زيادة تحقيق في قضية الاستغاثة في قول المتمسلفين عندما نحاججهم ويضعفون ( تجوز الاستغاثة فيما يقدر عليه المخلوق ) :

القواعد والأصول العقائدية
أضف رد جديد
عود الخيزران
مشاركات: 852
اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm

زيادة تحقيق في قضية الاستغاثة في قول المتمسلفين عندما نحاججهم ويضعفون ( تجوز الاستغاثة فيما يقدر عليه المخلوق ) :

مشاركة بواسطة عود الخيزران »

زيادة تحقيق في قضية الاستغاثة في قول المتمسلفين عندما نحاججهم ويضعفون ( تجوز الاستغاثة فيما يقدر عليه المخلوق ) :

قال سماحة السيد العلّامة حسن السقاف في كتابه " عقد الزبرجد النضيد شرح جوهرة التوحيد ":

ينبغي هنا أن نلاحظ في حديث : (( الدعاء هو العبادة )) ، وحديث : (( وإذا سألت فاسأل الله ))( ) وأمثالهما أنه وإن كان ظاهرهما العموم لكن العموم غير مراد ، وهما مخصوصان بأدلة أخرى عند جميع العقلاء ، والقَرْنيون المتمسلفون يحتجون بعمومهما على أن سؤال أو دعاء غير الله تعالى كفر بل شِرْك أكبر على وجه العموم ، لكن إذا حوججوا ببعض الأدلة الشرعية التي فيها جواز سؤال الغير أو الاستغاثة بهم ، قالوا : ( إن هذا يجوز أو لا نزاع فيه لأنه من باب الاستغاثة والاستعانة بغير الله تعالى فيما يقدر المخلوق عليه ) ، فيخرجون عن القول بعموم الحديثين وأمثالهما من نصوص الكتاب والسنة ويناقضون أنفسهم .
ومن ذلك قول الألباني في (( سلسلته الصحيحة )) (5/591) عن حديث فيه استغاثة الناس يوم القيامة بسيدنا آدم ثم بسيدنا موسى ثم بسيدنا محمد عليهم صلوات الله تعالى وسلامه : [ وليس فيه جواز الاستغاثة بالأموات ، كما يتوهم كثير من المبتدعة الأموات ! بل هو من باب الاستغاثة بالحي فيما يقدر عليه( ) ، كما في قوله تعالى : { فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه .. } .. فالميت الذي يستغاث به من دونه تعالى أعجز منه ، فمن خالف ، فهو إما أحمق مهبول ، أو مشرك مخذول لأنه يعتقد في ميته أنه سميع بصير( ) ، وعلى كل شيء قدير ، وهنا تكمن الخطورة لأنه الشرك الأكبر ، وهو الذي يخشاه أهل التوحيد على هؤلاء المستغيثين بالأموات من دون الله تبارك وتعالى ، وهو القائل : { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُون } وقال : { وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } ] .
والرد على استدلالاته : أن المراد بالآية الأولى { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ .. } إنما هي الأصنام وقد بيَّن الله تعالى أنه ليس لهم أيدٍ يبطشون بها ولا أرجل يمشون بها.. ومعنى ( عباد أمثالكم ) أي مخلوقات أمثالكم ، أي أنهم غير عقلاء كما تجد ذلك في تفسير الطبري وابن كثير والقرطبي ، فالآية الكريمة لا يصح حملها على المؤمنين الموحِّدين الذين يتوسلون أو يستغيثون بالأنبياء الأحياء عند ربهم الذين يسمعونهم ويقدرون أن يدعو الله لهم بقضاء حوائجهم ! وكذلك القول في الآية الثانية مثل ما قلنا في الأولى ، فقد قال الحافظ ابن جرير الطبري في تفسيرها (10/403) :
[ قوله { ويوم القيامة يكفرون بشرككم } يقول تعالى ذكره للمشركين من عبدة الأوثان : ويوم القيامة تتبرأ آلهتكم التي تعبدونها من دون الله من أن تكون كانت لله شريكاً في الدنيا .. ] . ونقل ابن جرير هذا المعنى عن بعض أئمة السلف . والاستغاثة بالأنبياء سواء كانوا قبل الوفاة أو بعدها إنما هو بأمر أقدرهم الله تعالى عليه ! وأدلة الشريعة أفادت أن الأموات وخاصة الأنبياء والأولياء والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون وأنهم يسمعون كلام الأحياء وأنهم { فَرِحِينَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } آل عمران : 170 ، وقد صحح الألباني في صحيحته (621) حديث (( الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون )) ، وحديث الإسراء وفيه لقاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وحديث مسلم (2375) : (( مررت على موسى ليلة أُسْرِيَ بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره )) ، فالمتوسلون يدعون الله تعالى أن يقضي حوائجهم بمنزلة وجاه هؤلاء الأنبياء أو الأولياء أو الشهداء ، والمستغيثون يطلبون من الأنبياء .. أن يدعو الله تعالى لهم بقضاء حوائجهم ! فأيُّ شِرْكٍ في اعتقاد أنهم يسمعون نداءهم أو دعاءهم وأن الأنبياء يدعون الله تعالى لهم ؟ والمستغيثون لم يتخذوهم آلهة من دون الله تعالى ولا يعتقدون أنهم أرباب بل عباد مكرمون بخلاف ما فعله واقترفه عبدة الأصنام والأوثان المشركين ؟!
ومما يشابه كلام الألباني أيضاً ما كتبه بعض المتمسلفين في مقدمة كتاب
(( الغنية )) للخَطَّابي (1/55) حيث يقول : [ فهل يستطيع أحد من هؤلاء أن يأتي بحرف من القرآن أو من السنة الصحيحة على مشروعية التوسل بالصالحين أو الأنبياء والمرسلين فضلاً عن الاستغاثة بالرسول أو بغيره فإن الاستغاثة بغير الله شرك لا ريب فيها وأما التوسل فهو بدعة لا كفر ] . وهذا القائل ـ كما يظهر ـ من المكابرين والمعاندين المتعصبين ! فإن نصوص الشرع الدالة على ندب التوسل والاستغاثة والمأثور عن السلف وأهل الحديث كثيرة ! أما التوسل بالصالحين فيكفي في ثبوته ما رواه البخاري (1010و3710) من توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما وإقرار ابن تيمية لذلك في (( مجموع الفتاوى )) (1/104) ، وقال ابن كثير في تاريخه (14/45) وهو من رفقاء ابن تيمية وتلامذته إن ابن تيمية قال :
[ لا يستغاث إلا بالله ؛ لا يستغاث بالنبي استغاثة بمعنى العبارة وإنما يتوسل به ويُتَشَفَّع به إلى الله ] .
وأما الاستغاثة فإن عنى بقوله أن الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم شرك في حياته فهو باطل بشهادة أئمته وقد تقدَّم الآن قول الألباني بجواز الاستغاثة بالحي ، وإن عنى بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم فهو باطل أيضاً لأن الأنبياء أحياء عند ربهم ويسمعون من يصلي ويسلِّم عليهم ، وقد قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } النساء : 64 ، وهو عام في حياته وبعد وفاته ، وهو صلى الله عليه وآله وسلم يسمعهم بعد وفاته أو يبلّغه المَلَك ، بدلالة مثل حديث : (( .. وصلوا عَلّي فَإِن صَلاتكُمْ تبلغني حَيْثُ كُنْتُم )) رواه أبو داود (2042) وهو صحيح ، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا مَرْفُوعاً : (( مَا من أحد يسلم عَلّي إِلا رد الله إِلَيّ روحي حَتَّى أرد عَلَيْهِ السَّلام )) رواه أحمد (2/527) وأبو داود (2041) وغيرهما وهو صحيح . وحديث إن الميت ليسمع قرع نعال الناس إذا ذهبوا ، ونصه : (( الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ .. )) رواه البخاري (1338) ومسلم (2870)، وقال ابن تيمية في (( مجموع الفتاوى )) (27/384) : [ وهو صلى الله عليه وسلم يسمع السلام من القريب وتُبَلّغه الملائكة الصلاة والسلام عليه من البعيد ] . وقال الحافظ السخاوي في (( القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع )) ص (171) : (( يؤخذ من هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم حي على الدوام ، وذلك أنه محال عادة أن يخلو الوجود كله من واحد يسلِّم عليه في ليل أو نهار ونحن نؤمن ونصدق بأنه صلى الله عليه وآله وسلم حي يرزق في قبره، وأن جسده الشريف لا تأكله الأرض ، والإجماع على هذا )) . وقال ابن حزم في (( المحلى )) (1/25) : (( وأما الشهداء فإن الله عز وجل يقول: { ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله } ولا خلاف بين المسلمين في أن الأنبياء عليهم السلام أرفع قدراً ودرجة وأتم فضيلة عند الله عز وجل وأعلى كرامة من كل من دونهم ، ومن خالف في هذا فليس مسلماً )) .
