دك الإسرائيليات ببيان بطلان حديث فضل (عبد الله بن سلام الإسرائيلي) في الصحيحين:

أبحاث في التفسير وعلوم القرآن الكريم
أضف رد جديد
cisayman3
مشاركات: 300
اشترك في: السبت نوفمبر 11, 2023 8:00 pm

دك الإسرائيليات ببيان بطلان حديث فضل (عبد الله بن سلام الإسرائيلي) في الصحيحين:

مشاركة بواسطة cisayman3 »

هناك آيات قرآنية كريمة ادعت بعض الروايات أنها نزلت في فلان أو فلان وليس ذلك صحيحاً، مثل آيات ادّعوا أنها نزلت في كفر أبي طالب أو إيمان عبد الله بن سلام وليس ذلك صحيحاً البتة. وبمناسبة المقالة السابقة في إيمان سيدنا أبي طالب رضي الله عنه عم النبي وناصره وحاميه والذائد عنه لم يستوعب بعض البسطاء أن تلك الآيات التي ادعت الروايات أنها نزلت فيه مع اعتراف الحافظ ابن حجر أن بعضها مدنية ووفاة أبا طالب في العهد المكي أحببنا أن نضرب مثالاً لمن أراد أن يلقي السمع وهو شهيد. فنقول:
روى البخاري (3812) قال: حدثنا عبد الله بن يوسف قال سمعت مالكا يحدث عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: (ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام) قال: وفيه نزلت هذه الآية {وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله.. } الآية قال لا أدري قال مالك الآية أو في الحديث.
ورواه مسلم (2483) بلفظ آخر قال: حدثني زهير بن حرب حدثنا إسحق بن عيسى حدثني مالك عن أبي النضر عن عامر بن سعد قال سمعت أبي يقول: (ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحي يمشي إنه في الجنة إلا لعبد الله بن سلام).
أقول: هذا الحديث باطل موضوع وقبل أن نبين أسباب ذلك نقول بأن واضعيه من الأمويين أردوا أن يجعلوا حصانة للصحابي (عبد الله بن سلام الإسرائيلي) الذي أسلم بعدما كان يهودياً وبقي ينشر فكره القديم بين المسلمين مثله مثل كعب الأحبار.
والمعنى الصحيح لإسلام يهودي: أي أنه كان يعتنق فكراً ثم تبين له فساد هذا الفكر وبطلانه وأن هناك فكراً آخر هو الصحيح المقبول وهو دين الإسلام، ويلزم من هذا أن يشطب على الفكر القديم وينساه، ويتجه للفكر الجديد الذي اعتنقه فيتبناه وينشره. لكن وقائع أحوال أمثال هؤلاء تفيدنا أنهم كانوا دائبين على نشر الفكر القديم اليهودي على عجره وبجره.
ولما كانت الدولة الأموية تتبنى أفكار أمثال هؤلاء جعلت لهم حصانة، فادعت أن الله تعالى ورسوله شهدا لعبد الله بن سلام بالإيمان والإسلام والصلاح والخير... ونحو ذلك، وأن من يرد أو يتكلّم عليه يكون خارجاً عن أمر الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. وبالتالي قد يكون كافراً لأنه رجل مشهود له شرعا.
وهذه الفكرة باطلة بناء على بطلان الحديث المروي في الصحيحين في فضله للأسباب التالية:
1- أن هذه الآية من سورة الأحقاف وهي مكية، وعبد الله بن سلام أسلم في المدينة. فهذه الآية نزلت قبل إسلام (ابن سلام) فجعلوها فيه.
وفي هذا نصوص كثيرة للعلماء والسلف نقتصر منها على بعض ما أورده الحافظ ابن جرير الطبري في تفسيره (11/278) حيث قال هناك:
[وقوله { وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم: معناه: و شهد شاهد من بني إسرائيل وهو موسى بن عمران عليه السلام على مثله يعني على مثل القرآن قالوا: ومثل القرآن الذي شهد عليه موسى بالتصديق التوراة.
ذكر من قال ذلك:
......
حدثني أبو السائب قال: ثنا ابن ادريس عن داود عن الشعبي قال: إن ناسا يزعمون أن الشاهد على مثله: عبد الله بن سلام و إنما أسلم عبد الله بالمدينة وقد أخبرني مسروق أن آل حم إنما نزلت بمكة..].
2- أن في هذا الحديث نقض لكثير من الأحاديث التي فيها شهادة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجماعة في الجنة، وبعض تلك الأحاديث في الصحيحين، كحديث العشرة المشهود لهم، والحسن والحسيد سيدنا شباب أهل الجنة، وكثيرون لا حاجة الآن إلى الإطالة بذكرهم.
