مسألة الصلاة خلف كل بر وفاجر:
قال سماحة السيّد المحدّث حسن السقاف في كتابه" صحيح شرح العقيدة الطحاوية ":
الصلاة خلف البَرِّ والفاجر مُقْتَبَسَةٌ من ثلاثة أحاديث واهية (ضعيفة جداً) وهي:
الحديث الأول: حديث ((صلوا خلف كل بَرِّ وفاجر)) رواه أبو داود (1/162) وغيره، ولفظ رواية أبي داود: ((الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم بَرَّاً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر)) والحديث شامي يؤيد مذهبهم!! وفيه انقطاع بين مكحول وأبي هريرة رضي الله عنه، لذا أورده الحافظ ابن الجوزي في ((العلل المتناهية)) (1/422) ولو أورده في كتاب ((الموضوعات)) لكان أقرب إلى الصواب.
وذكر الحافظ الزيلعي في ((نصب الراية)) (2/27) أن أبا داود نفسه ضَعَّف هذا الحديث.
وقال الحافظ البيهقي في السنن (4/19): ((قال علي [يعني الدارقطني]: مكحول لم يسمع من أبي هريرة ومَنْ دونه ثقات، قال الشيخ [يعني البيهقي]:
قد روي في الصلاة على كل بَرٍّ وفاجر والصلاة على من قال لا إله إلا الله أحاديث كلها ضعيفة غاية الضعف، وأصح ما روي في هذا الباب حديث مكحول عن أبى هريرة وقد أخرجه أبو داود في كتاب السنن إلا أن فيه إرسالاً كما ذكره الدارقطني رحمه الله)) انتهى من سنن البيهقي.
الحديث الثاني: حديث سيدنا أنس رضي الله عنه مرفوعاً: ((صلوا على من قال لا إله إلا الله، وصلوا خلف من قال لا إله إلا الله)) رواه الدارقطني (2/56) وابن الجوزي في ((العلل المتناهية)) (1/420) وفي أسانيدها عن ابن عمر كذابون ووضاعون كما قال الحافظ ابن الجوزي ص (424).
الحديث الثالث: حديث سيدنا أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعاً: ((صلوا خلف كل إمام، وقاتلوا مع كل أمير)) رواه الدارقطني (2/55)، والعقيلي في الضعفاء (3/90) وابن الجوزي في ((العلل المتناهية)) (1/423) وقال العقيلي: ((وليس لهذا المتن إسناد يثبت)).
ورُوِيَتْ هذه الأحاديث بألفاظٍ متقاربة بنفس المعنى عن سيدنا علي وابن مسعود وواثلة ابن الأسقع ولا يثبت شيء منها، كما حقق ذلك الحافظ ابن الجوزي في كتابه ((العلل المتناهية)) والحافظ الدارقطني والحافظ البيهقي وغيرهم.
وهذه الأحاديث الواهية تثبت ما كان يدعو إليه بنو أمية وأذنابهم كالحَجَّاج والنواصب من ترسيخ اعتقاد وجوب الرضوخ للطغاة وتعزيز القهر في نفوس الأمة للظَّلَمة والفجار وتأمين عدم الخروج عليهم بأحاديث مكذوبة يَرْوونها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو منها بريء.
وقد حاولوا أن يدعموا ذلك بإثبات صلاة مثل ابن عمر وسيدنا أنس وسيدنا الحسن وسيدنا الحسين عليهما السلام وغيرهم خلف الحَجَّاج ومروان بن الحكم وأمثالهما كما ثبت بعض ذلك في البخاري وغيره، وهذا من أبطل الباطل في الاستدلال لعدة وجوهٍ من أهمها:
أولاً: أن ذلك من حالات الإكراه والقهر التي لا يُلْتَفَتُ إليها ولا يعوَّل عليها.