ويقول أحد الرادين علينا بالباطل في كتاب سماه (( الإسعاف من إغاثة
السقاف )) ص (48) : [ وحتى لو ثبت سماع الأموات بل لو ثبت ذلك السماع الخارق الذي يعتقده القبورية لم يعد ذلك دليلاً على الإستغاثة فالاستغاثة بغير الله شرك لا تجوز وإليك البرهان : قال تعالى { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } النمل :62 ، قلت : ولا ريب أن دعاء المضطر استغاثة فانظر كيف جعل رب العالمين إثبات مستغاث غيره يلجأ إليه بالنوائب إثبات إله معه
سبحانه .. ] !
وعلى ذلك وحسب استدلال هذا المسكين فلو وقع أحد في ورطة أو في حالة اضطرار فسأل أخاً له أو أي إنسان أن يعينه على قضاء حاجته فإنه يكون مشركاً لأن الذي ينبغي أن يسأله المضطر هو الله سبحانه وتعالى لا غير ـ حسب ما يدعيه ويدل عليه إيراده لهذه الآية الكريمة ـ ! وقد قال الشوكاني في تفسيره (4/210): [ واللام في المضطر للجنس لا للاستغراق فقد لا يجاب دعاء بعض المضطرين لمانع يمنع من ذلك ] . ثم تأمل كيف يعترف بأن الأموات يسمعون بطرق ملتوية ثم يقول إن الاستغاثة بغير الله تعالى شرك ، وقد بينَّا أن الاستغاثة هنا معناها الطلب من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يدعو الله تعالى للسائلين بقضاء حوائج المستغيثين وهذا مما يقدر عليه الأنبياء والشهداء والأولياء بعد أن ثبت أنهم يسمعون ويستبشرون بالمؤمنين الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم..! ويناقض هذا المسكين فيقول في نفس كتابه ص (7) أيضاً : [ نحن لا نكفر من يسأل الخلق الأحياء أموراً يقدرون عليها ، بل حتى من يقع في الشرك لا نكفره حتى نقيم عليه الحجة ] ! ولو زاد فقال : ( وكذلك لا نكفر من استغاث بالأنبياء والشهداء والأولياء فيما يقدرون عليه من التوجه إلى الله سبحانه وتعالى ليقضي حاجات المتوسلين والمستغيثين لأنهم يسمعون النداء ) لأصاب !
ومثال المستغيثين برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياته ذلك الأعرابي الذي دخل على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخطب كما روى أنس بن مالك في الصحيحين فقال : ( إن رجلاً دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائماً فقال : يا رسول الله هلكت المواشي وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا .. ) ، فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم حي في قبره ويسمع فما المانع من سؤاله ؟! ومثال الاستغاثة به صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته ما ذكره الحافظ ابن حجر في (( فتح الباري )) (2/495) ونصه : [ روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الداري وكان خازن عمر قال أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا فَأُتِيَ الرَّجل في المنام فقيل له ائت عمر..
الحديث ] . وهو في مصنف ابن أبي شيبة (6/356) وتمامه : [ ائت عمر فأقرئه السلام وأخبره أنكم مسقيون ، وقل له عليك الكيس عليك الكيس ، فأتى عمر فأخبره ، فبكى عمر ، ثم قال : يا رب لا آلوا إلا ما عجزت عنه ] . وهذا الأثر قاطع لتخرصات المتمسلفين وقد حاولوا أن يضعفوه تارةً بتضعيف مالك الدار، وتارة أخرى بدعوى الانقطاع بين أبي صالح السمان ومالك الدار ، وكلها دعاوى باطلة مردودة ، وعلى فرض عدم صحته فما قدَّمناه قبل ذلك من الأدلة قاطع لشغبهم في هذه المسألة .
فقد ثبت مما قدمناه أن سؤال ودعاء غير الله تعالى ليس شركاً ولا كفراً بل ولا محرَّماً أومكروهاً ، بل قد يكون مستحباً ومطلوباً كالتوسل والاستغاثة بالأنبياء والمرسلين وسيد الخلق صلوات الله عليهم أجمعين ، وأن هذا لا يناقض التوحيد والإيمان ، كما دللنا عليه .
أضف رد جديد

العودة إلى ”القواعد والأصول العقائدية“