إغواء الرعاع ببطلان الإجماع في النقض على من يسوّق لأجماعات زائفة تدعي أن الله في السماء ( الحلقة الأولى):
؛ تحريرات سماحة العلّامة المحدث السيد حسن بن علي السقاف :
قال سماحته في رسالته المتينة التي جاءت تحت عنوان: (إغواء الرَّعاع بباطل الإجماع الذي تنقله المجسمة عن الصحابة والسلف والأتباع):
[ توطئة]:
{ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون}
{إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً}
قال أحمد بن حنبل فيمن ينقل الإجماعات المكذوبة غير الحقيقية:
(من ادَّعى الإجماع فهو كاذب).
[ مقصد الرسالة]:
(بيان تخبط المجسمة في نقلهم الإجماعات الخرافية الزائفة من غير تحقيق وفهم):
علق أحد المشبهة من السلفيين راداً على العبد الفقير في قناته الرسميّة على اليوتيوب بإيراد نصوص عديدة يثبت فيها أن هناك إجماعات على كون الله تعالى في السماء وفوق العرش، وسنذكر ما ذكره قطعة قطعة وإجماعاً إجماعاً ونبين فساده وعدم صحته، وأن هؤلاء القوم ينقلون ولا يعون أو يتدبرون، ولا يمكنهم أن يميزوا بين ما صحَّ وما لم يصح، ولا يستطيعون الربط بين هذه الإجماعات الخيالية الخرافية وبين الواقع الذي يقول بأن هناك في قرون السلف والصحابة رضي الله عنهم من يخالف هذه الإجماعات المزعومة المكذوبة! وسنميز كلام هذا المعترض الذي يسوق هذه الإجماعات الباطلة باللون الأزرق، فنقول وبالله تعالى التوفيق:
[ النقض المجمل ]:
في البداية نقدِّمُ نقضاً مُجملاً لما قاله هذا الناقل عن المجسمة؛ لنثبت أن بعض السلف - ومنهم صحابة كرام- كانوا يقولون بأن الله (بكل مكان) وهذا ينقض هذه الإجماعات المُدعاة التي ينقلها دون وعي عن المجسمة، ثم نفصِّل في نقض وهدم على كل إجماع ساقه هذا الرجل، فنقول:
أولاً: قاعدة مهمة في الموضوع نقدِّمها بين يدي الموضوع:
هناك خلاف حقيقي عند السلف حول هذه المسألة بحيث لا يصح بذلك نقل إجماع فيها، وكل إجماع يُنقل في أن السلف اتفقوا على أن الله في السماء أو فوق العرش فهو إجماع باطل:
بيان أن بعض السلف ومنهم صحابة كانوا يقولون بأن (الله بكل مكان)، وهذا يقابل قول السلف الذين يقولون بأنَّ (الله في السماء)! وبالتالي يَبْطُلُ ادّعاء نقل بعضهم الإجماع على كون الله في السماء أو فوق العرش! تعالى الله عن المكان وعن خلقه علواً كبيراً:
أيها الإخوة: نحن كما هو معلوم ننزه الله تعالى عن المكان والزمان وهو قول الأشاعرة والماتريدية ومنزهو الحنابلة والظاهرية والمعتزلة والإباضية والزيدية والإمامية، فكل هؤلاء مُتَّفقون على تنزيه الله تعالى عن المكان والزمان.
وإليكم النصوص عن الصحابة والسلف الناصة على (أن الله بكل مكان):
1- قال الحافظ السيوطي في كتابه "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" (1/470):
[أخرج عَبْدُ بن حُمَيد وَابنُ الْمُنْذر عَن عبد الله بن عبيد قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {ادْعُونِي أستجب لكم}، قَالُوا: كَيفَ لنا بِهِ أَن نَلْقَاهُ حَتَّى نَدْعُوهُ فَأنْزل الله: {وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني فَإِنِّي قريب} الْآيَة، فَقَالُوا: صدق رَبنَا وَهُوَ بِكُل مَكَان].
وكذا ذكره الحافظ ابن رجب الحنبلي في تفسيره (1/138).
