إثبات القول بانتفاع الميت بعمل غيره:

مسائل فقهية عامة
Post Reply
عود الخيزران
Posts: 901
Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm

إثبات القول بانتفاع الميت بعمل غيره:

Post by عود الخيزران »

إثبات القول بانتفاع الميت بعمل غيره:

قال سماحة السيد المحدّث حسن السقاف في كتابه" صحيح شرح العقيدة الطحاوية ":


ومن الخطأ الشائع عند بعض الناس!! بل وبعض المفتين على بعض المشارب مسارعتهم للقول بأن الميت لا يَنْتَفِعُ بعمل غيره محتجين بقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلا مَا سَعَى}النجم: 39، وبحديث ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة؛ إلا من صدقة جارية؛ أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))( ).
وإليكم الجواب على هذا مقتطفاً من رسالة ((سيدي)) الإمام عبد الله ابن الصديق الغماري ((توضيح البيان لوصول ثواب القرآن))( )، قال أعلى الله درجته ورحمه وأثابه:
[لم تَنْفِ - الآية - انتفاع الرجل بسعي غيره وإنما نفت ملكه لغير سعيه وبين الأمرين فرق لا يخفى، فأخبر الله تعالى أن الإنسان لا يملك إلا سعيه، أما سعي غيره فهو ملك لساعيه؛ فإن شاء أن يبذله لغيره، وإن شاء أن يبقيه لنفسه وهو سبحانه لم يقل: لا ينتفع إلا بما سعى.
قال ابن القيم وكان شيخنا - يعني ابن تيمية( ) - يختار هذه الطريقة ويرجحها انتهى.
وقال القرطبي: وقيل إن الله عز وجل إنما قال: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلا مَا سَعَى}النجم:39، ولام الخفض معناها في العربية الملك والإيجاب فلم يجب للإنسان إلا ما سعى، فإذا تصدَّق عليه غيره فليس يجب له شيء، إلا أن الله عز وجل يتفضل عليه بما لا يجب له، كما يتفضل على الأطفال بإدخالهم الجنة بغير عمل انتهى.
وفي فتاوى الحافظ ابن الصلاح ما نصه:
((مسألة في قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلا مَا سَعَى}النجم:39، وقد ثبت أن أعمال الأبدان لا تنتقل. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)) وقد اختلف في القرآن: هل يصل إلى الميت أو لا؟ وكيف يكون الدعاء يصل إليه والقرآن أفضل؟! أجاب رضي الله عنه: هذا قد اختلف فيه، وأهل الخير وجدوا البركة في مواصلة الأموات بالقرآن، وليس الاختلاف في هذه المسألة، كالاختلاف في الأصول، بل هي من مسائل الفروع، وليس نص الآية المذكورة دالاً على بطلان قول من قال: إنه يصل، فإن المراد به - أي نص الآية - أنه لا حق له ولا جزاء إلا فيما يسعى، ولا يدخل في ذلك ما يتبرع به الغير من قراءة ودعاء وأنه لا حق في ذلك ولا مجازاة، وإنما أعطاه الغير تبرعاً، وكذلك الحديث، لا يدل على بطلان قوله، فإنه في عمله، وهذا من عمل غيره انتهى.
وقال الشيخ أبو العباس أحمد بن تيمية: من اعتقد أن الإنسان لا ينتفع إلا بعمله فقد خرق الإجماع وذلك باطل من وجوه:
أحدهما: أن الإنسان ينتفع بدعاء غيره، وهو انتفاع بعمل الغير.
ثانيها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشفع لأهل الموقف في الحساب، ثم لأهل الجنة في دخولها، ثم لأهل الكبائر في الخروج من النار.
ثالثها: أن الملائكة يستغفرون ويدعون لمن في الأرض.
رابعها: أن الله تعالى يُخْرِجُ مِن النار مَنْ لم يعمل خيراً قط، بمحض فضله ورحمته، وهذا انتفاع بغير عملهم.
خامسها: أن أولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل آبائهم.
سادسها: قال تعالى في قصة الغلامين اليتيمين {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}الكهف:82.
سابعها: أن الميت ينتفع بالصدقة عنه وبالعتق، بنص السنة والإجماع.
ثامنها: أن الحج المفروض يسقط عن الميت، لحج وليه عنه بنص السنة.
تاسعها: أن الحج المنذور أو الصوم المنذور، يسقط عن الميت بعمل غيره، بنص السنة وهو انتفاع بعمل الغير.
عاشرها: أن المدين قد امتنع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الصلاة عليه حتى قضى دينه أبو قتادة، وقضى دَين الآخر علي بن أبى طالب، وانتفع بصلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو من عمل الغير انتهى باختصار.
فتبين مما تقدم أن الاستدلال بالآية على منع وصول القراءة للميت، غير صحيح، لأن الآية لا تفيد ذلك].
انتهى ما أردنا نقله من كلام سيدي عبد الله ابن الصديق والله الموفق.

Post Reply

Return to “مسائل فقهية عامة”