متن العقيدة الإسلامية: الحلقة التاسعة / ذم التقليد وعدم استخدام العقل :

القواعد والأصول العقائدية
أضف رد جديد
عود الخيزران
مشاركات: 943
اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm

متن العقيدة الإسلامية: الحلقة التاسعة / ذم التقليد وعدم استخدام العقل :

مشاركة بواسطة عود الخيزران »

متن العقيدة الإسلامية: الحلقة التاسعة / ذم التقليد وعدم استخدام العقل :
قال سماحة السيد المحدّث حسن السقاف في كتابه "متن العقيدة والتوحيد":

والتقليد مذموم لا يأتي بخير، وهو أن يصمم الإنسان على عدم استعمال عقله وعلى تعطيله وعدم التفكر والنظر وأن يتخذ هذا مسلكا ويقنع نفسه بأنه لن يكون يوماً ما شيئا مذكوراً أو صاحب فهم ومعرفة بل شيخه أو إمامه هو الفاهم وحده، وهو أن يقبل الإنسان كلام غير الله ورسوله دون دليل فيتبعه ولا يلتفت للأدلة مع قدرته على الفهم والمقارنة والنظر، وهو يؤدي بالإنسان إلى عدم استعمال عقله وتعطيله، ولذلك قال بعض الأصوليين: (لا فَرْقَ بين مُقَلَّد ينقاد وبهيمة تقاد) ومن ترهات التقليد ينشأ التعصب واعتقاد عصمة مقلده والدفاع عنه بالباطل، والتقليد في التوحيد أشد ذما من التقليد في الفقه ولا يجوز لأنه يفيد التردد في أصول الدين أي التردد في الاعتقاد الذي يطلب فيه القطع وعدم الشك، ولأن صاحبه لا يريد أن يتأمل وغير مستعد لأن يستوعب ويميز بين الخطأ والصواب والحق والباطل، وقد ذم العلماء التقليد (١)، لأن الله تعالى ذكر في كتابه الكريم أن دينه وما أرسـل بـه رسـلـه يقوم على (البرهان) الذي هو ( الدليل ) الذي يفيد ثبوت الشيء وكونه (حجة ) من ذلك قوله تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ الأعراف : ٣. وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِينا النساء : ١٧٤، وقوله تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ عَالِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ الأنبياء : ٢٤ ، فتبين من هذه الآيات الكريمة أن مسألة الإيمان وبعثة الرسل والدين الذي أرسل الله تعالى به رسله وأنبياءه قائم على النظر بالبراهين والحجج والأدلة، وليست دعوى بلا دليل. وقد بين سبحانه أن جميع الرسل بينوا للناس الحقيقة ولم يأمروهم باتباعهم على عمى، قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ الرعد : ١٩. وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا الفرقان: ٧٣، وهذه من أبلغ الآيات في المعنى المراد وهي أن المؤمنين ينبغي أن يكونوا علماء بآيات الله وفاهمين لها، وفيها ذم للمقلد والجاهل، ويضاف إلى ذلك كله الآيات التي بينت فضل العلماء على الجهلاء، مثل قوله تعالى : وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ غافر : ٥٨ ، ومن آيات ذم تقليد الآباء في العلم والنسب قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ءَابَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ المائدة: ١٠٤ ، وقال تعالى: بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) الزخرف: ٢٢، وقال تعالى: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا .. يونس : ۷۸، (٢) وتَفَلْسُفُ بعضهم وهو يحاول إقناع الناس بعدم جواز الخروج عما يقوله بعض الشراح وأصحاب الحواشي وأن مخالفتهم تُخْرِجُ الإنسان من أهل السنة خطأ يُرَسِّخُ التقليد الأعمى ويسبب الاغترار وعدم الوعي بما في تلك الكتب من بعض المسائل الباطلة التي لا دليل عليها (٣).

