قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله تعالى عن مجسمة الحنابلة في كتابه القيم ((دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه)) ص (100) وما بعدها. وقد حققناه وعلَّقنا عليه تعليقات مفيدة قبل أكثر من ثلاثين سنة:
[وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات، فسموها بالصفات تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى ولا إلى إلغاء ما يوجبه الظاهر من سمات الحدوث، ولم يقنعوا بأنْ يقولوا صفة فعل، حتى قالوا صفة ذات، ثم لـمّا أثبتوا أنها صفات ذات قالوا: لا نحملها على توجيه اللغة مثل يد على نعمة وقدرة، ومجيء وإتيان على معنى بِرٍّ ولطف، وساق على شدة، بل قالوا: نحملها على ظواهرها المتعارفة والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين، والشيء إنما يحمل على حقيقته إذا أمكن، ثم يتحرّجون من التشبيه ويأنفون من إضافته إليهم ويقولون: نحن أهل السنة، وكلامهم صريح في التشبيه وقد تبعهم خلق من العوامَّ.. فلو أنكم قلتم: نقرأ الأحاديث ونسكت، ما أنكر عليكم أحد، إنما حَمْلكم إيّاها على الظاهر قبيح.. فقد ابتدع من سمى المضاف صفة.. قالوا: إن هذه الأحاديث من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله تعالى. ثم قالوا: نحملها على ظواهرها، فواعجباً!! ما لا يعلمه إلا الله أيُّ ظاهرٍ له.. ؟! فهل ظاهر الاستواء إلا القعود، وظاهر النزول إلا الانتقال..].
قال الإمام الشهرستاني الأشعري في ((مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار)) ص (196-197) وهو مقدمة تفسيره ما نصه:
[.. فالقدري يفسِّرُ آيات القدر على ما يوافق مذهبه، والأشعري على ما يوافق مذهبه، والمشبهي يتمسَّك بالظاهر، ويقول: الظاهر معي، والتأويل مظنون، وإني لا أترك ظاهر اللفظ بأمر مظنون، وغايتي أن أقول: لا أعدل عن الظاهر، ولا أعوِّل على التأويل.. ومن الواقفة من يقول: إني أقف وأَكِلُ علمه إلى الله، فأقول: كل من عند الله، وذلك هو طريق السلامة، وهو كما قال بعض السلف في الاستواء على العرش: الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وإنما وقع لهم هذا التحير لأنهم لم يأتوا العلم من بابه، ولم يتعلَّقوا بذيل أسبابه، فانغلق عليهم الباب، وتقطعت بهم الأسباب].
مع أن بعض أئمة السلف لم يقولوا (والكيفية مجهولة) وإنما قالوا (والكيف غير معقول ولا يقال كيف)...