بيان عدم صحة وبطلان ما نُقل عن أبي يوسف من أنه قال:( من طلب الدِّين بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن تتب

أقوال لأئمة وعلماء ومشايخ في العقيدة ومدى صحتها عنهم
Post Reply
عود الخيزران
Posts: 908
Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm

بيان عدم صحة وبطلان ما نُقل عن أبي يوسف من أنه قال:( من طلب الدِّين بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن تتب

Post by عود الخيزران »

بيان عدم صحة وبطلان ما نُقل عن أبي يوسف من أنه قال:( من طلب الدِّين بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن تتبع غريب الحديث كذب):

قال الذهبي في كتابه "العلو" النص رقم(370):
[القاضي أبو يوسف رحمه الله (182):
370- ثبت عن أبي يوسف أنه قال:( من طلب الدِّين بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن تتبع غريب الحديث كذب) ].


أقول في بيان عدم صحة وبطلان هذا الأثر:

جميع ما أورده عن أبي يوسف لا علاقة له بموضوع العلو!!
وهذا الأثر لا يثبت هذا وأصح ما جاء فيه عن أبي يوسف كما سيأتي في تخريجه (العلم بالكلام جهل) وليس (زندقة). ولئن ثبت فليس فيه شيء يتعلق بالعلو الحسي ولا تأييد القول بالتجسيم والتشبيه ونحن نؤيد أن القول بأن علم الكلام المبني على الفلسفة وهرطقات المنطق مذموم لكن لا يصل كل من اشتغل به إلى الزندقة. وهذا رواه ابن عَدِي في "الكامل في الضعفاء" (7/145)، وعبد الخالق بن أسد الحنفي في معجمه ص (186)، واللالكائي في "اعتقاد أهل السنة" (1/166) كل هؤلاء من طريق بشر الكندي عن أبي يوسف. و(بشر بن الوليد الكندي): قال في "لسان الميزان" (2/35): [وفي آخر أمره يقال أنه وقف في القرآن فأمسك أصحاب الحديث عنه وتركوه لذلك. قال صالح بن محمد جزرة: وهو صدوق لكنه لا يعقل قد كان خرف. وقال سليمان: منكر الحديث. وقال الآجري سألت أبا داود بشر بن الوليد ثقة؟ قال: لا. وروى السلمي عن الدارقطني: ثقة... قلت ذكره بن أبي حاتم فلم يذكر فيه جرحاً، وقال مسلمة: ثقة، وكان ممن امتحن وكان أحمد يثني عليه. وقال البرقاني: ليس هو من شرط الصحيح]. وتوثيق الدارقطني له غير متأكد لأن أبا عبد الرحمن السلمي متكلم فيه، فهذا الرجل (بشر بن الوليد) منكر الحديث والترجيح أنه ضعيف وأحمد أثنى عليه لأنه وافقه في قضية اللفظ في القرآن. وفي إسناد اللالكائي: (أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى النَّهْرُسَابُسي) ووجدت في "لسان الميزان" (1/295): [أحمد بن محمد بن موسى أبو بكر اللخمي عن أبي خليفة الجمحي قال ابن مردويه: ذاهب الحديث ضعيف جداً]. وهناك من اسمه متفق مع هذا ولا ندري أي واحد منهم. و(أحمد بن محمد بن ميمون النهرسابسي) مجهول لم أعرفه ولم أقف عليه، وهناك حلبي مترجم في كتاب "بغية الطلب في تاريخ حلب" (3/1036) لكمال الدين ابن العديم (ت660هـ) اسمه (أحمد بن محمد بن موسى) ولم يذكره بجرح ولا تعديل والظاهر أنه ليس هو. فعلى هذا يكون هذا الإسناد تالفاً لا قيمة له. وما نسب إلى أبي يوسف في أدراج الرياح، إلا أن يكون له إسناد آخر. فقد رواه وكيع (وهو أبو بكر محمد بن خلف الضبي الملقب بوكيع وليس وكيعاً المعروف توفي هذا ت306هـ وذاك توفي 197هـ) في "أخبار القضاة" (3/258)، من طريق علي بن إشكاب عن أبيه الحسين بن إبراهيم عن أبي يوسف، وعلي بن إشكاب ضعيف عندي على التحقيق وروايته عن أبيه منقطعة ليس له رواية عن أبيه في كتب الحديث والسنن إلا في هذا الموضع، وفي موضع آخر في كلام يروى عن ابن سيرين، وهذا مما يدخل في روايته عن أبيه الشك والريبة، وقد نبَّه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (13/456) أثناء شرح حديث الصوت كجر السلسلة على صفوان على أنه روى الحديث مرفوعاً وهو موقوف على التحقيق فقال: [وَأَخْرَجَهُ بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِشْكَابَ مَرْفُوعًا وَقَالَ هَكَذَا حَدَّثَ بِهِ أَبُو مُعَاوِيَةَ مُسْنَدًا وَوَجَدْتُهُ بِالْكُوفَةِ مَوْقُوفًا ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَشُعْبَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفًا وَمِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ مَعًا وَمِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ كَذَلِكَ وَهَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ وَجَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفًا..]. وفي "تهذيب التهذيب" (7/266) أن أبا حاتم قال: صدوق. وأن ابن أبي حاتم قال: ثقة صدوق. (قلت: ولا يعول عليه في توثيقه). وقال النسائي: لا بأس به. وهذا يُشعر أنه ليس بذاك وأنه يُنْظَر في حديثه. والذي قال عنه النسائي ثقة غير هذا كما تجده في التعليق على "تهذيب الكمال" (20/381)، ففي الرجل خلاف والتباس. فهذا إسناد لا يثبت لا سيما وهذه المقولة تروى عن أبي يوسف بلفظ آخر ليس فيه ذِكْر الزندقة! كما سيأتي إن شاء الله تعالى! ورواه ابن نقطة في "التقييد لمعرفة السنن الأسانيد" ص (461) بإسناده عن أبي يوسف عن مجالد عن الشعبي من قوله! وفيه إسحاق بن إبراهيم الطبري منكر الحديث ويروي الموضوعات كما في "لسان الميزان" (1/344). ورواه الهروي (المجسم) في "ذم الكلام" (5/71): [859 - أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الهروي أخبرنا إبراهيم بن أحمد الصائغ أخبرنا إبراهيم بن أحمد المستملي حدثنا علي بن الفضل حدثنا عبد الرحمن بن محمد الجراحي حدثنا محمد بن عبيدة حدثنا بشر بن أحمد الحارثي حدثنا إسحاق بن عيسى عن مالك بن أنس قال من طلب الدين بالكلام تزندق ومن طلب المال بالكيمياء أفلس ومن طلب غريب الحديث كذب]. و(بشر بن أحمد الحارثي) لم أجد هذا الاسم هكذا إلا عند الهروي (المجسم) وصوابه والله أعلم (بشر بن رافع الحارثي) قال المزي في ترجمته في "تهذيب الكمال" (4/119): [قال يحيى: يحدِّث بمناكير، وقال في موضع آخر: سمعت يحيى يقول: قد روى عبد الرزاق عن شيخ يقال له بشر بن رافع ليس به بأس. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن بشر بن رافع فقال: ليس بشيء ضعيف الحديث. وقال البخاري: بشر بن رافع لا يتابع في حديثه، وقال الترمذي: بشر بن رافع يضعف في الحديث. وقال النسائي: بشر بن رافع ضعيف. وقال أبو حاتم: أبو الأسباط بشر بن رافع الحارثي ضعيف]. ورواه الخطيب البغدادي في "الكفاية" ص (142) من طريق عمر بن شبة (ت262هـ) عن محمد بن سليمان بن أبي رجاء عن أبي يوسف باللفظ الذي فيه ذِكْر الزندقة، قلت: وابن أبي رجاء تَرْجَمَهُ الخطيب البغدادي في تاريخه (5/275) فقال: [وهذا رجل من المقدَّمين في مذهب أبي حنيفة وهو من أصحاب أبي يوسف حسن العلم بالحساب والدور والمقايسة وكانت له مسائل غلقة ومات سنة سبع ومائتين]. وهو مترجم في "طبقات الحنفيه" (2/54) للقرشي الحنفي. وفي "أخبار القضاة" (3/289) لوكيع قال ابن سماعة: (لم يكن له علم بالأصول). وقد توفي عمر بن شبة سنة (262هـ). وقد روى الخطيب هذا بإسناد ولفظ آخر يخالف هذا ويعكر عليه في تاريخه (14/253-254) فقال: [أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن أَحْمَد الرزاز، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الله الشافعي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الليث الجوهري، قَالَ: حدَّثَنِي أَبُو سُلَيْمَان بْن أبي رجاء، قَالَ: سمعتُ أَبَا يوسف، يَقُولُ: العلم بالكلام جهل]. وهذا إسناده حسن (محمد بن الليث) ثقة كما في "تاريخ بغداد" (3/169). و(محمد بن عبد الله الشافعي) ثقة ثبت كما في "تاريخ بغداد" (5/456). وشيخ الخطيب الرزاز صدوق كما قال الذهبي كما في "لسان الميزان" (4/196) لابن حجر. قال الخطيب البغدادي في تاريخه (14/253): [أَخْبَرَنَا العتيقي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أيوب سُلَيْمَان بْن إِسْحَاق الجلاب، قَالَ: قَالَ لي إِبْرَاهِيم الحربي: تدري أيش قَالَ أَبُو يوسف، وكان من عقلاء الناس؟ قَالَ: لا تطلب الحديث بكثرة الرّواية فترمى بالكذب، ولا تطلب الدُّنْيَا بالكيمياء فتُفلس ولا يحصل بيدك شيء، ولا تطلب العلم بالكلام فإنك تحتاج تعتذر كل ساعة إلى واحد]. العتيقي ثقة مكثر كما في "الأنساب" للسمعاني (4/156)، ومحمد بن العباس هو أبو عمر الخزاز المعروف بابن حيويه ثقة مترجم في "لسان الميزان" (5/214) و(الجلاب) ثقة كما في "تاريخ بغداد" (9/63)، وإبراهيم الحربي ولد سنة (198هـ) وأبو يوسف توفي (182هـ)، وهذا يعكر على رواية الزندقة ويفيد أن المقولة المحكية عن أبي يوسف تم تغييرها وتصرف الرواة فيها! وكنت قد أطلت الكلام جداً في تخريج هذا القول عن أبي يوسف ثم اختصرته إلى ما ترونه الآن هنا.
Post Reply

Return to “أقوال لأئمة وعلماء ومشايخ في العقيدة ومدى صحتها عنهم”