ثانياً: أن مما يؤكِّد ذلك أن سيدنا الحسين مثلاً وعبد الله بن الزبير وهما من الصحابة وغيرهم ثاروا على الطغاة المتجبرين الفسقة كيزيد بن معاوية وأبيه وغيرهما من أذيالهما كعبد الملك بن مروان والحجَّاج، وهذا مما يؤكِّد أيضاً أنهم لم يكونوا راضين بالصلاة خلف أولئك السفاكين الطغاة ولا موالاتهم، بل كانوا يعتقدون بأنهم بغاة تسلطوا على الرقاب والعباد والبلاد وأن من الواجب تحرير البلاد والعباد وتخليصها منهم، لا موالاتهم والسمع والطاعة لهم والصلاة خلفهم وعليهم! فافهم هداك الله تعالى!!!
روى الحاكم في ((المستدرك)) (3/357) أن سيدنا عبادة بن الصامت رضي الله عنه قام قائماً في وسط دار أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محمداً أبا القاسم يقول:
سيلي أموركم من بعدي رجال يُعَرِّفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون فلا طاعة لمن عصى الله؛ فلا تُتْعِبوا أنفسكم فوالذي نفسي بيده إن معاوية من أولئك؛ فما راجعه عثمان حرفاً. وهو صحيح.
وما ثورة ابن الأشعث ومعه علماء وأساطين وجهابذة علماء أهل السنة والجماعة وواقعة الجماجم منا ببعيد!! وقد ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة على فلان وفلان من الناس لأجل الدَّيْن وغيره فضلاً عن الفجور والنفاق كما ثبت في الصحاح والسنن!! وصلاته على ابن أبى سلول منسوخة نهاه الله عنها كما هو معلوم!!
وكل ذلك مما يهدم الفكرة القائلة بأن من أصل الدين: الصلاة خلف كل بَرِّ وفاجر والجهاد مع كل أمير ولك أجرك.
ويثبت ما قلناه أيضاً قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ * لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا ءَابَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}المجادلة: 14-22.
مسألة الصلاة خلف كل بر وفاجر:
مسائل فقهية عامة
-
- Posts: 901
- Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm
Jump to
- القرآن الكريم وتفسيره
- ↳ تفسير آية أو آيات كريمة
- ↳ أبحاث في التفسير وعلوم القرآن الكريم
- الحديث النبوي الشريف وعلومه
- ↳ قواعد المصطلح وعلوم الحديث
- ↳ تخريج أحاديث وبيان مدى صحتها
- ↳ شرح الحديث
- ↳ التراجم والرجال: الصحابة والعلماء وغيرهم
- ↳ أحاديث العقائد
- العقائد والتوحيد والإيمان
- ↳ القواعد والأصول العقائدية
- ↳ مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
- ↳ أقوال لأئمة وعلماء ومشايخ في العقيدة ومدى صحتها عنهم
- ↳ قضايا ومسائل لغوية تتعلق بالعقائد
- ↳ الفرق والمذاهب وما يتعلق بها
- ↳ عرض عقائد المجسمة والمشبهة والرد عليها
- التاريخ والسيرة والتراجم
- ↳ السيرة النبوية
- ↳ قضايا تاريخية
- ↳ سير أعلام مرتبطة بالتاريخ والأحداث السياسية الغابرة
- ↳ معاوية والأمويون والعباسيون
- الفكر والمنهج والردود
- ↳ توجيهات وتصحيح لأفكار طلبة العلم والمنصفين من المشايخ
- ↳ الردود على المخالفين
- ↳ مناهضة الفكر التكفيري والرد على منهجهم وأفكارهم
- ↳ أسئلة وأجوبة عامة
- الفقه وأصوله
- ↳ القواعد الأصولية الفقهية
- ↳ مسائل فقهية عامة
- ↳ المذهب الحنفي
- ↳ المذهب المالكي
- ↳ المذهب الشافعي
- ↳ المذهب الحنبلي
- علوم اللغة العربية
- ↳ النحو والصرف
- ↳ مسائل لغوية ومعاني كلمات وعبارات
- الكتب الإلكترونية
- ↳ كتب العلامة المحدث الكوثري
- ↳ كتب السادة المحدثين الغماريين
- ↳ كتب السيد المحدث حسن السقاف
- ↳ كتب مجموعة من العلماء
- المرئيات
- ↳ العقيدة والتوحيد: شرح متن العقيدة والتوحيد