وهذا الحديث يقول إنه لم يشهد الرسول لأحد حي يمشي على وجه الأرض بالجنة إلا لعبد الله بن سلام!
فإن قال قائل: ربما يكون راوي الحديث لم يسمع بتلك الأحاديث!
قلنا ـ بناء على أفكاركم وتنزلاً مع عقولكم ـ: راويه سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المشهود لهم بالجنة.
3- أن راوي الحديث عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه، وهو أخو عمر بن سعد قاتل سيدنا الحسين عليه السلام، فكون رواة الحديث من عائلة موالية للأمويين ومنهم قاتل سيدنا الحسين يدلنا على وجود الأصابع الأموية الآثمة في القضية.
قال ابن حجر في التهذيب (7/369):
[عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري أبو حفص المدني سكن الكوفة روى عن أبيه وأبي سعيد الخدري.. قال العجلي: كان يروي عن أبيه أحاديث وروى الناس عنه وهو تابعي ثقة وهو الذي قتل الحسين.. وقال ابن أبي خيثمة عن بن معين كيف يكون من قتل الحسين ثقة ؟! قال عمرو بن علي سمعت يحيى بن سعيد يقول ثنا إسماعيل ثنا العيزار عن عمر بن سعد فقال له موسى رجل من بني ضبيعة يا أبا سعيد هذا قاتل الحسين فسكت فقال له عن قاتل الحسين تحدثنا ؟! فسكت. وروى بن خراش عن عمرو بن علي نحو ذلك وقال فقال له رجل: أما تخاف الله تروي عن عمر بن سعد فبكى وقال لا أعود..].
وللعلم.. سأنقل لكم بعض ما جاء عن ابن سلام الإسرائيلي:
ذكر الذهبي في كتابه العلو (النص رقم191 من طبعتنا): [..عن عبدالله ابن سلام قال: (إذا كــان يــوم القيامــة جيء بنبيكم فأقعــد بين يــدي الله على كرسيه)..].
وقلت في التعليق عليه هناك في العلو:
[صحيح عن عبدالله بن سلام. رواه الخلال في سنته في مواضع كثيرة من ص (209-260) وابن أبي عاصم في سنته (786) والحاكم (4/568) لكن إسناد الحاكم غير إسناد الخلال وابن أبي عاصم وبإسناده ثبتت القصة عن ابن سلام. وهذا من جملة الإسرائيليات التي نقلها ابن سلام وحاول أن يغرسها في الأمة المحمدية وكلامه هذا هو أصل حديث الشفاعة الطويل وحديث الرؤية الطويل الذي فيه ذكر الصراط وغيره والذي حكمنا بشذوذه وردّه في غير ما كتاب من كتبنا. وهذا الأثر يثبت لنا أنَّ هذه الأفكار مأخوذة من الإسرائيليات وعبدالله بن سلام من أكابر أحبار اليهود وعلمائهم قبل أن يسلم وعنه وعن مثله انتقلت هذه الأفكار التجسيمية إلى هذه الأمة].
والعلماء الواعون النابهون نبهوا من قديم على أن أحاديث الصحيحين لا تفيد العلم وليس جميعها محفوظ من العلل أو من أخطاء الرواة وتلاعباتهم، ومن أحسن ما قيل في ذلك قول الإمام الفخر الرازي الأشعري في كتابه (أساس التقديس) ص (170):
[اشتهر فيما بين الأمة أن جماعة من الملاحدة وضعوا أخباراً منكرة واحتالوا في ترويجها على المحدثين، والمحدثون لسلامة قلوبهم ما عرفوها بل قبلوها، وأيُّ منكر فوق وصف الله تعالى بما يقدح في الإلهية ويبطل الربوبية ؟ فوجب القطع في أمثال هذه الأخبار بأنها موضوعة.
وأما البخاري والقشيري فهما ما كانا عالمين بالغيوب، بل اجتهدا واحتاطا بمقدار طاقتهما، فأما اعتقاد أنهما علما جميع الأحوال الواقعة في زمان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى زماننا فذلك لا يقوله عاقل، غاية ما في الباب أنا نحسن الظن بهما وبالذين رويا عنهم، إلا أنا إذا شاهدنا خبراً مشتملاً على منكر لا يمكن إسناده إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قطعنا بأنه من أوضاع الملاحدة، ومن ترويجاتهم على أولئك المحدّثين].
ولنا عودة إن شاء الله تعالى على نقل مجموعة من كلام العلماء في أحاديث الصحيحين وبالله تعالى التوفيق.
____
أضف رد جديد

العودة إلى ”أبحاث في التفسير وعلوم القرآن الكريم“