وأما العامي الذي لا يمكنه الفهم والاستيعاب فليس له إلا تقليد العالم المجتهد الجامع للشرائط، وعليه أن ما أمكنه، لقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ النحل : ٤٣ والأنبياء: ٧، ولقوله تعالى: ﴿وَلَوْ يتفهم ويعي . رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ النساء : ٨٣


الحواشي السفلية :

(١) قال الإمام الغزالي في "المستصفى" (۳۸۷/۲): [التقليد هو قبول قول بلا حجة وليس ذلك طريقاً إلى العلم لا في الأصول ولا في الفروع، وذهب الحشوية والتعليمية إلى أن طريق معرفة الحق التقليد، وأن ذلك هو الواجب، وأن النظر والبحث حرام، ويدل على بطلان مذهبهم مسالك ..... وقال في "المستصفى " ( ١ / ٢٣٤) أيضاً : [ فَالتَّقْلِيدُ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ، فَإِنَّ الْخَطَأَ جَائِزٌ عَلَى الْمُقَلَّدِ، وَالْمُقَلِّدُ مُعْتَرِفٌ بِعَمَىٰ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَدَّعِي الْبَصِيرَةَ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ عَنْ نَظَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ فَهَذَا أَصْلُ الدَّلِيل ]. وقال العلامة العطار في حاشيته الأصولية ( ٢ / ٤٤٢ - ٤٤٣) : [ التقليد هو الأخذ بقول الغير كأنه أخذه قلادة في عنقه فهو تابع له تبع الدابة لقائدها، ولذلك قيل لا فَرْقَ بين مُقَلِّد يَنْقاد وبهيمة تقاد، وأما التلامذة فإنهم بعد إرشاد المشايخ لهم إلى الأدلة فهم عارفون لا مقلدون].

(٢) وروى البخاري (٨٦) ومسلم (۹۰۵) حديثاً فيه أن الملائكة تسأل الإنسان المرتاب بعد موته عن الرسول فيقول ذلك المرتاب: (لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته). قال ابن حجر في "الفتح" (٢٤٠/٣): (وفيه ذم التقليد). وقال اللقاني في "الجوهرة": (إِذْ كلَّ مَنْ قَلَّدَ في التوحيد / / / إيمَانُهُ لَمْ يَخْلُ مِنْ تَرْدِيدِ ) وقال المَقَري في "إضاءة الدجنة": ( لأنَّهُ بنورِهِ يُنْقِذُ مِنْ / / / ظُلْمَةِ تَقْلِيدِ فَنَفَعُهُ ضَمِنْ).

(٣) بيان أن بعض علماء أهل السنة وصل لدرجة الاجتهاد ولكنه لم يعلن ذلك ولم يصرح به خوفاً على نفسه وخشية ذهاب وظيفته ولأنه يعيش في مجتمعات متعصبة لا ترى إلا التنقيص والإنكار، ومن أولئك العلماء : إمام الحرمين والغزالي الذي أحرقت كتبه بالمغرب أو بالأندلس وكالحافظ السبكي والسيوطي وغيرهم، ومن أمثلة ذلك قال الدهلوي في "الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف" ص (۷۲) إن الحافظ ولي الدين العراقي زميل ابن حجر وابن الحافظ العراقي قال: [ قلت مرة لشيخنا الإمام البلقيني : ما تقصير الشيخ تقي الدين السبكي عن الاجتهاد وقد استكمل آلته وكيف يُقَلِّد ؟! - قال: ولم أذْكُرْه هو - أي شيخه البلقيني - استحياء منه لما أردت أن أُرَتِّب على ذلك - فَسَكَتَ ، فقلت : فما عندي: أن الامتناع من ذلك إلا للوظائف التي قدرت للفقهاء على المذاهب الأربعة وأن من خرج عن ذلك واجتهد لم ينله شيء من ذلك وحُرِمَ ولاية القضاء وامتنع الناس من استفتائه ونُسِبَتْ إليه البدعة. فتبسم ووافقني على ذلك. انتهى. مع أن السيوطي نقل في أكثر من كتاب من كتبه ومن ذلك في "حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة" (١/ ١٠٧ ) أن ابن السبكي أيضاً ادعى الاجتهاد، فقال السيوطي أن التاج السبكي: كتب مرة ورقة إلى نائب الشام يقول فيها وأنا اليوم مجتهد الدنيا على الإطلاق، لا يقدر أحد يرد علي هذه الكلمة، وهو مقبول فيما قال عن نفسه
أضف رد جديد

العودة إلى ”القواعد والأصول العقائدية“