بيان عدم التعويل على تشدد وتعصب عبد القاهر البغدادي على المعتزلة

مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
أضف رد جديد
عود الخيزران
مشاركات: 777
اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm

بيان عدم التعويل على تشدد وتعصب عبد القاهر البغدادي على المعتزلة

مشاركة بواسطة عود الخيزران »

قال سماحة السيد المحدث حسن السقاف في مقدمة تحقيقه لكتاب " أساس التقديس" :بيان عدم التعويل على تشدد وتعصب عبد القاهر البغدادي على المعتزلة:

الشيخ عبد القاهر البغدادي صاحب "أصول الدين" و "الفَرْق بين الفِرَق" متشدد بلا معنى على المعتزلة ويحمل عليهم بتعصب لا داعي ولا قيمة له! ولا يجوز الالتفات إلى ما يقوله في ذلك! والظاهر أنه أخذ هذا التعصب والحمل على المعتزلة من كتاب ابن الراوندي الملحد "فضائح المعتزلة" الذي رد عليه الخياط المعتزلي (ت321هـ) في كتابه "الانتصار والرد على ابن الراوندي الملحد" وهو مطبوع.
وكما رأيت مما سبق نجد أكابر علماء أهل السنة لا يجدون حرجاً في التوافق الاجتهادي بينهم وبين أئمة المعتزلة، مع ملاحظة وجود الاختلاف بين علماء السنة أنفسهم وكذلك بين علماء المعتزلة في مسائل كثيرة، ومما ينكر على الشيخ عبد القاهر إيغاله في التكفير وقوله في كتابه "أصول الدين" ص(335): [اعلم أن تكفير كل زعيم من زعماء المعتزلة واجب من وجوه]. (!!!)
ويقول في موضع آخر هناك بعد ذلك: [وأنواع كفرهم – أي المعتزلة- لا يحصيها، إلا الله تعالى]. وفي سياق حديثه عن أهل الأهواء، حيث يعتبر المعتزلة منهم، يقول: [أجمع أصحابنا على أنه لا يحل أكل ذبائحهم … ولا يجوز عندنا تزويج المرأة المسلمة من واحد منهم... وأجمع أصحابنا على أن أهل الأهواء لا يرثون من أهل السنة]. وكلها إجماعات باطلة فارغة عند أئمة الشافعية الذين ينتمي إليهم الشيخ عبد القاهر نفسه كما سيأتي. ويقول البغدادي أيضاً مبالغاً في تكفير كل مخالفيه، وهم الذين يسميهم أهل الأهواء: [وأما الشاك في كفر أهل الأهواء، فإن شك في قولهم هل هو فاسد أم لا، فهو كافر].
ثم يتناقض فيقول بأنه لا بد في الإجماع من اعتبار قول أهل الأهواء! وذلك في كتابه "أصول الدين" ص (13) حيث يقول: [لا اعتبار في مثل هذا بخلاف أهل الأهواء من الروافض والقدرية والخوارج والجهمية والنجارية لأن أهل الأهواء لا اعتبار بخلافهم في أحكام الفقه وإن اعتبرنا خلافهم في أبواب علم الكلام].
فإذا كانوا كفاراً فكيف يعتبر خلافهم في أبواب علم الكلام؟!
ويقول الشيخ عبد القاهر في "أصول الدين" ص (335) عن الجاحظ في موضع آخر لأنه معتزلي ولم يكن جميل الصورة، ناقلاً شعر أحدهم: [لو يمسخ الخنزير مسخا ثانياً، ما كان إلا دون قبح الجاحظ]. وهذا كلام شنيع لا يليق أن يخرج من مثله. ولم يراعِ أن الله ينظر إلى القلوب لا إلى الصور والأجسام.
ومما ينقض كلام الشيخ عبد القاهر البغدادي فيما يذهب إليه من التشدد والتعصب الباطل قول الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (4/254):
[وقال القفَّال وكثيرون من الأصحاب يجوز الاقتداء بمن يقول بخلق القرآن وغيره من أهل البدع، قال صاحب العدة: هذا هو المذهب، قلت: وهذا هو الصواب، فقد قال الشافعي رحمه الله: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخَطَّابية لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم، ولم يزل السلف والخلف يرون الصلاة وراء المعتزلة ونحوهم ومناكحتهم وموارثتهم وإجراء سائر الأحكام عليهم].
وهذا إجماع أو اتفاق يحكيه الإمام النووي يهدم ما يحكيه الشيخ عبد القاهر من إجماعات مضادة لذلك، وقد رددنا في مقدمة تحقيقنا لكتاب "الإبانة" وفي "شرح الجوهرة" إبطال ادعاء الشيخ عبد القاهر البغدادي عدم جواز الصلاة خلف المعتزلة وزعمه أن ذلك قول الإمام الشافعي! وبينَّا أنَّ من جملة شيوخ الإمامِ الشافعي: الإمامُ إبراهيم بن أبي يحيى المعتزلي الذي كان يَنْعَتُهُ الشافعيُّ بالثقة ويقول: إنه (أَجَلُّ من أن يَكْذِب) رداً على بعض المحدثين الذين وصفوه بالكذب زوراً وبهتاناً!
هذا ما أردنا التنبيه عليه لنبين أن كل مَنْ اعتمد على كلام عبد القاهر البغدادي لا يعلم حقيقة الأمر أو غُرِّرَ به وبنى بنيانه على جُرُفٍ هَارٍ وانخدع بقول خطأ بل فاسد لا أساس له من الصحة، لا سيما والإمام الفخر الرازي المنسوب إلى المذهب الأشعري خالف منهج أمثال الشيخ عبد القاهر والسنوسي ومتشددي المنتسبين إلى الأشعرية من المعاصرين ووافق المعتزلة هو وأساطين من أكابر الشافعية والحنفية وغيرهم ولم يروا تلك التشغيبات والتشنيعات التي يثيرها أمثال عبد القاهر شيئاً ذا قيمة بل هي من جملة الترهات الفارغة، ولذلك قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في "فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة" ص (39): [فإن زعم -صاحبك- أنَّ حدَّ الكفر ما يخالف مذهب الأشعري أو مذهب المعتزلي أو الحنبلي أو غيرهم فاعلم أنه غر بليد، قد قيَّده التقليد، فهو أعمى من العميان، فلا تضيِّع بإصلاحه الزمان...].
فهذا يجلي المسألة عند المنصفين ويكشف خطأ بعض المقلدة المتعصبين الذين يقلدون المشنعين وتشنيعاتهم بلا فهم ولا استيعاب.
أضف رد جديد

العودة إلى ”مسائل وقضايا التوحيد والإيمان“