2- وروى ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/491طبعة دار الفكر ضبطه اللحام) و (3/91نشر مكتبة الرشد) فقال:
[حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: كان يكره أن يقول: وإني سأتيك والله حيث كان. قال: الله بكل مكان.
ابن عيينة عن عمرو أن ابن عُمَر كان يكره أن يسمع الرجل يقول: لا والله حيث كان، فإنه بكل مكان].
انتهى من ابن أبي شيبة والأسانيد في هذا صحيحة!
وعمرو الراوي عن ابن عُمَر هو عمرو بن دينار، ورواية ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عمر وقعت في أحاديث متعددة ثابتة في صحيح البخاري ومسلم أي فهذا على شرط البخاري، مثاله في البخاري الحديث (6303) وفي مسلم الحديث (1080).
3- وروى الحافظ ابن جرير الطبري في تفسيره (21/157) قال:
[حُدِّثتُ عن المسيب بن شريك، عن أبي جعفر الرازيّ، عن الربيع بن أنس، قال: الأسباب: أدقّ من الشعر، وأشدّ من الحديد، وهو بكل مكان، غير أنه لا يُرى].
4- وروى الحافظ أبو نُعَيم في "حلية الأولياء" (4/380) قال:
[حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب، ثنا أبو العباس السَّراج، ثنا هناد بن السري، ثنا أبو الأحوص، عن زيد بن جبير قال: قال لي أبو البختري الطائي: لا تقل والله حيث كان، فإنه بكل مكان].
5-وفي "مسند الموطأ" للجوهري (ت381هـ) ص (152طبع دار الغرب/ بيروت1997م):
[حَبِيبٌ، قَالَ مَالِكٌ: يَتَنَزَّلُ أَمْرُهُ فِي كُلِّ سَحَرٍ، فَأَمَّا تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَهُوَ دَائِمٌ لا يَزُولُ وَهُوَ بِكُلِّ مَكَانٍ].
6- وقال أبو عبد الرحمن عبد الله بن يحيى بن المبارك (ت237هـ) في كتابه "غريب القرآن وتفسيره" ما نصه:
[{الرحمن على العرش استوى} استوى: استولى].
وكل من فسَّر الاستواء بالملك والاستيلاء والتدبير والسلطان ونحوه من السلف والخلف لا يقولون بأنه تعالى في السماء أو فوق العرش، ويمكن جمع أقوالهم وهي كثيرة. ومعهم أئمة أهل بيت سيدنا رسول الله في القرون الأولى والمعتزلة ومن يسمونهم بالجهمية وهم كثيرون جداً ولا ينعقد الإجماع دونهم. وقد أطلق أحمد بن حنبل على أبي ثور والحسين الكرابيسي وغيرهم ممن يخالفهم لفظ الجهمية، وهذا معروف ومشهور.
7- الحافظُ ابن جرير الطبري (ت310هـ) إذ قال في تفسيره (1/192):
[فيقال له: زعمتَ أنَّ تأويل قوله {اسْتَوَى} أقبل، أَفَكان مُدْبراً عن السماء فأقبل إليها؟ فإن زعم أن ذلك ليس بإقبال فعل ولكنه إقبال تدبير، قيل له: فكذلك فقل: علا عليها علو ملك وسلطان لا علو انتقال وزوال].
فالعلو عند الحافظ ابن جرير الطبري علو ملك وسلطان لا علو جهة ومكان!!
8- وقال الزجاج (ت311هـ) في "معاني القرآن" (1/254):
[وقوله عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} المعنى إذا قال قائل: أينَ اللَّهُ؟ فالله عزَّ وجلَّ قريب لا يخلو منه مكان، كما قال: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ}، وكما قال: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}].
9- الإمام أبو جعفر الطحاوي (238-321هـ)، قال في عقيدته المشهورة:
(لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات).
وهذا يوافق قول الإمام الماتريدي الذي سيأتي بعده الآن:
(كل ذلك يرجع إلى قرب العلم والإحاطة وارتفاع الجهات).
