القول في الميزان الذي ينصب يوم القيامة :

مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
أضف رد جديد
cisayman3
مشاركات: 300
اشترك في: السبت نوفمبر 11, 2023 8:00 pm

القول في الميزان الذي ينصب يوم القيامة :

مشاركة بواسطة cisayman3 »

قال الله تعالى { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة } الأنبياء: 47 فذكر في هذه الآية موازين عديدة وليس ميزاناً واحداً، وقال تعالى { والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون *ومن خفَّت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون } الأعراف: 9.
ولا يشترط في هذا الميزان أن يكون ذا كِفَّتِين كما يتصور البعض، لكن يجب الإيمان بالميزان، لأن الميزان في لغة العرب يستعمل في الميزان الحسي أي الآلة وفي الميزان المعنوي أي: كناية عن العدل، ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله تعالى جناح بعوضة، وقال: اقرؤوا { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا })) الكهف: 106 رواه البخاري (8/426) ومسلم (4/2417) عن أبى هريرة.
قال الراغب الأصفهاني في كتابه ((المفردات)) ص (522):
((وزن: الوزن معرفة قدر الشيء، يقال وزنته وزناً وَزِنَةً، والمتعارف في الوزن عند العامة ما يُقَدَّر بالقسط والقبان. وقوله { وزنوا بالقسطاس المستقيم } { وأقيموا الوزن بالقسط } إشارة إلى مراعاة المَعْدَلة في جميع ما يتحراه الإنسان من الأفعال والأقوال. وقوله { وأنبتنا فيها من كل شيء موزون } فقد قيل هو المعادن كالفضة والذهب، وقيل بل ذلك إشارة إلى كل ما أوجده الله تعالى وأنه خلقه باعتدال كما قال { إنا كل شيء خلقناه بقدر } وقوله { والوزن يومئذ الحق } فإشارة إلى العدل في محاسبة الناس كما قال { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة } وذكر في مواضع الميزان بلفظ الواحد اعتباراً بالمحاسِب وفي مواضع بالجمع اعتباراً بالمحاسَبين ويقال وزنت لفلان ووزنته كذا، قال: { وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون }، ويقال قام ميزان النهار إذا انتصف)) انتهى.
والمراد من الميزان فيما يظهر هنا هو العدل وبيان صحائف الأعمال حتى أنه يتضح للعبد جميع ما عمله من خيرات ومن شرور ومن تقييمٍ لها، والإنسان يقول أحياناً: وَزَنْتُ فلاناً فلم أره رجلاً مستقيماً، قال تعالى { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط } الحديد: 25.
وقال تعالى: { والسماء رفعها ووضع الميزان * إلا تطغوا في الميزان * وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان } الرحمن: 9.
وقال الحافظ أبو حيان في ((البحر المحيط)) (10/56) عند تفسير قوله تعالى { والسماء رفعها ووضع الميزان } ما نصه:
((وقال مجاهد والطبري والأكثرون: الميزان: العدل، وتكون الآلات من بعض ما يندرج في العدل)).
وقال الحافظ أبو حيان أيضاً في ((البحر المحيط)) (5/14):
((اختلفوا هل ثَمَّ وزن وميزان حقيقة، أم ذلك عبارة عن إظهار العدل التام والقضاء السوي والحساب المحرر ؟ فذهبت المعتزلة إلى إنكار الميزان وتقدَّمهم إلى هذا مجاهد والضحاك والأعمش وغيرهم، وعَبَّر بالثِّقَل عن كثرة الحسنات، وبالخفة عن قِلَّتها، وقال جمهور الأمة بالأول وأن الميزان له عمود وكِفَّتان ولسان وهو الذي دل عليه ظاهر القرآن والسنة، ينظر إليه الخلائق تأكيداً للحجة وإظهاراً للنَّصَفة وقطعاً للمعذرة، كما يسألهم عن أعمالهم فيعترفون بها بألسنتهم وتشهد عليهم بها أيديهم وأرجلهم وتشهد عليهم الأنبياء والملائكة والأشهاد، وأما الثقل والخفة فمن صفات الأجسام وقد ورد أن الموزون هي الصحائف التي أثبتت فيها الأعمال، فَيُحْدِثُ الله تعالى فيها ثِقَلاً وخِفَّة وما ورد في هيئته وطوله وأحواله لم يصح إسناده، وجُمِعَتْ الموازين باعتبار الموزونات والميزان واحد، هذا قول الجمهور. وقال الحسن: لكل أحد يوم القيامة ميزان على حِدَةٍ، وقد يعبر عن الحسنات بالموازين فيكون ذلك على حذف مضاف أي مَنْ ثقلت كِفَّة موازينه أي موزوناته فيكون موازين جمع موزون لا جمع ميزان، وكذلك مَنْ خفَّت كِفَّة حسناته)) انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في ((الفتح)) (13/538):
((وقد ذهب بعض السلف إلى أن الميزان بمعنى العدل والقضاء)).
والحاصل أننا نؤمن بالميزان ونضلل مُنْكِرَهُ لكن لا نجزم بأنه آلة، فيجوز أن يكون الآلة التي توزن بها الأشياء ويجوز أن يكون كناية عن العدل وهو الراجح فيما يظهر، والله تعالى أعلم.
أضف رد جديد

العودة إلى ”مسائل وقضايا التوحيد والإيمان“