ومن أمثلة أولئك الرواة المجسمة الذين لا يستطيع المتعصبون أن يخرجوهم من أهل السنة ولا أن ينزعوا هذا اللقب المقدس (!!) عنهم وإنما يستقوون على من لا يروق لهم من أهل العصر ممن يريدون تشويه صورته والتشنيع عليه بأنه لم يَعُدْ من أهل السنة وأنه معتزلي بغيض:
1- حمَّاد بن سلمة (ت167هـ):
وكم لحماد هذا من الأوابد والطامات وأحاديثه في الصحيحين وخاصة في مسلم وغيرهما من كتب السنة! ومن ذلك حديثه عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً: (رأيت ربي في صورة شابٍّ أمْرَد دونه سِتْرٌ من لؤلؤ قَدَماه في خضرة)، قال الطبراني: سمعت أبا بكر بن صدقة يقول: سمعت أبا زُرْعَة الرازي يقول: حديث قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس في الرؤية صحيح، رواه شاذان وعبد الصمد بن كيسان وإبراهيم بن أبي سويد لا ينكره إلا معتزلي.
وقد أورد له ابن عدي في "الكامل" عدة أحاديث ينفرد بها متناً وإسناداً وذكر منها هذا الحديث (حديث الشاب الأمرد).
ذكر الباجي(1) (474هـ) في "رجال البخاري" أن النَّسائي سئل عن حماد بن سلمة فقال: لا بأس به، وكان قبل ذلك قال فيه: ثقة، قال القاسم بن مسعدة: فكلمته فيه فقال: ومن يجترئ يتكلم فيه؟ لم يكن عند القطان هناك.
ثم جعل النَّسائي يذكر الأحاديث التي انفرد بها في الصفات(2) كأنه خاف أن يقول الناس: تكلم في طريقها(3).
فتأملوا في حال حماد بن سلمة صاحب حديث (الشاب الأمرد) وأبي زُرْعة الذي يقول لا ينكر هذا الحديث إلا معتزلي، وهؤلاء من أئمة السنة ومن رواة الأحاديث والأخبار والآثار! وتأملوا في هذا التجسيم! فهل تُخْرِجون أيها المتعصبة أمثال هؤلاء من أهل السنة؟!
2- نُعَيم الخزاعي المروزي (ت228هـ):
وهو من شيوخ البخاري في الصحيح كما أنه صاحب حديث رجم القردة الذي في البخاري (3849) (!!) وتحايده مسلم فلم يخرج له!
قال الحافظ السيوطي في كتابه "ذيل الموضوعات" ص (5) أثناء الكلام على الحديث الموضوع: (إذا أراد الله أن ينزل إلى السماء الدنيا نزل عن عرشه بذاته) ما نصه:
[أقول: أتْعبنا نُعَيم بن حماد من كثرة ما يأتي بهذه الطامات، وكم ندرأ عنه وعن الطرسوسي الراوي عنه..].
وهو واضع حديث أم الطفيل في أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه بصورة شاب موفّـرٍ رِجـلاهُ في خُضْرة . انظـر "تهذيب الكمال" (29/475) للمزي و "دفع شبه التشبيه" ص (152) للحافظ ابن الجوزي.
وقال الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" (7/144) منكراً تجسيم نُعَيم هذا: [وقال نُعَيم: ينزل بذاته وهو على كرسيه. قال أبو عمر: هذا ليس بشيء عند أهل الفهم من أهل السنة].
فهل تخرجون نُعيم المجسم هذا من أهل السنة؟!
3- أبو جعفر بن أبي شيبة (ت297هـ) صاحب كتاب "العرش":
الذي يقول في كتابه:
[ذكروا أنَّ الجهمية يقولون ليس بين الله وبين خلقه حجاب، وأنكروا العرش وأن يكون الله فوقه، وقالوا إنه في كل مكان، ففسرت العلماء {وهو معكم} يعني علمه، ثمَّ تواترت الأخبار أنَّ الله تعالى خلق العرش فاستوى عليه فهو فوق العرش، متخلِّصاً من خلقـه بائناً منهم].
وهناك عشرات الأشخاص الذين ذكرهم الذهبي في كتابه "العلو للعلي الغفار" وابن القيم في كتابه "اجتماع الجيوش" ممن يصرحون في العقائد بعبارات ممجوجة مردودة منكرة عند منزهي الأشاعرة والماتريدية وفضلاء الحنابلة فهل يخرجهم هؤلاء المتعصبون من أهل السنة؟!
ــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي السفلية:
(1) في كتابه المطبوع باسم "التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح" (2/523) طبع دار اللواء للنشر والتوزيع /الرياض/ الطبعة الأولى 1406هـ.
(2) في كتاب الباجي المطبوع في (التشبيه) بدل (الصفات).
(3) وهذا كلام يكتب بماء الذهب! لأنه كشف لنا شيئاً من حقيقة الأمر! ونص الكلام في كتاب الباجي: ((كأنه خاف أن يقول الناس إنه تكلم في حماد من طريقها، ثم قال: حمقى أصحاب الحديث)). فهذا اعتراف من النَّسائي بحمق أصحاب الحديث الذين قبلوا من حماد بن سلمة أحاديث الصفات.