10- قال الإمام أبو منصور الماتريدي (ت333هـ) في تفسيره (2/48):
[ويحتمل: (فَإِنِّي قَرِيبٌ). قرب العلم والإجابة، لا قرب المكان والذات كقرب بعضهم من بعض في المكان؛ لأنه كان ولا مكان، ويكون على ما كان، وكذلك قوله: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، وكقوله: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)، (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ) كل ذلك يرجع إلى قرب العلم والإحاطة وارتفاع الجهات، لا قرب الذات على ما ذكرنا].
ونقتصر على هذا، فأين هذا الإجماع الذي ينقله المجسمة والحشوية عن الصدر الأول من أنه في السماء وفوق العرش؟!
علماً بأن ما ينقلونه عن كثيرين من السلف في أنه (في السماء) ونحو ذلك ويروونه بالأسانيد عنهم وما ينقلونه من الإجماعات لا يصح كما سنبين في هذه التعليقات وكذلك في تعليقاتنا الجديدة على كتاب "العلو" للذهبي.
[ الرد المفصل على الإجماعات التي نقلها هذا المتفلسف]:
قوله:
[الحمد لله ، نصدر هذا المقال بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - الذي يبين فيه حقيقة اعتقادنا في علو الله تعالى: قال شيخ الإسلام : " السلف والأئمة وسائر علماء السنة إذا قالوا " إنه تعالى فوق العرش ، وإنه في السماء فوق كل شيء " لا يقولون إن هناك شيئا يحويه ، أو يحصره ، أو يكون محلا له ، أو ظرفا ووعاء ، سبحانه وتعالى عن ذلك ، بل هو فوق كل شيء ، وهو مستغن عن كل شيء ، وكل شيء مفتقر إليه ، وهو عالٍ على كل شيء ، وهو الحامل للعرش ولحملة العرش بقوته وقدرته ، وكل مخلوق مفتقر إليه، وهو غني عن العرش وعن كل مخلوق " انتهى من"مجموع الفتاوى " (16/100-101)] .
أقول:
لا عبرة بأقوال ابن تيمية الحَرَّاني ولا قيمة لها عندنا وهو عندنا غير ثقة. وهو ينقل إجماعات قالها قبله بعض مخرفي المجسمة وهي إجماعات غير صحيحة ومنخرمة وباطلة ومصنوعة وموضوعة لا قيمة لها.
ولا أستعجب أو أستغرب من قول ابن تيمية الحَرَّاني في "بيان تلبيس الجهمية" (2/38):
[روى أبو بكر البيهقي في كتاب "الأسماء والصفات" بإسناد صحيح عن الأوزاعي..].
مع ما في هذا الإسناد عن الأوزاعي من طامات! كما سيأتي في آخر هذه الرسالة عند الكلام على الإجماع الذي نقله ابن تيمية عن الأوزاعي واعتمد عليه وهو من جملة الأكاذيب والخرافات!
وقوله:
[نقل الإجماع :
1. الامام اسحاق بن راهويه ( 238)
قال رحمه الله: قال الله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة.
ذكر اسناده الحافظ الذهبي في العلو (برقم 487) وصححه المحدث الألباني في مختصره.
قال الذهبي: اسمع ويحك إلى هذا الإمام كيف نقل الإجماع على هذه المسألة].
أقول:
لا يثبت هذا!! وقد قال الألباني الوهابي في مختصر العلو ص (194): [قلت: محمد بن الصباح النيسابوري لم أجد له ترجمة، ومثله أبو داود الخفاف..].
وقد عزاه ابن تيمية الحَرَّاني في "درء التعارض" (6/260) للخلال ولم أجده في "سنة الخلال" والذي روَّج هذا الأثر المردود المروي عن ابن راهويه: ابن تيمية كما تقدَّم، والذهبي في "العلو" هنا، وفي "سير أعلام النبلاء" (11/370)، وابن القيم في "اجتماع الجيوش الخرافية" والظن أن إسناده مركب وإن وجدوه في سنة الخلال، وإليكم الكلام على رجاله المذكورين:
أما (أبو بكر الخلال أحمد بن محمد بن هارون) فتوفي سنة (311هـ)، وهو من جملة المجسمة القائلين بالإقعاد.
وأما (المرُّوذي) فتوفي سنة (275هـ) وهو أيضاً من جملة المجسمة القائلين بالإقعاد.
