسف/82) ] .
وقد اعتبر الرازي هذه الآية دليلاً لمن قال أن الاسم غير المسمى فقال في (( لوامع البنات )) (ص28) قائلاً : [إن الآية تدل على أن اسم الإله كان حاصلاً في حق الأصنام ، ومسمى الإله ما كان حاصلاً في حقهم ، وهذا يوجب المغايرة بين الاسم والمسمى ويدل على أن الاسم غير المسمى . ثم نقول : المراد بالآية أن تسمية الصنم بالإله كان اسماً بلا مسمى كمن يسمي نفسه باسم السلطان وكان في غاية القلة والذلة ، فإنه يقال : إنه ليس له من السلطنة إلا الاسم ، فكذا هنا ] .

الشبهة الثالثة : احتجوا بقول لبيد:
إِلى الحَولِ ثُمَّ اِسمُ السَلامِ عَلَيكُما وَمَن يَبكِ حَولاً كامِلاً فَقَدِ اِعتَذَر
قالوا : وإنما أراد باسم السلام : السلام نفسه.
وجوابه : بما أجاب الإمام الطبري في (( تفسيره )) (1/52) : [ فإن قال قائل : فما أنت قائل في بيت لبيد بن ربيعة :
إِلى الحَولِ ثُمَّ اِسمُ السَلامِ عَلَيكُما وَمَن يَبكِ حَولاً كامِلاً فَقَدِ اِعتَذَر
فقد تأوله مقدم في العلم بلغة العرب أنه معني به : ( ثم السلام عليكما ) ، وأن ( اسم السلام ) هو السلام ، قيل له : لو جاز ذلك وصح تأويله فيه على ما تأول لجاز أن يقال : رأيت اسم زيد ، وأكلت اسم الطعام ، وشربت اسم الشراب ، وفي إجماع جميع العرب على إحالة ذلك ما يُنبيء عن فساد تأويل من تأول قول لبيد : ( ثم اسم السلام عليكما ) أنه أراد ( ثم السلام عليكما ) وادعائه أن إدخال الاسم في ذلك وإضافته إلى السلام إنما جاز إذ كان اسم المسمى هو المسمى بعينه .
ويُسأل القائلون قولَ من حكينا قولَه هذا ، فيقال لهم : أتستجيزون في العربية أن يقال : أكلت اسم العسل يعني بذلك : أكلت العسل ، كما جاز عندكم : اسم السلام عليك ، وأنتم تريدون : السلام عليك ، فإن قالوا : نعم خرجوا من لسان العرب وأجازوا في لغتها ما تخطئه جميع العرب في لغتها ، وإن قالوا : لا ، سُئلوا الفرق بينهما ، فلن يقولوا في أحدهما قولاً إلا ألزموا في الآخَر مثله ، فإن قال لنا قائل : فما معنى قول لبيد هذا عندك ؟
قيل له : يحتمل ذلك وجهين ، كلاهما غير الذي قاله من حكينا قوله .
أحدهما : أن السلام اسم من أسماء الله ، فجائز أن يكون لبيد عنى بقوله : ( ثم اسم السلام عليكما ) ثم الزما اسم الله وذكره بعد ذلك ، ودعا ذكري والبكاء عليّ ، على وجه الإغراء . فرفع الاسم إذ أخّر الحرف الذي يأتي بمعنى الإغراء ، وقد تفعل العرب ذلك إذا أخرت الإغراء وقدمت المُغْرَى به ، وإن كانت قد تنصب به وهو مؤخَّر ، ومن ذلك قول الشاعر:
يا أيها المائح دلوي دونكا إني رأيت الناس يحمدونكا
فأغرى بـ ( دونك ) وهي مؤخرة ، وإنما معناه : دونك دلوي، فكذلك قول لبيد :
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
يعني : عليكما اسم السلام ، أي الزما ذكر الله ودعا ذكري والوجد بي ، لأن من بكى حولاً على امرىء ميت فقد اعتذر ، فهذا أحد وجهيه .
