ما هو الطريق الذي يعرف به كون الآية محكمة أو متشابهة؟

أسئلة وأجوبة عامة
أضف رد جديد
الباحث المفكر
مشاركات: 107
اشترك في: الأربعاء سبتمبر 03, 2025 8:02 pm

ما هو الطريق الذي يعرف به كون الآية محكمة أو متشابهة؟

مشاركة بواسطة الباحث المفكر »

.
ما هو الطريق الذي يعرف به كون الآية محكمة أو متشابهة؟

من كتاب (تأسيس التقديس)

اعلم أن هذا موضع عظيم، وذلك لأن كل واحد من أصحاب المذاهب يدَّعي أن الآيات الموافقة لمذهبه: محكمة، والآيات الموافقة لمذهب الخصم: متشابهة. فالمعتزلي يقول: إن قوله: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} الكهف: 29: محكم. وقوله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} الإنسان: 30، متشابه، والسُّنِّيُّ يقلب القضية في هذا الباب(*)، والأمثلة كثيرة.

فلا بد ههنا من قانون أصلي يرجع إليه في هذا الباب. فنقول: إذا كان لفظ الآية والخبر ظاهراً في معنى فإنما يجوز لنا ترك ذلك الظاهر بدليل منفصل، وإلا لخرج الكلام عن أن يكون مفيداً، ولخرج القرآن عن أن يكون حجة، ثم ذلك الدليل المنفصل إما أن يكون لفظياً أو عقلياً.

أما القسم الأول، فنقول: هذا إنما يتم إذا حصل من ذينك الدليلين اللَّفْظِيَّين تعارض. وإذا وقع التعارض بينهما فليس ترك أحد الظاهرين لإبقاء الآخر أولى من العكس، اللهم إلا أن يقال أحد الدليلين قاطع، والآخر ظاهر. والقاطع راجح على الظاهر. أو يقال: كل واحد منهما وإن كان ظاهراً إلا أن أحدهما أقوى. إلا أنا نقول: أما الأول فباطل. لأن الدلائل اللفظية لا تكون قطعية، لأنها موقوفة على نقل اللغات، ونقل وجوه النحو والتصريف، وعلى عدم الاشتراك، والمجاز، والتخصيص، والإضمار، وعلى عدم المعارض النقلي والعقلي. وكل واحدة من هذه المقامات مظنونة، والموقوف على المظنون أولى أن يكون مظنوناً. فثبت أن شيئاً من الدلائل اللفظية لا يمكن أن يكون قطعياً.

وأما الثاني: وهو أن يقال: إن أحد الظاهرين أقوى من الآخر، إلا أن على هذا التقدير يصير ترك أحد الظاهرين لتقرير الظاهر الثاني مقدمة ظنية. والظنون لا يجوز التعويل عليها في المسائل العقلية القطعية. فثبت بما ذكرنا: أن صرف اللفظ عن ظاهره إلى معناه المرجوح لا يجوز إلا عند قيام الدليل القاطع على أن ظاهره محال ممتنع. وإذا حصل هذا المعنى فعند ذلك يجب على المكلف أن يقطع بأن مراد الله تعالى من هذا اللفظ ليس ما أشعر به ظاهره.

ثم عند هذا المقام: مَنْ جوز التأويل عدل إليه، ومن لم يجوزه فوض أمره إلى الله تعالى وبالله التوفيق.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي السفلية والمراجع:
(*) ينبغي التنبيه ههنا إلى أن هذا القول ليس قول جميع أهل السنة، فإمام الحرمين والغزالي والفخر الرازي وغيرهم قالوا في آخر أقوالهم بأن العبد هو الفاعل الموجد لفعله كما فصلناه في "شرح الجوهرة"، قال الأشعري في "مقالات الإسلاميين" (2/221): [والحق عندي أن معنى الاكتساب هو أن يقع الشيء بقدرة محدثة فيكون كسباً لمن وقع بقدرته]. وقال الإمام الرازي في كتابه "أصول الدين" ص (89): [قال أبو الحسن الأشعري: الاستطاعة لا توجد إلا مع الفعل، وقالت المعتزلة: لا توجد إلا قبل الفعل، والمختار عندنا أن القدرة هي عبارة عن سلامة الأعضاء وعن المزاج المعتدل فإنها حاصلة قبل حصول الفعل...]. قال الإمام الكوثري رحمه الله تعالى في التعليق على "النظامية" ص (36): [والرازي هو قدوة المتأخرين في تصور الجبر في مذهب الأشعري لكن استقرَّ رأيه على ما ذكره في "نهاية العقول في دراية الأصول" حيث قال: ((إن للقدرة معنيين: أحدهما: مجرَّد القوة التي هي مبدأ الأفعال المختلفة، والثاني: القوة المستجمعة لشرائط التأثير، والأولى قبل الفعل، وتتعلق بالضدين ـ وهي مدار التكليف ـ والثانية مع الفعل ولا تتعلق بالضدين، ولعل الشيخ الأشعري أراد بالقدرة القوة المستجمعة لشرائط التأثير، فلذلك حكم بأنها مع الفعل وأنها لا تتعلق بالضدين، والمعتزلة أرادوا بالقدرة مجرَّد القوة العضلية، فلذلك قالوا بوجودها قبل الفعل وتعلقها بالأمور المتضادة، فهذا وجه الجمع بين المذهبين)) اهـ. وهكذا يكون الرازي أفلت من يد من يرى الجبر في مذهب الأشعري..] انتهى كلام العلامة الكوثري رحمه الله تعالى.
أضف رد جديد

العودة إلى ”أسئلة وأجوبة عامة“