مسألة: إبطال قول محمد ابن الموصلي
:إن يد القدرة والنعمة لا يعرف استعمالها البتة إلا في حق من له يد حقيقية
قال الدكتور نذير العطاونة في كتابه: ( القواعد اللغوية المبتدَعة):
المسألة الثانية و العشرون :
إبطال قول محمد ابن الموصلي
إن يد القدرة والنعمة لا يعرف استعمالها البتة إلا في حق من له يد حقيقية
وهذه قاعدة أخرى مزعومة ، تجنّى بها قائلها على اللغة ، إذ أنه لا أصل لها ولا حجة عليها بل هي محض توهم وخيال وسيرٍ في ركب ابن تيمية وابن القيم .
قال محمد بن الموصلي(1) في (( مختصر الصواعق المرسلة )) (ص 375) : [ إن يد القدرة والنعمة لا يعرف استعمالها البتة إلا في حق من له يد حقيقية ] .
قلت : وهذا وهم ، قاده إليه حماسه المفرط لابن القيم حتى أوقف عقله عن التدبر ، وأعشى عينيه عن النظر والتأمل ، وفي التنزيل ما ينفي قاعدته ، ويجعلها في معرض الرد والإنكار ، وهذه آي الكتاب الكريم ، تبطل مزاعم ابن الموصلي ودعواه :
1) قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ }(الأعراف/57) .
فهل لرحمة الله يدان ؟؟ وهل يستلزم ذلك الحقيقة ؟
وقال أهل العلم : إن رحمة الله يراد بها هنا المطر، قال أبو حيان في (( البحر المحيط )) : [ ومعنى { بين يدي رحمته } ، أمام نعمته ، وهو المطر الذي هو من أجلّ النعم وأحسنها أثراً ] .
فهل للمطر يدان ؟؟؟!!!
وأين لازم حقيقة اليد التي ادعاها ابن الموصلي بقاعدته المزعومة ؟؟
ومن أجمل ما رأيت للطبري قوله في (( التفسير )) (8/210) : [ وأما قوله : { بين يدي رحمته } ، فإنه يقول : قدام رحمته وأمامها . والعرب كذلك تقول لكل شيء حدث قدام شيء وأمامه : { جاء بين يديه } ، لأن ذلك من كلامهم جرى في أخبارهم عن بني آدم ، وكثر استعماله فيهم ، حتى قالوا ذلك في غير ابن آدم وما لا يَدَ له ] .
وهذا كلام نفيس للإمام الطبري ، وفيه رد على مزاعم المشبهة والمجسمة .
2) وقال عز وجل : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }(فصلت/41-42) .
فهذه إضافة اليدين لكتاب الله عز وجل ، فهل من قائل يقول بأن للكتاب يدين حقيقيتين ؟؟!!
وإنما المعنى كما قال ابن جرير الطبري في (( تفسيره )) (24/125) : [ وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يُقال : معناه : لا يستطيع ذو باطل بكيده تغييره بكيده ، وتبديل شيء من معانيه عما هو به ، وذلك هو الإتيان من بين
يديه ، ولا إلحاق ما ليس منه فيه ، وذلك إتيانه من خلفه ] .
3) وقال تبارك وتعالى : { إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ }(سبأ/46) .
والعذاب لا يد له ، وإنما ذلك مجاز على قرب وقته ، قال الطبري في (( تفسيره )) (22/105) : [ وقوله : { إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } ، يقول : ما محمد إلا نذير لكم ينذركم على كفركم بالله عقابه أمام عذاب جهنم قبل أن تصلوها ] .
4) وقال سبحانه وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً }(المجادلة/12) .
ولا يمكن لعاقل أن يصف النجوى بصفة اليد !!! أو أن يجعل لها حقيقة اليد في أي وجه من الوجوه ، وإنما المعنى كما قال أبو حيان في (( البحر المحيط )) : [ { بين يدي نجواكم } : استعارة ، والمعنى : قبل نجواكم ] .
وقال الطبري في (( تفسيره )) (28/19) :[ يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله إذا ناجيتم رسول الله ، فقدّموا أمام نجواكم صدقة تتصدقون بها على أهل المسكنة والحاجة ] .
الحواشي السفلية:
(1)هو محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان بن عبد العزيز ، الشيخ شمس الدين ابن الموصلي ، ولد سنة 699 هـ ، وتوفي سنة 774 هـ ، وعلى هذا فهو معاصر لابن تيمية وابن القيم ، وأخذ عن الذهبي ، ترجمته في (( بغية الوعاة )) (1/228) ، وفي (( طبقات الشافعية الكبرى )) (3/133) ، و (( الدرر الكامنة )) (5/452) ، وغيرها . ومن الغريب أن مصادر ترجمته لم تذكر اختصاره لـ (( الصواعق المرسلة )) ، فلعله كان يخفي عقيدته هذه ولا يجهر بها !! واعتمد محققو كتابه هذا على اسمه الذي تصدر مخطوطات الكتاب في نسبته إليه .
مسألة: إبطال قول محمد ابن الموصلي :إن يد القدرة والنعمة لا يعرف استعمالها البتة إلا في حق من له يد حقيقية
-
- مشاركات: 777
- اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm