حديث الجارية المردود بلفظ (أين الله). وكلام سيدي المحدث الناقد العلامة عبدالله ابن الصديق الغماري في إثبات أنه من جملة الأحاديث الشاذة المردودة:
قال سيدي عبدالله ابن الصديق رحمه الله تعالى ورضي عنه في كتابه "الفوائد المقصودة في بيان الأحاديث الشاذة المردودة" – والحواشي السفلية هي للعبد الفقير خادمه حسن السقاف -:
[الحديث الأول:
عن معاوية بن الحكم السلمي قال:
كانت لي غنم بين أحد والجَوَّانِيَّة، فيها جارية لي، فَأطَّلَعْتُ ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب منها بشاة، فأسفت فصككتها، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فذكرت ذلك له، فعظم ذلك علي، فقلت: يا رسول الله أفلا أعتقها ؟ قال (ادعها) فدعوتها فقال لها (أين الله ؟) قالت في السماء، قال (من أنا ؟) قالت أنت رسول الله، قال (أعتقها فإنها مؤمنة)(1).
رواه مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم.
قال الألباني في "مختصر العلو": [ففي الخبر مسالتان: إحداهما: شرعية قول المسلم: أين الله(2) ؟ وثانيهما: قول المسؤول: في السماء، فمن أنكر هاتين المسألتين، فإنما ينكر على المصطفى صلى الله عليه وسلم(3)]انتهى.
قوله - أي الألباني - (وثانيهما) لحن، والصواب: وثانيتهما، وكذلك أحدهما،
والصواب: إحداهما(4).
واستنباطه غير صحيح، لأن الحديث شاذ لا يجوز العمل به وبيان شذوذه من وجوه: مخالفته لما تواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه كان إذا أتاه شخص يريد الإسلام، سأله عن الشهادتين ؟ فإذا قبلهما حكم بإسلامه.
وفي الموطأ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: أن رجلاً من الأنصار، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بجارية سوداء، فقال يا رسول الله عليَّ رقبة مؤمنة، فإن كنت تراها مؤمنة أعتقها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أتشهدين أن لا إله إلا الله ؟) قالت: نعم، قال: (أتشهدين أن محمداً رسول الله ؟) قالت: نعم، قال: (أتوقنين بالبعث بعد الموت ؟) قالت نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم (أعتقها)(5).
وهذا هو المعلوم من حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرورة.
............
وجاء حديثان مخالفان لحديث معاوية يؤكدان شذوذه فروى البيهقي في السنن(6) من طريق عون بن عبد الله بن عتبة حدثني أبي عن جدي قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بأمة سوداء، فقالت: يا رسول الله إن عليَّ رقبة مؤمنة أتجزئ عني هذه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: (مَنْ ربك ؟) قالت الله ربي، قال: (فما دينك ؟) قالت: الإسلام، قال: (من أنا ؟) قالت: أنت رسول الله، قال: (أفتصلين الخمس وتقرين بما جئت به من عند الله ؟) قالت: نعم، فضرب صلى الله عليه وآله وسلم على ظهرها، وقال: (أعتقيها).
ورويَ أيضاً من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن الشريد بن سويد الثقفي، قال قلت: يا رسول الله إن أمي أوصت إليَّ أن أُعتق عنها رقبة، وأنا عندي جارية نوبية، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم (ادع بها) فقال: (من ربك ؟) قالت: الله، قال: (فمن أنا ؟) قالت: رسول الله، قال: (أعتقها فأنها مؤمنة).
وجاء حديث ثالث، قال أحمد في المسند (3/451): ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن رجل من الأنصار: أنه جاء بأمة سوداء وقال: يا رسول الله أن علي رقبة مؤمنة فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: (أتشهدين أن لا إله إلا الله ؟) قالت: نعم، قال: (أتشهدين أني رسول الله ؟)، قالت: نعم، قال: (أتؤمنين بالبعث بعد الموت ؟) قالت: نعم، قال: (أعتقها)(7). وهذا الحديث وَصْلٌ لمرسل الموطأ.
وقال البزار: حدثنا محمد بن عثمان، ثنا عبيد الله، ثنا ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن على أمي رقبة، وعندي أمة سوداء ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم (ائتني بها)، فـقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أتشهدين أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟) قالت: نعـم، قال: (فأعتقها)(8).