والوجه الآخر منهما : ثم تسميتي الله عليكما ، كما يقول القائل للشيء يراه فيعجبه : اسم الله عليك ، يعوذه بذلك من السوء ، فكأنه قال : ثم اسم الله عليكما من السوء ، وكأن الوجه الأول أشبه المعنيين بقول لبيد .
ويقال لمن وجه بيت لبيد هذا إلى أن معناه ( ثم السلام عليكما ) : أترى ما قلنا من هذين الوجهين جائزاً أو أحدهما ، أو غير ما قلت فيه ؟ فإن قال : لا ، أبان مقداره من العلم بتصاريف وجوه كلام العرب وأغنى خصمه عن مناظرته ، وإن قال : بلى ، قيل له : فما برهانك على صحة ما ادعيت من التأويل أنه الصواب دون الذي ذكرت أنه محتمله من الوجه الذي يلزمنا تسليمه لك ؟ ولا سبيل إلى ذلك ] .
ويكون الإمام الطبري بكلامه هذا قد أبطل قول من احتج بقول لبيد في إثبات أن الاسم هو المسمى .

الشبهة الرابعة : قال الباقلاني في (( التمهيد )) (ص259) : [ ويدل على ذلك ويوضحه قول سيبويه في كتابه : (( والأفعال أمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء )) يريد بذلك قولهم : ضرب ويضرب وضارب المأخوذ من الأحداث الماضية وأحداث الحال والأحداث المستقبلة ، والأحداث هي الأفعال ، فقد نص أن الأحداث للأسماء في قوله : (( أخذت من لفظ أحداث الأسماء )) . فكيف يجوز أن تكون الأسماء هي الأقاويل ؟ والأحداث لا يجوز أن تكون للأقاويل ، وإنما هي أحداث لمن يصح أن يفعلها وتتعلق به إما على سبيل وجودها بذاته أو فعله لها ، والقول يستحيل فيه الأمران جميعاً ] .
وجوابه أن يُقال : مع استغرابنا لطريقة الباقلاني في استنباط ما يريده من كلام سيبويه ، فلا بد لنا من القول أن كلام سيبويه أصلاً في تعريفه للفعل مُشكل وعليه اعتراض من أئمة اللغة ، فقد انتقد ابن فارس مقالة سيبويه هذه ، في كتابه (( الصاحبي )) ( باب الفعل ) قائلاً : [ فيقال لسيبويه : ذكرتَ هَذَا فِي أوَّل كتابك وزعمتَ بعدُ أنّ ( لَيْسَ ) و ( عَسَى ) و ( نِعْمَ ) و ( بِئْسَ ) أفعال ، ومعلومٌ أنها لَمْ تُؤْخذ من مصادر . فإن قلت : إني حَدَدْتُ أكثر الفعل وتركت أقلَّه ، قيل لَكَ : إن الحد عند النُّظَّار مَا لَمْ يَزِد المحدود وَلَمْ يَنْقُصْه مَا هو لَهُ ] .
وقال أبو القاسم السهيلي في (( نتائج الفِكْر في النحو )) (ص40) : [ وإن كانوا قد احتجوا بقوله : (( فأما الأفعال فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء )) ، فقوله هنا مُحتمِل ، والمحتمِلات لا تُعارَض بها النصوص . وقد نص رحمه الله تعالى قبل هذا الكلام بسطر واحد على أن الاسم غير المسمى لو تأملوه ، ولكنهم تعاموا عنه وأغفلوه ، فقال رحمه الله تعالى : (( الكلم : اسم وفعل وحرف )) فقد صرح أن الاسم كلمة ، فكيف تكون الكلمة هي المسمى ؟ والمسمى إنما هو شخص ، فهذا بيان ونصّ ، لا سيما مع قوله فيما بعد : (( تقول : سميت زيداً بهذا الاسم كما تقول علمته بهذه العلامة )) وكذلك نصّ في أكثر من ألف موضع في كتابه على أن الاسم هو اللفظ الدال على المسمى ] .


