تزييف ادعاء المدافعين عن التفويض بأن التأويل أمر ظني

القواعد والأصول العقائدية
أضف رد جديد
hasanalsaqqaf
مشاركات: 19
اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:33 pm

تزييف ادعاء المدافعين عن التفويض بأن التأويل أمر ظني

مشاركة بواسطة hasanalsaqqaf »

تزييف احتجاج بعضهم بأن التأويل مظنون ولا يجوز القول بالظن في ذات الله تعالى:

يقول بعض التائهين ممن ينتسب إلى التنزيه ويدافع عن التفويض بلا عقل ولا فهم ولا يدري كيف يهوِّر إلى الهاوية:
(أن تأويلكم لنصوص الصفات ظني وبالتالي فإنكم تقولون في ذات الله تعالى بالظن، والتفويض أسلم لأنه ليس فيه تعيين معنى مظنون).

ونقول في الجواب على ذلك:
إن معاني هذه النصوص العربية واضح جلي المعنى وليس مظنوناً! فمثل قوله تعالى: {يوم يكشف عن ساق} مثلاً، معناه: يوم يشتد الأمر أو ما في معنى هذا اللفظ، وقوله تعالى: {يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله} أي في حق الله أو في أمر الله أو فيما فرضه الله عليَّ أو ما في معناه والكل في معنى واحد! ومعنى قوله {الرحمن على العرش استوى} إما جلس كما تقول المجسمة وإما استولى وقهر ودبر كما تقول المنزهة وكل تلك المعاني التنزيهية قريبة تدور حول معنى واحد، وليس هناك معان أخرى خفية سرية! ولا هي من باب الأحاجي والألغاز! بل لها معنى عربي واضح مبني على التنزيه عند أهل الحق! ولذلك قال تعالى {ثم إن علينا بيانه} وقال: {وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث} يعني تفسير الآيات لأن الأحاديث هي الكتب المنزلة بدليل قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}..
وقول من يغالط فيقول إن التأويل مظنون ولا ينبغي أن نؤول بل علينا التفويض يقتضي قوله تغليط النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الذي يدعو لمن أراد لهم الخير بأن (يعلمهم الله التأويل) حيث دعا اللهَ تعالى لابن عباس بقوله في الحديث الصحيح: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) ولم يقل: (وعلمه التفويض)!!
ولو كان التأويل قولاً بالظنون لما أوَّل الصحابة ومنهم ابن عباس وهو ترجمان القرآن الساق بالشدة، والنسيان بالتَّرْك، والأيدي في قوله تعالى {والسماء بنيناها بأيدٍ} بالقوة، والجنب بالأمر والحق وغير ذلك مما هو معلوم ومشهور! ولما امتلأت كتب التفاسير والحديث بتأويلات التابعين كمجاهد وقتادة والحسن والثوري وطاوس وسعيد بن جبير ومن جاء بعدهم من المفسرين والأئمة والعلماء! فهل كل هؤلاء مع نصوص الكتاب والسنة اتجهوا نحو الظنون وتركوا المقطوع به أيها المغالطون؟!
إن هم – أي هؤلاء المشككين المتخرصين المعادين للتأويل - إلا يظنون ويخرطون ويتقوَّلون لينقذوا الغارقين في التجسيم والتشبيه والقائلين بظواهر النصوص بدعوى اتباع منهج السلف! ونحو ذلك من الترهات مع أن السلف هم الذين انتهجوا التأويل بعد أن أُسّسَ في الكتاب والسنة!
ولو كان لا يعلم تأويله إلا الله فقط كما يدعي المحتجون بظواهر النصوص لكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله ممن لا يعلم تأويله ولا يعلم تأويل ولا معنى تلك الأحاديث التي قالها التي تتعلق بصفات الرب سبحانه وكذلك لا يعلمها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا الراسخون من أهل العلم! والله تعالى يقول في كتابه العزيز {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} وهم الرسول والراسخون في العلم!
وهناك كلمة ذهبية للإمام الشهرستاني الأشعري (ت548هـ) في "مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار" ص (196-197) حيث قال هناك في مقدمة تفسيره ما نصه:
[.. والمشبّه يتمسَّك بالظاهر، ويقول: الظاهر معي، والتأويل مظنون، وإني لا أترك ظاهر اللفظ بأمر مظنون، وغايتي أن أقول: لا أعدل عن الظاهر، ولا أعوِّل على التأويل.. ومن الواقفة من يقول: إني أقف وأَكِلُ علمه إلى الله، فأقول: كل من عند الله، وذلك هو طريق السلامة، وهو كما قال بعض السلف في الاستواء على العرش: الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وإنما وقع لهم هذا التحير لأنهم لم يأتوا العلم من بابه، ولم يتعلَّقوا بذيل أسبابه، فانغلق عليهم الباب، وتقطعت بهم الأسباب].

وقال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (5/24):
[قال القاضي عياض(ت544هـ): لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى { ءَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ}، ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم].

وقال ابن حجر في "فتح الباري" (3/30) عند شرح حديث النزول:
[وقد اختلف في معنى النزول على أقوال: فمنهم مَنْ حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة تعالى الله عن قولهم].

وقال أيضاً:
[فمن أجرى الكلام على ظاهره أفضى به الأمر إلى التجسيم ومن لم يتضح له وعلم أن الله مُنَزَّهٌ عن الذي يقتضيه ظاهرها إما أن يُكَذِّب نَقَلَتها وإما أن يُؤَوِّلها].

