أهل الحديث ودورهم في تحريف الحديث وحقائق التّاريخ:

قواعد المصطلح وعلوم الحديث
Post Reply
عود الخيزران
Posts: 901
Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm

أهل الحديث ودورهم في تحريف الحديث وحقائق التّاريخ:

Post by عود الخيزران »

أهل الحديث ودورهم في تحريف الحديث وحقائق التّاريخ:

يحاول بعض الباحثين تصوير المحدّثين في التّراث السنيّ على أنهم جهة موضوعيّة معياريّة تتعامل مع معطيات التّراث وفق الموازين العلميّة، في حين أنّ الحقائق الواقعية تكشف عن دورٍ خطيرٍ ومؤثّر قاموا به، حيث مارسوا صنوفاً من التّعتيم والتحريف ستراً لحقائق التاريخ؛ انطلاقاً من خلفيّات مذهبيّة متعصّبة، جافَتْ الأمانة والموضوعيّة، ورجّحت الانتصار لنظرتهم المثاليّة تجاه الصّحابة، حيث تركّز عملهم على بذل أكبر جهد ممكن لستر الجانب المظلم عند بعض الصحابة المنحرفين عن سيرة النبيّ -صلى الله عليه وآله-.
وكنتُ قبل سنوات، قد نشرتُ كتاب «كشف التحريفات في كتب الحديث والتاريخ»، وعرضت فيه عشرات النماذج التي تعكس هذه الحقيقة بوضوح، والعزمُ قائمٌ على إلحاق مستدرك به، يستوعب نماذج كثيرة تؤكّد هذه المسألة كمّاً وكيفاً، وأنّ هذه السّمة ليست أمراً عابراً، بل هي ظاهرةٌ مكرّسة وراسخة رافقت متون الحديث والتاريخ في طول مسيرة تدوينهما.
وقد أحببت عرض نموذج جديد، على أن تُنشر النماذج الأخرى في الوقت المناسب إن شاء الله تعالى.
روى مالك بن أنس في «الموطّأ» -برواية أبي مصعب الزّهريّ-: (عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار أنّ معاوية باع سقاية من ذهبٍ أو وَرِقٍ بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدّرداء: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ينهى عن مثل هذا، إلّا مثلاً بمثل. فقال له معاوية: ما أرى بهذا بأساً. فقال أبو الدّرداء: من يعذرني من معاوية؟ أخبره عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويخبرني عن رأيه، لا أُساكنك بأرضٍ أنت بها. ثمّ قدم أبو الدّرداء على عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فذكر له ذلك، فكتب عمرُ إلى معاوية: لا تَبِعْ ذلك إلّا مثلاً بمثلٍ أو وزناً بوزنٍ)، انظر: الموطأ، ج٣، ص٦٧-٦٨، رقم الحديث ١٧٧٥.
والرّواية في «الموطّأ» برواية يحيى بن يحيى اللّيثيّ الأندلسيّ أيضاً، انظر: الموطأ، ج٢، ص١٥٩، رقم الحديث١٨٤٨.
وهذه الرواية صريحةٌ في عمل معاوية بن أبي سفيان بالرّبا، وعدم تراجعه عن ذلك رغم سماعه بالنّهي الوارد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهذا ما أغضب أبا الدّرداء منه، ودفعه إلى مغادرة الشّام إلى المدينة.
وقد نقل ابن بطّة العكبريّ هذه الرّواية في «الإبانة الكبرى» بإسناده عن مالك بن أنس، إلّا أنّ اسم معاوية قد أُبهِمَ في الرّواية، وجُعل مكانه لفظ «رجل» و«فلان»، قال: (حدّثنا أبو القاسم حفص بن عمر، قال: حدّثنا أبو حاتم، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال: حدّثني مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار أنّ رجلاً باع كسرةً من ذهبٍ أو وَرِقٍ بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدّرداء رضي الله عنه: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن مثل هذا إلّا مثلاً بمثلٍ. فقال الرّجل: ما أرى بمثل هذا بأساً. فقال أبو الدّرداء: من يعذرني من فلانٍ؟ أُحدِّثُه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويخبرني عن رأيه! لا أُساكِنك بأرضٍ أنتَ بها. ثمّ قدم أبو الدّرداء على عمر بن الخطّاب، فذكر ذلك له، فكتب عمر بن الخطّاب إلى الرّجل أن لا تبيع ذلك إلّا مثلاً بمثلٍ، وزناً بوزنٍ)، انظر: الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة، ج١، ص٨٧، رقم الحديث ١٠١.
نقلاً عن صفحة الأستاذ إبراهيم جواد.
Post Reply

Return to “قواعد المصطلح وعلوم الحديث”