الكلام حول قضية الإسراء والمعراج :

مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
Post Reply
عود الخيزران
Posts: 902
Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm

الكلام حول قضية الإسراء والمعراج :

Post by عود الخيزران »

الكلام حول قضية الإسراء والمعراج :

قال سماحة السيد المحدّث حسن السقاف :

إسراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعروجه إلى السماء وإلى سدرة المنتهى ثابتان بقطعي الدلالات في الكتاب الكريم والسنة المطهرة قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}الإسراء: 1.
وقال تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}النجم: 13-18.
هذه الآيات الكريمة تثبت لنا الإسراء والمعراج ثبوتاً قطعياً وأن ذلك حصل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بروحه وجسده معاً، وقد ثبت ذلك في السنة أيضاً.
لكن حديث الإسراء الطويل في الصحيحين فيه أمور ننكرها ولا نقول بها، والحديث هو ما رواه البخاري (7/201) ومسلم (1/149) وغيرهما عن سيدنا أنس عن مالك بن صعصعة قال:
((إن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم حدثه عن ليلة أسري قال: بينما أنا في الحطيم ـ وربما قال في الحِجْرِ ـ مضطجعاً، إذ أتاني آتٍ فَقَدَّ ـ قال وسمعته يقول: فَشَقَّ ـ ما بين هذه إلى هذه. فقلت للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: مِنْ ثَغْرَة نَحْرِهِ إلى شِعْرته ـ وسمعته يقول من قَصِّهِ إلى شعرته ـ فاستخرج قلبي، ثم أتيت بِطَسْتٍ من ذهب مملوءة إيماناً، فغسل قلبي، ثم حُشِيَ، ثم أعيد، ثم أتيتُ بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض. ـ فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس: نعم ـ يضع خطوة عند أقصى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح، فقيل: من هذا قال: جبريل. قيل ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه( 1 )؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء. ففتح. فلما خَلَصْتُ فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم، فسلِّم عليه. فَسَلَّمْتُ عليه، فردَّ السلام ثم قال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح. ثم صَعِدَ بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء. ففتح. فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهم ابنا خالة. قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما، فسلمت، فردا، ثم قالا: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء. ففتح، فلما خلصت إذا يوسف، قال: هذا يوسف فسلِّم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صَعِدَ بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء. ففتح. فلما خلصت فإذا إدريس، قال: هذا إدريس فسلَّم عليه، فسلَّمتُ عليه، فرد ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء. ففتح. فلما خلصت فإذا هارون، قال: هذا هارون فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء ففتح. فلما خلصت فإذا موسى، قال: هذا موسى فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. فلما تجاوزت بكى. قيل له ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي( 2 ) ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. قال: مرحباً به، فنعم المجيء جاء. فلما خلصت فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك فسلم عليه، قال: فسلمت عليه، فرد السلام ثم قال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح. ثم رُفِعْتُ إلى سدرة المنتهى فإذا نَبْقُهَا مثل قِلال هَجَر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة. قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان، ونهران ظاهران. فقلت: ما هذان يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات. ثم رفع لي البيت المعمور. ثم أُتِيتُ بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل، فأخذتُ اللبن، فقال: هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك. ثم فرضت عليَّ الصلاة خمسين صلاة كل يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال: بما أمرت؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم. قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني والله قد جرَّبتُ الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشدَّ المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك( 3 )، فرجعت فوضع عني عشراً، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فوضع عني عشراً، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فوضع عني عشراً، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم، فرجعت فقال مثله. فرجعت فأُمرتُ بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى فقال: بما أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم. قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك. قال سألت ربي حتى استحييت، ولكن أرضى وأُسَلِّم. قال فلما جاوزت نادى منادٍ أمضيت فريضتي، وخَفَّفْتُ عن عبادي)).