وأما (محمد بن الصباح النيسابوري) فتوفي سنة (297هـ) أي بعد وفاة تلميذه المروذي الراوي عنه في هذا السند بِـ (22) سنة(!!) وهذا سند عجيب مع علمنا بأنه يجوز أن يروي الأكابر عن الأصاغر، لكن رواية المرّوذي عن هذا النيسابوري هنا مريبة. والنيسابوري ذكره الذهبي في "تاريخ الإسلام" (22/176التوقيفية) نقلاً عن "تاريخ نيسابور" للحاكم كما في "تلخيص تاريخ نيسابور" (برقم1070). وقد صرَّح متناقض عصرنا الألباني بأنه لا يعرفه كما تقدَّم!! فقال في "مختصر العلو" ص (194) معلقاً على هذا القول: [قلت: محمد بن الصباح النيسابوري لم أجد له ترجمة، ومثله أبو داود الخفاف، وقد مر الكلام عليه قريباً]. وأقول: (محمد بن الصباح) هو أبو عبد الله الخياط ترجمه السمعاني (506-562هـ) في "الأنساب" (5/247) فقال: [وأبو عبد الله محمد بن صباح الخياط من أهل نيسابور، سمع إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ وبشر بن الحكم وغيرهما، حدَّث عنه أبو بكر بن علي الحافظ وعلي بن عيسى، توفي سنة سبع وتسعين ومائتين، وكان ثقة]. لكن ذكره الذهبي في "تاريخ الإسلام" (22/176التوقيفية) نقلاً عن "تاريخ نيسابور" للحاكم كما في "تلخيص تاريخ نيسابور" (برقم1070) ولم ينقل توثيقه، فتوثيق السمعاني له مشكوك فيه كأنه من استنباطات السمعاني أو خطأ من ناسخ كتابه.
وأما شيخ النيسابوري: (أبو داود الخفاف) فقد قال عنه الألباني المتناقض في "مختصر العلو" ص (194) كما تقدَّم: [لم أجد له ترجمة]. مع أن هذا الراوي تَرْجَمَهُ ابن أبي حاتم الرازي في "الجرح والتعديل" (4/115) فقال: [سليمان بن داود أبو داود الخفاف النيسابوري روى عن يحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه صدوق]. وقول ابن أبي حاتم (صدوق) لا يعني أنه يُحْتَجُّ به، لأنه قال في عدة رواةٍ (صدوق) ونصَّ أن أباه قال: (ولا يحتج به)! ومن أمثلة ذلك: قول ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (8/382): [سألت أبي عن معاوية بن صالح فقال صالح الحديث حسن الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به]. وقال أبو حاتم: [أحمد بن هاشم: صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به] "الجرح" (2/80). كما بيناه بأمثلة عديدة في التعليق على النص رقم (360).
ثم الإجماع لا ينعقد بهذا الادّعاء المنقول عن إسحاق بن راهويه مع عدم ثبوت إسناده عنه؟! ومع وجود مَنْ ينزه الله تعالى عن المكان في عصر ابن راهويه وقبله، ومع وجود من يقول: (بأن الله بكل مكان) كما تقدَّم في المقدمة هنا.
فلا أريد أن أطيل بأكثر من هذا الآن، وهذا الذي ذكرناه ينادي بأن هذا القول المنقول عن ابن راهويه من جملة الخرافات!! وراجع التعليق على النص رقم (449). ثم إن هذه الإجماعات لا قيمة لها وهي سراب بقيعة! فمن ادَّعى الإجماع في مثل هذا فقد كذب حقاً، لا سيما وأن هناك من أهل العلم من يخالفهم فيها، ولو كان يعقل من قال هذا لقال بدل (إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى): (إجماع أهل الإسلام أن الرحمن على العرش استوى) لأن جميع أهل القبلة مقر بما في القرآن وإنما اختلفوا في معناه!
وقول الذهبي عقبه كما ترون في الأعلى بعدما نقل هذا القول الباطل عن ابن راهويه: [اسمع ويحك إلى هذا الإمام كيف نقل الإجماع على هذه المسألة الشريفة..].