إن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بيّن أركان الإيمان، في حديث سؤال جبريل، حيث قال: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر(9) خيره وشره) ولم يذكر فيها عقيدة أن الله في السماء.
إن العقيدة المذكورة لا تثبت توحيداً ولا تنفي شركاً، فكيف يصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم صاحبها بأنه مؤمن ؟ كان المشركون يعتقدون أن الله في السماء، ويشركون معه آلهة في الأرض، ولما جاء حصين بن عتبة أو ابن عبيد والد عمران إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم سأله: (كم تعبد من إله ؟) قال: ستة في الأرض، وواحد في السماء(10)، وقال فرعون لهامان { فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى }، لاعتقاده أن الله في السماء، ومع ذلك قال لقومه: { أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى }، وقال لهم: { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي }. ومن المعلوم أن كون الله في السماء ليس على حقيقته عند جماعة من العلماء، بل هو مؤوَّلٌ عندهم على معنى العلو المعنوي.
قال الباجي على قول الجارية: (في السماء) لعلها تريد وصفه بالعلو، وبذلك يوصف من كان شأنه العلو، يقال: مكان فلان في السماء، يعني علو حاله ورفعته وشأنه].
انتهى كلام سيدي العلامة الشريف عبدالله ابن الصديق جعله الله في أعلى عليين.
قلت – حسن –: وهذا تأويل.
--------------------------------------
الحواشـــــــــــي السفليـــــــــــة:
(1) هذا الحديث رواه مالك (1511) ومسلم (537) والنسائي (1218) وأبو داود (930)! ورواه بلفظ (مَنْ رَبُّكِ) من حديث الشريد بن سويد الثقفي: النسائي (3653) وأحمد (4/222) وابن حبان في صحيحه (1/418) وغيرهم! ورواه بلفظ: (أتشهدين أن لا إله إلا الله) عبد الرزاق في المصنف (9/175) ومالك في الموطأ (1512) والدارمي (2348) وأحمد (3/451) وابن أبي شيبة (6/162). وهذه الروايات توجب اضطراب الحديث إلا أننا رجحنا رواية (أتشهدين) لأنها الموافقة لسائر أحوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأحاديث المتكاثرة الواردة عنه صلى الله عليه وآله وسلم، فنحن نقطع بعدم ثبوت رواية (أين الله) وتنزيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يكون قد قالها. ولي رسالة خاصة في هذا الحديث بينت فيها عدم ثبوت لفظ (أين الله وأنه منزه عن أن يكون في السماء أو على العرش) سميتها: (تنقيح الفهوم العالية بما ثبت وما لم يثبت من حديث الجارية) وهي مطبوعة!!
(2) بل هذا غير مشروع لأنه لم يثبت حسب الصناعة الحديثية! ولأنه يدل على المكان والله تعالى هو خالق المكان، والسماء مكان، وهي بعض خلقه، ويتنزه الله تعالى أن يحل فيها أو يكون جسماً جالساً أو مستقراً على العرش تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً!
(3) نحن ننكر هاتين المسألتين ونعتبرهما من الضلال المبين في الاعتقاد وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يسأل عن الله بأين ولا قالت الجارية في السماء!
(4) هذه اللفظة (إحدهما) فيما يظهر أصلحوها فيما بعد، أي في الطبعات الجديدة.
(5) رواه مالك في الموطأ (1512) وغيره وقد تقدَّم! وهو صحيح.
(6) سنن البيهقي الكبرى (7/388) وشيخه الحاكم في المستدرك (3/289) وهو حديث حسن أو صحيح.
(7) ورواه ابن الجارود في المنتقى (234) وقال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/23): ((رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح)).
(8)رواه ابن أبي شيبة (6/162) والطبراني في الأوسط (5/350) وابن أبي ليلى فيه ضعف.
(9) الإيمان بالقدر ورد في حديث سيدنا جبريل عليه السلام في مسلم ( من رواية عمر بن الخطاب، وأما البخاري فقد رواه في صحيحه (50) و (4777) من رواية أبي هريرة فليس فيه ذكر القدر.
(10) رواه الترمذي (3483) وقال: حسن غريب، والحديث غير ثابت. وقد خرجته في التعليق على كتاب (العلو) للذهبي، النص (29)