وأقول بعد ذكر حديث الإسراء والمعراج هذا: إن الإسراء والمعراج ثابتان وهما قطعيان استدلالاً بالقرآن الكريم لكن هذه القصة الطويلة التي أوردناها وبهذا التفصيل الدقيق الذي ورد في كتب الصحاح وغيرها فيها ألفاظ منكرة مردودة يستبعد جداً أن تكون من كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد دخلها شيء من الإسرائيليات!! فالنهران الظاهران والباطنان مثلاً خرافة إسرائيلية لا شك في ذلك لأن هذه القضية في هذا الحديث معارضة للقرآن الكريم الذي نص على أن الله تعالى أخرج الأنهار والعيون من ينابيع سلكها في الأرض بعدما أمطرت السماء عليها. قال تعالى: {أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ}الزمر:21.
ثم إن العلوم الكونية تخالف أيضاً ما جاء في هذا الحديث من أن منابع نهر النيل والفرات ودجلة من أماكن معروفة ومشهورة يعرفها أدنى مطلع على الجغرافيا والثقافة العامة التي يشترك فيها العام والخاص.
ثم إن بُعْدَ ما بين السماء السابعة والجنة وسدرة المنتهى وبين الأرض مسافة شاسعة جداً لا يمكن أن يتصور عاقل أن منابع هذه النهار عند سدرة المنتهى فوق السماء السابعة وهي تقطع هذه المسافة الطويلة فضلاً عن أن ينطق بهذا سيد البشر والعقلاء وأعلمهم صلى الله عليه وآله وسلم.
وبالسؤال والتتبع وجدنا أن أصل هذه القصة موجود في كتب أهل الكتاب اليهود والنصارى مما أكَّد لنا أن هذه القصة بهذا الشكل والتصوير الوارد في هذا الحديث المنسوب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها ما هو مَنْحُول من كتب الأمم السابقة وهم اليهود والنصارى.
فهذه القصة موجودة في كتاب (إخنوخ) وهو من الأسفار القديمة عند اليهود، ولكن الكنيسة بأقسامها الثلاث (وهي المجامع الكنيسية المتأخرة) اعتبرته سِفْرَاً غير قانوني.
ولكن الكنيسة الحبشية لا تزال تعتبره، والثابت أن المفسرين والمسلمين المتقدمين بما فيهم جماعة الصحابة رضوان الله عليهم اطلعوا على هذا السِّفْر، ولذلك ورد اسم (إخنوخ) في بعض التفاسير كتفسير القرطبي مثلاً عند تفسير قوله تعالى في حق سيدنا إدريس عليه السلام {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}مريم:57، وسِفْر (إخنوخ) اليهودي هذا يحتوي على قصة رحلة (إخنوخ) وهو سيدنا إدريس للسموات السبع وإعلانات الله لإخنوخ (كما يُعَبِّر)!!
وكذلك يحتوي - كما يقول - على تحذيرات إخنوخ لأبنائه!! وفي الفصل الثاني من سفر التكوين العدد (10و11و12و13و14) ورد ذكر هذه الأنهار الأربعة ببعض تغيير للأسماء وهي: فيحون وجيحون وحداقل والفرات. فالذي ألَّف القصة حور ودور في هذه الأسماء إلى ما يناسب معلومات العرب آنذاك فينبغي التدبر والتأمل والتفكر الدقيق في هذا الأمر!!
وهو أن بعض الإسرائيليات تسرَّبت إلى الأحاديث بل قد صنع بعضهم من بعضها أحاديث كاملة نسبوها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم! ولا أدل على ذلك مما اعترف به أئمة أهل الحديث وجهابذة فنونه.
وهو أن مثل حديث ((خلق الله التربة يوم السبت)) الوارد في صحيح مسلم (4/2149 برقم 2789) من طريق أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو في الواقع أو في الأصح كما قال الإمام البخاري شيخ مسلم في ((تاريخه الكبير)) (1/413-414) من رواية أبى هريرة عن كعب الأحبار اليهودي الأصل. فانقلب بعد ذلك على الرواة فأصبح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدل أن يظل من كلام كعب الأحبار اليهودي الأصل.
ومثل ذلك كثير، وأكثر ما يتعلق بموضوع الفتن والموت وأهوال يوم القيامة ووصف ذلك اليوم وما يحصل فيه وكذا ما يتعلق بالإسراء أو المعراج وأحاديث الشفاعة الطويلة قد دخلتها أشياء من الإسرائيليات.
وبالمناسبة فإننا نُنَبِّهُ على أن كتاب (الإسراء والمعراج) الذي يباع في الأسواق المنسوب لابن عباس ما هو إلا كذب وافتراء على سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما وهو من جملة الأكاذيب المدسوسة في هذه القضية، قضية الإسراء والمعراج، فتنبهوا لذلك ولا تغفلوا عنه.


الحواشي السفلية:

( 1 ) هل يعقل أن الملائكة بعد عشر سنوات من مبعثه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكونوا يعرفون بأنهّ قد بُعِثَ؟!! وإذا ثبت هذا بطل قول من قال إنه صلى الله عليه وآله وسلم مرسل للملائكة!!
( 2 ) أنا أُنزّه سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام من هذا، فهو لا يسمي ولا يصف سيد الخلق وشفيعهم ومن أخذ منه العهد والميثاق على الإيمان به بغلام!! وخاصة أنَّ سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان عمره ساعتئذ خمسين سنة!! ثمَّ أتساءل هل يجوز لنبي أن يتحسَّر ويبكي على أنَّ الذين يتبعون سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم أكثر ممن يتبعه هو؟!!
وأرى أن الفكر الإسرائيلي الذي أدخل بعض هذه التفاصيل على هذه القصة أو سردها بهذا الترتيب فلمَّا وصل إلى ذكر سيدنا موسى فيها وقف عنده وأظهر بعض ما يجول من الأفكار بذهن ذلك الفكر تجاه شريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ووضعها على لسان سيدنا موسى عليه السلام الذي أُنَزّهه أنا من هذا كله!!
ثمَّ لم يكتف بذلك بل بين أنَّ إدراك سيدنا موسى لعدم تحمّل هذه الأمة لخمسين صلاة فوق إدراك الله ـ جل جلاله وتعالى عما يقولون ـ لذلك!!! حتى جعل يُغَيِّر فيها حتى أوصلها لخمس ولم يدرك ذلك سيدنا محمد ولا سيدنا إبراهيم وجعلوا تجارب سيدنا موسى متفوقة على تجارب سيدنا محمد وسيدنا إبراهيم عليهما الصلاة والسلام وعلى إدراك الله تعالى لما يناسب عباده!! لكن غفل مُرَكِّب القصة بهذا السياق عن أنَّ سيدنا جبريل قد مرَّت عليه تجارب سيدنا موسى وما عاناه وكذا جميع تجارب ومعاناة الأنبياء والمرسلين فلم يتفطن لذلك وتفطنها سيدنا موسى عليه السلام الذي ينتمي واضع هذا السياق إليه وهو عليه السلام بريءٌ منه ومن عمله!! فتأملوا في هذا كله فما وجدتموه حقاً فخذوه وما سوى ذلك فانبذوه!! والمقصد في ذلك كله تنزيه الله سبحانه عما لا يليق به وكذا والأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام!! والحمد لله رب العالمين!! اللهم ارزقنا صدق العبودية والخضوع إليك!!
( 3 ) وقع استدلال المجسمة والمشبهة بهذه الجملة على موضوع العلو الحسي الذي يريدون
إثباته! ولا يتم لهم الاستدلال به!! وذلك لأنَّ معنى الجملة إن صحت وثبتت: أي ارجع إلى المكان الذي خاطبك فيه ربك أو أوحى إليك فيه فاسأله التخفيف!! لا أنَّ الله تعالى موجود في مكان معين يرجع إليه فيه!! ومما يؤكد ذلك أنَّ نفس سيدنا موسى صاحب هذه المحاورة في هذه القصة اـمّا كان في الدنيا وعلى وجه الأرض إذا أراد أن يناجي ربه ويكلمه كان يذهب إلى الطور فيكلمه ولا يعني ذلك أنَّ الله كان في الطور فافهم!! والله الهادي.
ثمَّ وجدت الإمام النووي رحمه الله تعالى يقول في ((شرح صحيح مسلم)) (2/214):
[قوله صلى الله عليه وآله وسلم (فرجعت إلى ربي) معناه: رجعتُ إلى الموضع الذي ناجيته منه أولاً فناجيته فيه ثانياً]. فالحمد لله تعالى على توفيقه.

Post Reply

Return to “مسائل وقضايا التوحيد والإيمان”