[ تنبيه ] : زعم بعضهم استنباطاً من كلام سيبويه السابق أن سيبويه من القائلين بأن الاسم هو المسمى ، قال القرطبي في (( تفسيره )) (1/101) : [ فذهب أهل الحق فيما نقل القاضي أبو بكر الطيب إلى أن الاسم هو المسمى وارتضاه ابن فورك وهو قول أبي عبيدة وسيبويه ] .
قلت : وهي نسبة لا تصح ، قد صرح ابن منظور بخلافها في (( لسان العرب )) (14/402) فقال : [ وسئل أَبو العباس عن الاسمِ ، أَهُوَ الـمُسَمَّى أَو غيرُ الـمُسمى ؟ فقال : قال أَبو عبـيدة : الاسمُ هو الـمُسَمَّى ، وقال سيبويه : الاسم غير الـمُسَمَّى ، فقـيل له : فما قولُك ؟ قال : لـيس لـي فـيه قول ] .
وقال السهيلي في (( نتائج الفكر )) (ص40) : [فكذلك الاسم أيضاً غير المسمى ، وقد صرح بذلك سيبويه ، وقد أخطأ من ادعى غير هذا عليه ، ونسب القول باتحاد الاسم والمسمى إليه ... فسبحان الله كيف لا يستحيي من عرف هذا من مذهب النحويين أجمعين ومن مذاهب العرب ، ثم يخبر عن أحد منهم بأن الاسم هو المسمى ! ما أشار إلى ذلك نحوي قَطُّ ولا اعتقده عربي ! ] .


[ مسألة ]
وفيها بيان كيف يُحوّل الخلاف اللغوي إلى عقائدي دون وجه حق
( هل الاسم مشتق من السمو أم من السمة )


إن أصل الاشتقاق اللغوي للاسم يُعدّ من المسائل الخلافية التي تنازع فيها أهل العلم ولكل منهم وجهته ودليله ، وهي إحدى مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين ، وليس مرادنا الانتصار لرأي هنا ، بل الرد على من زعم أن القائل بأن الاسم مشتق من السمة هو من أهل الأهواء والبدع ، ومن ثم التنبيه على أن مقالة اشتقاق الاسم من السمو لا تعدّ مقالة يختص بها أهل السنة ويتميزون بها عن غيرهم !
قال الباقلاني في (( التمهيد )) (ص255) : [ اختلف الناس في الاسم ومما اشتقاقه ، فقال أهل الحق : إنه مشتق من السمو ، وقالت المعتزلة وغيرها من أهل الأهواء : إنه مشتق من السمة وهي العلامة ] .
قلت : الخلاف في المسألة خلاف بصري كوفي كما ذكرنا وليس خلافاً سنياً معتزلياً ، والناس فيه بين مخطيء ومصيب وليس بين حق وضلال !!!
فما جنح له الباقلاني في كلامه هذا غلط من وجهين :
الأول : نسبة الأقوال إلى أهل السنة من جانب وأهل الاعتزال والأهواء من جانب آخر .
والثاني : ذم مخالفيه ونسبتهم إلى ( أهل الأهواء ) ، مع أن الأمر لا يقتضي ذلك .
وما ينقد كلام الباقلاني ويبطله أن الزمخشري المعتزلي قد قال في تفسيره (( الكشاف )) (1/2) : [ وأصله : سمو ، بدليل تصريفه : كأسماء ، وسمي ، وسميت ، واشتقاقه من السمو ، لأنّ التسمية تنويه بالمسمى وإشادة بذكره ] ، فالزمخشري بهذا يرى رأي من يسميهم الباقلاني : أهل الحق !! ويخرج من دائرة أهل الأهواء التي رمى بها الباقلاني مخالفيه دون وجه حق ! ويثبت أن مِنْ أهل الاعتزال من يقول بأن الاسم مشتق من السمو .
