التدليل على قضية التأثر بالاتجاه السياسي في التفويض أو القول بالظاهر :

مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
Post Reply
عود الخيزران
Posts: 902
Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm

التدليل على قضية التأثر بالاتجاه السياسي في التفويض أو القول بالظاهر :

Post by عود الخيزران »

التدليل على قضية التأثر بالاتجاه السياسي في التفويض أو القول بالظاهر :

قد ذكرنا أن من أهم أسباب نشوء مذهب التفويض التأثر بالاتجاه السياسي أي أهواء الخلفاء والسلاطين في زمن الأمويين والعباسيين، ومن الأدلة على انسياقهم وراء هوى السلطان المجسم في هذه القضايا وضد أئمة آل البيت عليهم سلام الله تعالى : ما ذكره الذهبي في ( سير النبلاء )(12\24) حيث قال : [ وفي سنة ٢٣٤ أظهر المتوكل السنة وزجر عن القول بخلق القرآن وكتب بذلك إلى الأمصار واستقدم المحدثين إلى سامراء وأجزل صلاتهم ورووا أحاديث الرؤية والصفات ] .

ويقول الحافظ السيوطي في ( تاريخ الخلفاء )) (٣٤٦٧١) :

فأظهر . أي المتوكل الميل إلى السنة ونصر أهلها ورفع المحنة وكتب بذلك إلى الآفاق وذلك في سنة أربع وثلاثين واستقدم المحدثين إلى سامرا وأجزل عطاياهم وأكرمهم وأمرهم بأن يحدثوا بأحاديث الصفات والرؤية وجلس أبو بكر بن أبي شيبة في جامع الرصافة فاجتمع إليه نحو من ثلاثين ألف نفس، وجلس أخوه عثمان في جامع المنصور فاجتمع إليه أيضاً نحو من ثلاثين ألف نفس وتوفر دعاء الخلق للمتوكل وبالغوا في الثناء عليه والتعظيم له ] .
لاحظ كيف يُخضع أولئك المحدثون المأجورون الذين يحدثون بأحاديث الرؤية والصفات بأمر السلطان عامة الناس لأولئك الحكام الطغاة المنحرفين من النواصب بشهادة الذهبي الذي يقول في ( سير أعلام النبلاء »
(٣٥/١٢):
وفي سنة ست وثلاثين . أي سنة ٢٣٦هـ . هدم المتوكل قبر الحسين رضي الله عنه، فقال البسامي أبياتاً منها :

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا
في قتله فتتبعوه رميماً

وكان المتوكل فيه نصب وانحراف فهدم هذا المكان وما حوله من الدور، وأمر أن يزرع ومنع الناس من انتيابه ] .

فهذه أفاعيل ناصر الأحاديث والداعي لها والآمر بها ! الذي كان يسكر سكراً شديد )، ويسفك دماء المؤمنين ظلماً وعدواناً ! ويفعل الأعاجيب فكان فعل المتوكل المجسم الناصبي هذا في أحاديث الصفات والرؤية منعطفاً خطيراً في فكر أهل السنة وتحريضاً لهدم التنزيه ونبذ حب آل البيت عليهم سلام الله تعالى ومعاداة معتقدي التنزيه من أهل الحق سواء من أهل السنة هو الإيمان بظواهر أو من المعتزلة أو من غيرهم ونشراً للتفويض الذي الآيات المتشابهة وأحاديث الصفات التالفة !
وبقي هذا الذي فعله المتوكل في تيار الحنابلة ومن يتسمون بأهل الحديث . مع أن في أهل الحديث من يخالفهم في هذه الأفكار المرفوضة . إلى زمن ابن جرير الطبري المتوفى سنة ٣١٠ هـ، ولا أدل على ذلك من محاربة الحنابلة لابن جرير الطبري وكان على رأس أعدائه الذين يحاربونه من أئمة الحنابلة أبو بكر بن أبي داود ( الحنبلي الناصبي المجسم المتوفى سنة ( ٣١٦هـ ) !

وإنما بدأت بذكر المتوكل الذي فعل ما فعل سنة (٢٣٤-٢٣٦هـ) لأنه كان له أثر كبير في كتب السنن والصحاح التي ألفت في القرن الثالث الهجري. مع أن الأمر ابتدأ قبل ذلك التاريخ وفي عهد الصحابة رضي الله عنهم، فإننا نرى معاوية بعد الخلافة الراشدة وفي عصر الصحابة يقول عن كعب الأحبار اليهودي : « ألا إن كعب الأحبار أحد العلماء إن كان عنده لعلم كالثمار وإن كنا فيه المفرطين )

وبعد ذلك نجد عبد الملك بن مروان يقول عن صخرة بيت المقدس: "هذه صخرة الرحمن التي وضع عليها رجله .. " .
ونجد الأمويين يروون أحاديث جلوس الرب على العرش عن كعب الأحبار بلا حياء ولا استحياء ! ومن ذلك ما ذكره الذهبي في كتاب « العلو » من (٣٦٤) حيث قال :

عبد الملك بن مروان، تا قال أبو صفوان الأموي عبد الله بن سعيد بن . يونس بن يزيد عن الزهري، عن ابن المسيب، عن كعب الأحبار قال : قال الله في التوراة: أنا الله فوق عبادي وعرشي فوق جميع خلقي وأنا على عرشي أدبر أمور عبادي ولا يخفى علي شيء في السماء ولا في الأرض ، روانه ثقات .
ولهذا نجد العلماء المنزهين كمالك ينكر هذه الأحاديث وينهى الناس عن روايتها ويربط ذلك بالسياسة الأموية ويكون من يرويها إما جاهلاً وإما عاملاً عند الأمويين وتابعاً لهم، يقول الذهبي في ( سير أعلام النبلاء )) (۱۰۳/۸) :

قال ابن القاسم : سألت مالكاً عمن حدث بالحديث، الذين قالوا : « إنَّ الله خلق آدم على صورته » والحديث الذي جاء : ( إن الله يكشف عن ساقه ) وأنه يدخل يده في جهنم حتى يخرج من أراد » فأنكر مالك ذلك إنكاراً شديداً، ونهى أن يحدث بها أحد، فقيل له: إن ناساً من أهل العلم يتحدثون به، فقال : من هو ؟ قيل : ابن عجلان عن أبي الزناد، قال : لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء، ولم يكن عالماً . وذكر أبا الزناد فقال : لم يزل عاملاً لهؤلاء حتى مات ] انتهى . وزاد العقيلي على هذه العبارة في ( الضعفاء ) (٢٥١٢) : ( وكان صاحب عمال يتبعهم ( أي أن أبا الزناد كان صاحب عام بني أمية على المدينة وكان تابعاً لهم !! وقد توفي أبو الزناد سنة ( ١٣٠هـ) من الهجرة أي في أيام الدولة الأموية كما نجد ذلك في ترجمته
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في ( الفتح ) (٢٢٥/١) أن مالكاً كره رواية أحاديث الصفات والتحديث بها .

فخلاصة الأمر أن التفويض إنما حدث قبل القرن الخامس وبعد عهد الصحابة والتابعين وأتباعهم لتلك الأسباب الثلاثة التي ذكرناها، أما بعد القرن الخامس وبعد زمن الضغوطات السياسية على العلماء فهو مظهر من مظاهر التميع في العقيدة، والتدين الكهنوتي، وأصحابه إما جبناء، وإما تائهون، وإما من المقلدة المنغلقين عقلاً وفكراً .
Post Reply

Return to “مسائل وقضايا التوحيد والإيمان”