وقال الذهبي في "السير" (19/582) أنَّ ابن عساكر قال عن الحافظ العبدري:
[كان سيء الاعتقاد يعتقد من أحاديث الصفات ظاهرها].
ولأجل ذلك وصفه الذهبي بالتجسيم هناك في أول ترجمته ص (579) إذ قال:
[وكان من بحور العلم، لولا تجسيم فيه].
وبذلك يكون الآخذ بظواهر النصوص والتارك للتأويل مجسماً!

فلينعم بذلك الذين يضللون الناس عن الحقائق التي هي كالشمس في رابعة النهار!

والذين ادّعوا من العلماء - الحائرين الذين تناقضوا فيما يقولون ولم يطلعوا على حقائق الأمور - بأن مذهب السلف هو التفويض ونقلوا إجماع السلف في ذلك رجعوا فنقلوا لنا تأويلات السلف في جميع نصوص الصفات وإذا لم يجدوا في بعضها تأويلاً للسلف أوّلوا هم تلك النصوص!

وأضرب مثالاً على ذلك الخطيب الشربيني الشافعي الذي يقول في أول تفسيره بأن إجماع السلف انعقد على التفويض وعدم الزيادة على تلاوة الآية ثم ينقل لنا عند آيات الصفات تأويلاتهم وزياداتهم على قراءة الآية! وإليكم بعض ذلك وأرجو أن تتدبروه جيداً:
قال الخطيب الشربيني الشافعي الأشعري في تفسيره (380/1):
[وروي عن سفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد وغيرهم من علماء السنة في هذه الآيات التي جاءت في الصفات المتشابهة أمرّوها كما جاءت، اقرؤها بلا كيف، وإجماع السلف منعقد على أن لا يزيدوا على قراءة الآية].
وهذا تخريف مبين!
وهو لا يستطيع أن يدرس أسانيد ما روي عن أولئك العلماء الذين ينقل عنهم أنهم قالوا أمروا كما جاءت حتى يعرف هل صح ذلك عنهم أم لم يصح!

وقد خالف الشربيني نفسه فنقل في تفسيره تأويلات للسلف! حيث لم يمروها بل زادوا على قراءة الآية ومن ذلك قوله هناك في تفسيره (366/3):
[{يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله} قال الحسن: قصرت في طاعة الله، وقال مجاهد: في أمر الله، وقال سعيد بن جبير: في حق الله وقيل: ضيعت في ذات الله، وقيل: معناه قصرت في الجانب الذي يؤدي إلى رضا الله تعالى والعرب تسمي الجانب جنباً، قال في «الكشاف»: هذا من باب الكناية لأنك إذا أثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه فقد أثبته فيه].

وقال الشربيني أيضاً في تفسيره (263/4):
[{عن ساق} أي: يشتدّ فيه الأمر غاية الاشتداد، لأنّ من اشتدّ عليه الأمر وجد في فصله شمر عن ساقه لأجله وشمرت حرمه عن سوقهنّ غير محتشمات فهو كناية عن هذا، ولذلك نكره تهويلاً له وتعظيماً، نقل هذا التأويل عن ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما].

وبه يتبين أن الإجماع الذي نقله الشربيني في هذه القضية سراب لا وجود له، وأن الصواب هو الإقرار بأن التأويل هو مذهب السلف والخلف إلا من جنح إلى التجسيم والإثبات على الظواهر فإنه يتمترس بما يدعي أنه تفويض، أو يتمترس أتباعه ليغطوا على كوارث بعض العلماء والشيوخ بأن هذا يسمى تفويضاً وهو مذهب السلف! وكل هذا منهم تمحل وكلام عار عن الصحة!
فتأملوا وتدبروا جيداً بلا تعصب!

وأما موضوع كتاب الإمام الغزالي رحمه الله تعالى "إلجام العوام عن علم الكلام" فهو عدم جواز خوض العوام في تفسير نصوص آيات وأحاديث الصفات برأيهم لأنهم غير مؤهلين لذلك! ولا بد من رجوعهم لأهل العلم ليشرحوا لهم معانيها! لأنه رحمه الله تعالى قال في "إلجام العوام عن علم الكلام" ص (61):
[الوظيفة السابعة: التسليم لأهل المعرفة وبيان أنه يجب على العامي أن يعتقد أن ما انطوى عنه من معاني هذه الظواهر وأسرارها ليس مطوياً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن الصدّيق وعن أكابر الصحابة، وعن الأولياء والعلماء الراسخين، وأنه إنما انطوى عنه لعجزه وقصور معرفته، فلا ينبغي أن يقيس بنفسه غيره فلا تقاس الملائكة بالحدادين].

على أن الإمام الغزالي بين أنه وإن قال بعدم جواز خوض العوام فيما لا شأن لهم به من تفسير آيات الصفات لأنهم ليسوا أهلاً لذلك فإن على العلماء تفسيرها وتأويلها وبيان معانيها لهم لئلا يزلوا عن التنزيه والمعتقد الحق ولئلا تسري الشبه إليهم فقال في كتابه "روضة الطالبين وعمدة السالكين" ص (130) ما نصه:
[واعلم أن الإعراض عن تأويل المتشابه خوفاً من الوقوع في محظور من الاعتقاد يجرُّ إلى الشك والإيهام واستزلال العوام وتطريق الشبهات إلى أصول الدين وتعريض بعض آيات كتاب الله العزيز إلى رجم الظنون..].
أضف رد جديد

العودة إلى ”القواعد والأصول العقائدية“