والسبب الذي قاد البعض إلى ذروة التعصب في هذه المسألة هو الأثرالعقائدي الذي تخيلوه وهماً وظناً والذي بسطه القرطبي قائلاً في (( تفسيره )) (1/101) : [ فإن من قال : الاسم مشتق من العلو يقول لم يزل الله سبحانه موصوفاً قبل وجود الخلق وبعد وجودهم وعند فنائهم ولا تأثير في أسمائه ولا صفاته وهذا قول أهل السنة ، ومن قال : الاسم مشتق من السمة يقول : كان الله في الأزل بلا اسم ولا صفة فلما خلق الخلق جعلوا له أسماء وصفات فإذا أفناهم بقي بلا اسم وصفة ، وهذا قول المعتزلة، وهو خلاف ما اجتمعت عليه الأمة ، وهو أعظم في الخطأ من قولهم : إن كلامه مخلوق تعالى الله عن ذلك ] .
وكلام القرطبي هنا ودعواه على خصومه كلام باللازم لم يقولوا به ، بل صرحوا بخلافه ، واللوازم البعيدة كهذه لا تقوم بها حجة ولا يُلزم بها خصم !
قال القاضي عبد الجبار المعتزلي في (( شرح الأصول الخمسة )) (ص160) : [ أما الذي يدل على أنه تعالى كان عالماً فيما لم يزل ، فهو أنه لو لم يكن عالماً فيما لم يزل وحصل عالماً بعد إذ لم يكن لوجب أن يكون عالماً بعلم متجدد محدث ، وذلك فاسد لما نبينه إن شاء الله تعالى . وأما الذي يدل على أنه جل وعز يكون عالماً فيما لا يزال ، هو أنه يستحق هذه الصفة لذاته ، والموصوف بصفة من صفات الذات لا يصح خروجه عنها بحال من الأحوال ] .
ولمدى اتساع مساحة الاجتهاد في هذه المسألة اللغوية ، ذهب ابن حزم للقول برأي آخر فقد قال في (( الفصل في الملل والأهواء والنحل )) (5/20) : [ وأما قولهم : إن الاسم مستق من السمو ، وقول بعض من خالفهم ؛ إنه مشتق من الوسم ، فقولان فاسدان كلاهما باطل افتعله أهل النحو لم يصح قط عن العرب شيئاً منهما ، وما اشتق لفظ الاسم قط من شيء ، بل هو اسم موضوع مثل حجر وجبل وخشبة وسائر الأسماء لا اشتقاق لها ، وأول ما تبطل به دعواهم هذه الفاسدة أن يقال لهم : قال الله عز وجل : { قل هاتوا برهانكم إن كنتم
صادقين } ، فصح أن من لا برهان له على صحة دعواه فليس صادقاً في قوله ، فهاتوا برهانكم على أن الاسم مشتق من السمو أو من الاسم ، وإلا فهي كذبة كذبتموها على العرب وافتريتموها عليهم أو على الله تعالى الواضع للغات كلها وقول عليه تعالى أو على العرب بغير علم ، وإلا فمن أين لكم أن العرب اجتمعوا فقالوا : نشتق لفظة اسم من السمو ، أو من الوسم ، والكذب لا يستحله مسلم ولا يستسهله فاضل ولا سبيل لهم إلى برهان أصلاً بذلك ، وأيضاً فلو كان الاسم مشتقاً من السمو كما تزعمون فتسمية العذرة والكلب والجيفة والقذر والشرك والخنزير والخساسة رفعة لها وسمو لهذه المسميات وتباً لكل قول أدى إلى هذا الهوس البارد ] .
فحري بالمنصفين بعد هذا أن يميزوا ويدركوا ويستوعبوا الخلاف اللغوي الذي لا يضر القائل به ، وأن لا نجعل الرأي اللغوي مُلزماً لصاحبه بمقالات عقائدية لا يقول بها أصلاً ، ثم بعد ذلك نرميه بالضلال والابتداع ، والعياذ بالله تعالى .
أضف رد جديد

العودة إلى ”قضايا ومسائل لغوية تتعلق بالعقائد“