وأقول: هذا الكلام كتبه الذهبي في أول حياته حيث كان غير متمكِّنٍ من صناعة الحديث ومعرفة العلل! ثم كيف نُصَدِّق بهذا الإجماع الخرافي بعدما نقلنا كل هذه النقول المذكورة عن السلف وفي كتبهم ومصنفاتهم (أنهم قالوا) إنه بكل مكان)! يا ذهبي هل خدعك ابن تيمية وطلمس على عقلك ولم يجعلك تبصر كل هذا الذي في الإسناد مما بينَّاه؟!
فهذا الإجماع المنقول عن إسحاق بن راهويه سراب بقيعة لمخالفته الواقع الذي هو وجود علماء يخالفون هذا الإجماع ولأن إسناده لا يصح والألباني قائل بعدم ثبوته! لكن وقع له قصور في تتبع الرواة الذين رووا هذا القول عن ابن راهويه! فلا يعوَّل على مثل هذه الخرافات!
وأما قول الوهابي المشاغب:
[ 2.الامام قتيبة بن سعيد (150-240) هـ :
قال رحمه الله: "هذا قول الائمة في الإسلام والسنة والجماعة: نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه، كما قال جل جلاله: (الرحمن على العرش استوى)".
ذكر اسناده الحافظ الذهبي في العلو ( برقم 470) وصححه المحدث الألباني في مختصره.
قال الذهبي: فهذا قتيبة في امامته وصدقه قد نقل الإجماع على المسألة،وقد لقي مالكا والليث وحماد بن زيد والكبار، وعمر دهرا وازدحم الحفاظ على بابه].
أقول:
هذا كذب لا يثبت! والذهبي يُرَدِّد في كتبه قوله: (وروى غير واحد عن أبي العباس السراج..)!!
وقوله (غير واحد) هما اثنان:
أولهما: النقاش وهو وضاع واهٍ له ترجمة في "لسان الميزان" (5/149) و "الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث" برقم (643) توفي سنة 351 هـ فالنقاش أحد الكذابين! واسمه: محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلي أبو بكر النقاش (266-351هـ) قال الذهبي في "معرفة القراء الكبار" (1/295): [وهو مصنف كتاب شفاء الصدور في التفسير وقد أتى فيه بالعجائب والموضوعات]. وقال الحافظ السيوطي في "طبقات المفسرين" ص (95): [ضعَّفه جماعة. قال البرقاني: كل حديث النقاش منكر. وقال طلحة بن محمد بن جعفر: كان يكذب في الحديث. وقال الخطيب: في حديثه مناكير بأسانيد مشهورة. وقال الذهبي: متروك ليس بثقة على جلالته ونبله]. أقول: يا ذهبي كيف يكون المتروك الذي يكذب في الحديث صاحبُ المناكير جليلاً نبيلاً!! وما قدَّمناه من كلامهم في جرح النقَّاش وأكثر منه مذكور في ترجمته أيضاً في "لسان الميزان" (5/132) وغيره. فما فائدة إيراد كلام هذا الكذاب الوضاع هنا في "العلو".
والثاني: أبو أحمد الحاكم (285- 378هـ) الذي روى هذا في كتاب "شعار أصحاب الحديث" ص (30برقم17)، ضمن نص طويل فيه أمور عديدة ليس عليها اتفاق بين أهل السنة والجماعة!! والسراج ولد سنة 218 وتوفي سنة 313هـ كما في "تاريخ بغداد" (1/248)، وسند كتاب أبي أحمد الحاكم ليس صحيحاً ولا يطمئن القلب له وراويه عنه هو (محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي) وقد ولد سنة (462هـ) وتوفي سنة (548هـ)، وبالتالي إسناده منقطع!!
فكيف يكون قتيبة قد نقل الإجماع ولم يصح النقل عنه أصلاً؟! لا سيما وفي عصره من المسلمين من يخالف هذه العقيدة الفاسدة التي تسمونها بعقيدة السلف؟! وهذا من خرط الذهبي ولا ريب!! وقد أخذه من شيخه الحَرَّاني لا حياه الله ولا بياه!!
إغواء الرعاع ببطلان الإجماع في النقض على من يسوّق لأجماعات زائفة تدعي أن الله في السماء ( الحلقة الأولى):
-
- Posts: 901
- Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm