إغواء الرعاع ببطلان الإجماع في النقض على من يسوّق لأجماعات زائفة تدعي أن الله في السماء ( الحلقة الثانية):
؛ تحريرات سماحة العلّامة المحدث السيد حسن بن علي السقاف :
قال سماحته في رسالته المتينة التي جاءت تحت عنوان: (إغواء الرَّعاع بباطل الإجماع الذي تنقله المجسمة عن الصحابة والسلف والأتباع):
وأما قول الوهابي المشاغب:
[3و4. الإمام أبو زرعة ت264 هـ والإمام أبو حاتم الرازيان ت 277 هـ
قال ابن أبى حاتم : سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان في ذلك ؟
فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا وشاما ويمنا فكان مذهبهم:
الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.…وأن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بلا كيف أحاط بكل شيء علما ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) رواه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد ( برقم 321)].
أقول:
هذا الإسناد هزيل لا يثبت. ووقع للألباني المتناقض فيه خبط عجيب! والرواة حنابلة من أولهم إلى آخرهم! وإليكم تفصيل هذا الإسناد:
1- فأما (أحمد بن أبي الخير 589-678هـ) فقد كان عمره عندما توفي شيخه ابن بوش (4سنوات) فلا عبرة بمثل هذه المرويات(!!) فما هي قيمة هذه الرواية! وترجمته كما في "تاريخ الإسلام" للذهبي (50/296): [أحمد بن أبي الخير سلامة بن إبراهيم بن معروف بن خلف المسند المعمر زين الدين أبو العباس الدمشقي الحداد الحنبلي المقريء الخياط الدلال، ولد في .. سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وتوفي والده الشيخ أبو الخير إمام حلقة الحنابلة وله خمس سنين ولم يسمعه شيئاً بل استجاز له، ثم سمع سنة ستمائة من أبي اليمن الكندي، ... وأجاز له من بغداد أبو الفرج بن كليب وأبو القاسم بن بوش وأبو الفرج ابن الجوزي ... سمع منه عمر بن الحاجب بعرفات سنة عشرين وستمائة وروى عنه الدمياطي وأبو العباس ابن الحلوانية وابن الخباز وابن العطار وابن جعوان والمزي وابن أبي الفتح وابن الشريشي وابن تيمية وأخوه أبو محمد والمجد بن الصيرفي وأبو محمد البرزالي وأبو بكر بن شرف وطائفة سواهم وقرأ عليه المزي شيخنا شيئاً كثيراً وسمع منه "حلية الأولياء" ورثاه بأبيات بعد موته وسألته عنه فقال: شيخ جليل متيقظ عُمِّرَ وتفرَّد بالرواية عن كثير من مشايخه وحدث سنين كثيرة وسمعنا منه الكثير وكان سهلاً في الرواية، وقال توفي يوم عاشوراء وقد قارب التسعين. قلت: كان إنساناً خيراً متواضعاً من أهل الرباط الناصري أضر بأخرة وكان فقيراً متعففاً أجاز لي جميع مروياته...].
2- وأما (يحيى بن بوش 510-593هـ): فقد كان عمره حينما توفي شيخه اليوسفي (6 سنوات) فلا عبرة بمثل هذه المرويات أيضاً(!!) وهو أبو القاسم يحيى بن أسعد بن بوش الأزجي الحنبلي الخباز. قال الذهبي عنه في "العبر" (4/283): [كان عامياً]. وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام" (42/153): [.. سمع الكثير في صغره بإفادة خاله علي بن أبي سعد الخباز من أبي طالب عبد القادر بن يوسف ... وأبي العز ابن كادش... ذكره أبو عبد الله الدُّبيثي وقال: كان سماعه صحيحاً بورك في عمره واحتيج إليه وحدَّث نحواً من أربعين سنة ولم يكن عنده من العلم شيء ... وآخر من روى عنه بالإجازة أحمد ابن أبي الخير تُوفي في ثالث ذي القعدة فجأة من لقمةٍ غص بها فمات، وكان فقيراً قانعاً وربما كان يُعطى على التسميع، وولد سنة عشر وقيل سنة ثمانٍ وخمسمائة..]. ومن شيوخه الحنابلة أبو العز ابن كادش وهو وضَّاع كبير يروي عقائد باطلة! روى عقيدة باطلة للشافعي عن شيخه العشاري وروى كتاب "الصفات" و"الرؤية" للدارقطني وكل ذلك باطل مردود! قال الحافظ ابن حجر في ترجمته في "لسان الميزان" (1/218): [أحمد بن عبيد الله أبو العز ابن كادش مشهور من شيوخ ابن عساكر، أقرَّ بوضع حديث وتاب وأناب انتهى (كلام الذهبي) وقد ساق له ابن النجار نسباً إلى عتبة بن فرقد السلمي الصحابي وقال: سمع الكثير بنفسه وقرأ على المشائخ وكتب بخطه وكان يكتب خطاً ردياً وكان يفهم طرفاً من علم الحديث وقد خرَّج وألَّف... وكان مخلطاً كذاباً لا يُحْتَجُّ بمثله، وللأئمة فيه مقال. وقال أبو سعد ابن السمعاني: كان ابن ناصر سيء القول فيه. وقال ابن الأنماطي: كان مخلطاً..]. وقال ابن عساكر: كان صحيح السماع واعترف لابن عساكر بأنه يضع الحديث. فملخص القول أن صحيح السماع هذا كذاب مخلِّط! والسلام.
3- وأما (أبو طالب اليوسفي 434تقريباً-516هـ): فقد روى عن شيخه البرمكي وهو ابن (10-11 سنة) وهو عبد القادر بن محمد بن عبد القادر البغدادي، وهو حنبلي. قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (19/386): [الشيخ الأمين الثقة العالم المسند.. قال السمعاني: شيخ صالح ثقة دين متحر في الرواية]. قلت: لم أر له توثيقاً في كتاب "الأنساب" للسمعاني. ولا في كتبه الأخرى التي بحثت فيها.
4- وأما (أبو إسحاق البرمكي) (361-445هـ): فهو كما قال الخطيب في تاريخه (6/139): [إبراهيم بن عمر بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن بهران أبو إسحاق المعروف بالبرمكي سمعت من يذكر أن سلفه كانوا يسكنون قديماً ببغداد في محلة تعرف بالبرامكة وقيل بل كانوا يسكنون قرية تسمى البرمكية فنسبوا إليها... كتبنا عنه وكان صدوقاً ديناً فقيهاً على مذهب أحمد بن حنبل وله حلقة الفتوى في جامع المنصور..].
5- وأما (علي بن عبد العزيز 387هـ) فهو البرذعي البزاز التاجر كما قال الخطيب البغدادي في تاريخه (12/30) وهذا نصه: [علي بن عبد العزيز بن مردك بن أحمد بن سندويه بن مهران بن أحمد أبو الحسن البرذعي البزاز نسبه أبو عبد الله بن بكير سكن بغداد وحدَّث بها عن عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ... وكان ثقة. سمعت القاضي أبا عبد الله الصيمري يقول: كان علي بن عبد العزيز بن مردك أحد الصالحين ترك الدنيا عن مقدرة واشتغل بالعبادة، قال: وكان أحد الباعة الكبار ببغداد فاعتزل الناس ولزم المسجد]. وهو مترجم أيضاً في "تاريخ الإسلام" للذهبي (27/149) و"التدوين في أخبار قزوين" للرافعي القزويني (3/368)، وتوثيق الخطيب له فيه إشكال فإنه لم ينقل ذلك عمن عاصر ابن مردك ولقيه. وبين وفاته ووفاة شيخه أبي حاتم ستون سنة. فإنَّ ابن أبي حاتم توفي سنـة (327) هـ وهذا توفي سنة (387) كما في ((تاريخ بغداد)) (12/30).
ومن الخطأ الظاهر ما وقع به متناقض عصرنا الألباني في "مختصر العلو" ص (205) حيث قال: [علي بن عبد العزيز وهو البغوي وهو ثقة ثبت]. والصواب أنه ليس البغوي بل هو البرذعي البزاز. إذ كيف يكون علي بن عبد العزيز البغوي المتوفى سنة (287هـ) وهو مترجم في "تهذيب التهذيب" (7/316) والراوي عنه البرمكي ولد سنة (361هـ)؟! فالشيخ توفي قبل ولادة التلميذ بـ (74سنة)!!
ثم قال متناقض العصر عقب ذلك: [وعلي بن مردك ولم أعرفه]، قلت: هو هو نفسه! جعله رجلين وهو واحد علي بن عبد العزيز بن مردك! فلم يعرفه بالاسمين! وجعله اثنين!
6- و(ابن أبي حاتم) لا نطمئن لما ينقله لنا من هذه العقائد كما أثبتنا ذلك في التعليق الجديد والقديم على كتاب "العلو" للذهبي وسيأتي بعد قليل شيء من ذلك إن شاء الله تعالى.
ومن تأمل هذه العقيدة التي يقال بأنه نقلها عن أبيه وأبي زرعة وجد فيها أموراً ادَّعوا أنها قول أهل السنة مع أن أهل السنة مختلفون في بعض قضاياها، ونجد شدة في تكفير المخالفين في بعض مسائلها المختلَف فيها! وكأنها هي القاعدة أو الأساس لما يُدَّعَى أنه مذهب أهل السنة وأن المخالف فيها كافر أو مبتدع ضال!
ولنعرض تلك العقيدة كما في كتاب اللالكائي (1/197): [أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبَشٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِم، قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ مَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أُصُولِ الدِّينِ، وَمَا أَدْرَكَا عَلَيْهِ الْعُلَمَاءَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَار، وَمَا يَعْتَقِدَانِ مِنْ ذَلِك، فَقَالَا: أَدْرَكْنَا الْعُلَمَاءَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ حِجَازاً وَعِرَاقاً وَشَاماً وَيَمَناً فَكَانَ مِنْ مَذْهَبِهِمُ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ بِجَمِيعِ جِهَاتِهِ، وَالْقَدَرُ خَيْرُهُ وَشَرُّهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَهُمُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ، وَأَنَّ الْعَشَرَةَ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهِدَ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ، وَالتَّرَحُّمُ عَلَى جَمِيعِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ وَالْكَفُّ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ. وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا كَيْفٍ، أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}الشورى:11. وَأَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُرَى فِي الْآخِرَةِ، يَرَاهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ بِأَبْصَارِهِمْ وَيَسْمَعُونَ كَلَامَهُ كَيْفَ شَاءَ وَكَمَا شَاءَ. وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَهُمَا مَخْلُوقَانِ لَا يَفْنَيَانِ أَبَدًا، وَالْجَنَّةُ ثَوَابٌ لِأَوْلِيَائِهِ، وَالنَّارُ عِقَابٌ لِأَهْلِ مَعْصِيَتِهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَالصِّرَاطُ حَقٌّ، وَالْمِيزَانُ حَقٌّ، لَهُ كِفَّتَانِ، تُوزَنُ فِيهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا حَقٌّ. وَالْحَوْضُ الْمُكْرَمُ بِهِ نَبِيُّنَا حَقٌّ. وَالشَّفَاعَةُ حَقٌّ، وَالْبَعْثُ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ حَقٌّ. وَأَهْلُ الْكَبَائِرِ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَلَا نُكَفِّرُ أَهْلَ الْقِبْلَةِ بِذُنُوبِهِمْ، وَنَكِلُ أَسْرَارَهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَنُقِيمُ فَرْضَ الْجِهَادِ وَالْحَجِّ مَعَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ دَهْرٍ وَزَمَانٍ. وَلَا نَرَى الْخُرُوجَ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَلَا الْقِتَالَ فِي الْفِتْنَةِ، وَنَسْمَعُ وَنُطِيعُ لِمَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمْرَنَا وَلَا نَنْزِعُ يَداً مِنْ طَاعَةٍ، وَنَتَّبِعُ السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ، وَنَجْتَنِبُ الشُّذُوذَ وَالْخِلَافَ وَالْفُرْقَةَ. وَأَنَّ الْجِهَادَ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ مَعَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُبْطِلُهُ شَيْءٌ. وَالْحَجُّ كَذَلِكَ، وَدَفْعُ الصَّدَقَاتِ مِنَ السَّوَائِمِ إِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. وَالنَّاسُ مُؤَمَّنُونَ فِي أَحْكَامِهِمْ وَمَوَارِيثِهِمْ، وَلَا نَدْرِي مَا هُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ مُؤْمِنٌ حَقّاً فَهُوَ مُبْتَدِعٌ، وَمَنْ قَالَ: هُوَ مُؤْمِنٌ عِنْدَ اللَّهِ فَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَمَنْ قَالَ: هُوَ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ حَقّاً فَهُوَ مُصِيبٌ. وَالْمُرْجِئَةُ وَالْمُبْتَدِعَةُ ضُلَّالٌ، وَالْقَدَرِيَّةُ الْمُبْتَدِعَةُ ضُلَّالٌ، فَمَنْ أَنْكَرَ مِنْهُمْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَعْلَمُ مَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ فَهُوَ كَافِرٌ. وَأَنَّ الْجَهْمِيَّةَ كُفَّارٌ، وَأَنَّ الرَّافِضَةَ رَفَضُوا الْإِسْلَامَ، وَالْخَوَارِجَ مُرَّاقٌ. وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ كُفْراً يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ. وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ مِمَّنْ يَفْهَمُ فَهُوَ كَافِرٌ. وَمَنْ شَكَّ فِي كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَوَقَفَ شَاكّاً فِيهِ يَقُولُ: لَا أَدْرِي مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَهُوَ جَهْمِيٌّ. وَمَنْ وَقَفَ فِي الْقُرْآنِ جَاهِلاً عُلِّمَ وَبُدِّعَ وَلَمْ يُكَفَّرْ. وَمَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ جَهْمِيٌّ أَوِ الْقُرْآنُ بِلَفْظِي مَخْلُوقٌ فَهُوَ جَهْمِيٌّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: وَعَلَامَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ الْوَقِيعَةُ فِي أَهْلِ الْأَثَرِ، وَعَلَامَةُ الزَّنَادِقَةِ تَسْمِيَتُهُمْ أَهْلَ السُّنَّةِ حَشْوِيَّةً يُرِيدُونَ إِبْطَالَ الْآثَارِ. وَعَلَامَةُ الْجَهْمِيَّةِ تَسْمِيَتُهُمْ أَهْلَ السُّنَّةِ مُشَبِّهَةً، وَعَلَامَةُ الْقَدَرِيَّةِ تَسْمِيَتُهُمْ أَهْلَ الْأَثَرِ مُجْبِرَةً. وَعَلَامَةُ الْمُرْجِئَةِ تَسْمِيَتُهُمْ أَهْلَ السُّنَّةِ مُخَالِفَةً وَنُقْصَانِيَّةً. وَعَلَامَةُ الرَّافِضَةِ تَسْمِيَتُهُمْ أَهْلَ السُّنَّةِ نَاصِبَةً. وَلَا يَلْحَقُ أَهْلَ السُّنَّةِ إِلَّا اسْمٌ وَاحِدٌ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَجْمَعَهُمْ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ]. فما جعلناه باللون الغامق المميَّز فهو مما اختلف الصحابة أو أهل السنة فيه وبعضه باطل!
والمعروف أنَّ أبا زُرعة وأبا حاتم لم يكونا يَرَيان الكلام في هذا الموضوع ولا التصنيف فيه كصديقهما أحمد بن حنبل!! وهذا مما يؤكِّد أنَّ هذا الكلام موضوع عليهما!! ولئن ثبت فما قول الرجال بحجة من حجج الشرع وخاصة مع وجود المخالفين الكثيرين لهما ولغيرهما!!
ومما يجب أن يلتفت إليه الباحث ويتنبَّه له أنَّ أسانيد هذه الروايات كلها تدور على الحنابلة المجسمة ومنهم ابن بَطَّة وغيره وهم من المشهورين في وضع العقائد وانتحال القصص والأقوال!!
ولذلك فقد اعترف المتناقض الألباني!! في "مختصر العلو" ص (205) بأنَّ في أسانيد هذه عن أبي حاتم وأبي زرعـة أشخاصاً لم يعرفهم ولم يقف على مَن وثَّقهم عند ابن العماد!! ومع ذلك يقول ليروّج بدعته: ((هذا صحيح ثابت عن أبي زرعة وأبي حاتم)) و ((هذا إسناده جيد)) مع اعترافه بأنَّ في هذا السند من يجهل حاله!! فتأملوا كيف يكون التعصب للباطل!!
ومما يجدر التنبيه عليه أنَّ أحد المبتدعة في عصرنا من أعداء السنة الصحيحة واسمه محمود محمد الحداد وهو مصري وهابي مجسِّم جَلْدٌ كان في الرياض ثم أخرجوه منها فرجع إلى بلده وقد نشر كتاباً تحت اسم "عقيدة أبي حاتم وأبي زُرعة"!! وأتى فيه بالطم والرم وعليه مؤآخذات كثيرة وحذف وبتر لما وجده في المخطوطة التي ينقل منها!! فأسأل الله تعالى أن يطهر الأرض منه ومن أمثاله من الذين يعيثون في الأرض فساداً وإفساداً إنه سميع مجيب!!
وأما إسناد اللالكائي الذي ذكره الذهبي فلا نتعرض لجميع رجاله وإنما لآخره الذي رواه اللالكائي في "شرح عقائد السنة" (1/197/321) عن محمد بن المظفر المقرئ، عن الحسين بن محمد بن حبش المقرئ، فنقول: أما (محمد بن المظفر المقرئ ت415هـ) فترجمه الخطيب البغدادي في تاريخه (3/265) وقال: [كتبت عنه وكان شيخاً صالحاً فاضلاً صدوقاً]. وكلام الخطيب يشعر أنه ليس بذاك والصدوق كما تقدم لا يحتج به!
وأما (الحسين بن محمد بن حبش المقرئ ت373هـ)، فموثوق في علم القراءات لكن لم ينقل عن أحد توثيقه في الحديث، كما سيأتي بعد أسطر، وأستبعد أن يروي عن ابن أبي حاتم هذه العقائد! ومن الغريب إن ثبتت هذه العقيدة عن أبي زرعة وأبي حاتم أن تصدر منهما هذه الدعاوى وأن أهل السنة متفقون عليها وفيها خلاف طويل جارٍ بين أئمة أهل السنة! وما ينقله ابن أبي حاتم من العقائد لا يوثق به كما قلنا مراراً ومن ذلك أنه نقل قولاً للإمام الشافعي وزاد فيه كلاماً من عنده كما جاء في التعليق على النص رقم (414)! وقد نص على ذلك البيهقي في "الأسماء والصفات" ص (255-256) وبين أنَّ هذه الزيادة من ابن أبي حاتم إذ قال البيهقي عقبها هناك: [زاد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الحنظلي في هذه الحكاية عن الربيع عن الشافعي رضي الله عنه: لأنَّ هذا مخلوق وذلك غير مخلوق] وهذا أمر خطير من ابن أبي حاتم يجعلنا لا نثق بما ينقله ويرويه في هذه البابة ونحوها!!
قال ياقوت الحموي في "معجم البلدان" (3/121): [وكان أَهْلُ الرَّيِّ أهلَ سُنَّةٍ وجماعةٍ، إلى أن تغلَّبَ أحمدُ بنُ الحَسَنِ المَارْدَانِيُّ عليها، فأظهَرَ التشيُّعَ، وأكرَمَ أهلَهُ وقرَّبهم، فتقرَّبَ إليه الناسُ بتصنيفِ الكتبِ في ذلك، فصنَّفَ له عبدُالرحمنِ بنُ أبي حاتم كتاباً في فضائلِ أهلِ البيت وغيره، وكان ذلك في أيامِ المُعْتَمِدِ وتغلُّبِهِ عليها في سنة 275، وكان قبل ذلك في خِدْمةِ كوتكين بن ساتكين التُّرْكي].
(ملاحظة): لم يقف الألباني على توثيق لابن حبش ولذلك قال في "مختصر العلو" ص (205): [والحسين بن محمد بن حبش المقرئ هو أبو علي الدِّيْنَوَري صاحب موسى بن جرير الرقي، أورده ابن العماد في وفيات سنة "373"، ولم يزد! والظاهر من ترجمة ابن المظفر في "تاريخ بغداد" المتقدمة، أنه ورد بغداد إن لم يكن من مواليدها لتحديث ابن المظفر عنه بها، ومع ذلك فلم يترجم له الخطيب فيه. والله أعلم. ولكنه لم يتفرَّد به، فقد تابعه عند المصنف علي بن عبد العزيز وهو البغوي وهو ثقة ثبت، وعلي بن مردك ولم أعرفه]. وفي كلامه هذا سلسلة من الأخطاء تقدَّم بعضها! وهذه الأخطاء هي:
1- أن ابن حبش وإن لم يقف ابن العماد على توثيقه فقد نقل الذهبي في "تاريخ الإسلام" (26/538): [قال أبو عمرو الدَّاني: ... متقدِّم في علم القراءة مشهور بالإتقان ثقة مأمون]. وقال الذهبي في "معرفة القُرَّاء الكبار" ص (182): [قال ابن الجزري: حاذق ضابط متقن]. وهذا كله عندنا في القراءات ولا يشمل ذلك الحديث والرواية فكم من إمام في القراءات ضعفوه في الرواية، وهذا مشهور. ولذلك جاء في ترجمته في كتاب "الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء" لمجموعة من الباحثين: [قال الدَّاني: متقدم في علم القراءات مشهور بالإتقان ثقة مأمون].
ولو وقف المتناقض على هذا لطنطن وأبرق وأرعد به! وأبو عمرو الدَّاني لا عبرة عندنا بتوثيقاته فهو مجسم مالكي يظهر هذا من منظومته "المُنَبِّهة" في القراءات التي أورد فيها قسماً في العقائد وذم فيها الإمام أبا حنيفة وأصحابه وشتم المعتزلة بأقبح الشتائم ونصَّ على وجوب اعتقاد نزول الرب سبحانه وتعالى عما يقول إلى السماء وغير ذلك من الطامات في العقائد. وكذا يقول الداني في كتابه المسمى "الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة في الاعتقادات وأصول الديانات" وفيها إثبات العينين واليدين والوجه والنزول ونحو ذلك!
2- أن علي بن عبد العزيز ليس هو البغوي كما تقدَّم قبل أسطر موثَّقاً مدلَّلاً وإنما هو (علي بن عبد العزيز بن مردك)!
3- أن علي بن مردك هو نفسه علي بن عبد العزيز بن مردك كما تقدم!
والإسناد الثالث الذي ذكره الذهبي هنا عقب ما تقدَّم، فيه: علي بن عبد العزيز بن مردك، وقد سبق الكلام عليه، والإسناد إليه فيه أبو الفضل الطوسي، وهو أحمد بن الحسن بن علي بن إسحاق، مجهول الحال، ترجمته في "التحبير في المعجم الكبير" (2/343) للسمعاني. وهو أيضاً في كتاب "المنتخب من معجم شيوخ السمعاني" (1787). ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. فعندنا لا تصح هذه العقيدة عن قائليها لما بيناه.
إغواء الرعاع ببطلان الإجماع في النقض على من يسوّق لأجماعات زائفة تدعي أن الله في السماء ( الحلقة الثانية):
-
- Posts: 901
- Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm