بيان عدم صحة نقل المجسمة لكلام الترمذي على وجه يصحح مذهبهم:
قال الذهبي في كتابه " العلو" النص رقم(483):
[ 483- وقال أبو عيسى: إثر ما روى حديث أبي هريرة: ((إنَّ الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها)) روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه. وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا وما يشبهه من الصفات ونزول الرب: نثبت هذه الروايات في هذا ونؤمن به، ولا يتوهم ولا يقال كيف، هكذا روي عن مالك وابن عُيَيْنَة وابن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمرِّوها بلا كيف، وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا: هذا تشبيه وفسروها على غير ما فسَّر أهل العلم، وقالوا أنَّ الله لم يخلق آدم بيده وإنما معنى اليد ههنا: النعمة، وهذا القول في باب فضل الصدقة من الجامع].
أقول في بيان عدم صحة هذا النقل:
حديث أخذ الصدقة رواه الترمذي (662) وقال: حسن صحيح. وأما ما حكاه الترمذي عن مالك (93-179هـ) وابن عيينة (107-198هـ) وابن المبارك (118-181هـ) وما نقله الترمذي أيضاً عقب الحديث رقم (2557) حيث قال: [وَالْمَذْهَبُ فِي هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْأَئِمَّةِ مِثْلِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَوَكِيعٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ رَوَوْا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ ثُمَّ قَالُوا تُرْوَى هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَنُؤْمِنُ بِهَا وَلَا يُقَالُ كَيْفَ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَنْ تُرْوَى هَذِهِ الْأَشْيَاءُ كَمَا جَاءَتْ وَيُؤْمَنُ بِهَا وَلَا تُفَسَّرُ وَلَا تُتَوَهَّمُ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ..]. فزاد سفيان الثوري (97-161هـ) ووكيع (129-196هـ) فالرواية عن هؤلاء مردودة من وجوه:
الأول: أن هؤلاء جميعهم ماتوا قبل سنة (200هـ) والترمذي ولد سنة (209هـ) فالإسناد إليهم منقطع!
الثاني: أن الإسناد وإن لم يذكره الترمذي فقد ذكره البيهقي وغيره وهو إسناد لا يثبت، وقد بينا ذلك بالتفصيل في التعليق على النص رقم (332و343) من هذا الكتاب.
الثالث: أن أكثر هؤلاء الأئمة ثبت عنهم أو عن مشايخهم التأويل! وعلى سبيل المثال نقل الترمذي نفسه – كما في الحاشية السابقة- عن يزيد بن هارون (118-206هـ) تأويل حديث (كان ربنا في عماء)، وننقل عن سفيان الثوري فنقول:
1- روى ابن جرير في تفسيره (13/27/8) بسند حسن عن سفيان الثوري أنه أوَّل قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ}، قال: (بقوَّة). 2- وروى ابن أبي حاتم في تفسيره (11/382) بسند صحيح عن سفيان الثوري أنه أوَّل قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ}، قال: (كل شيء هالك إلا ما ابتغي به وجهه من الأعمال الصالحة). 3- وروى ابن جرير في تفسيره (13/27/94) في تأويل: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}، قال: (بأمرنا). وإسناده حسن. فهذا كله وأمثاله يجعل هذا المحكي عن الأوزاعي والثوري وغيرهما من الأكاذيب المفتراة عليهم. وقد نقلنا في ترجمة مالك أنه نهى عن التحديث بأحاديث الصفات، كما روى ذلك ابن أبي زمنين في "أصول السنة" (برقم25) بإسناد صحيح، وذكره الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (8/103) وبعضه في "التمهيد" لابن عبد البر (7/150)، وأكَّده الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (1/225). وذكرنا في تخريج النص رقم (171) نقلاً عن الفتح (7/124) أن مالكاً أنكر حديث اهتزاز العرش بموت سعد بن معاذ ونهى عن التحديث به. وكذلك هؤلاء الأئمة المذكورين ثبت أو نقل عنهم التأويل كما بينا في التعليق على أقوالهم في هذا الكتاب فليرجع إليها من شاء الاستزادة!
ثم إن النص الذي بعده هنا للترمذي برقم (484) هو قول الترمذي في سننه عقب الحديث رقم (3045): [وَهَذَا حَدِيثٌ قَدْ رَوَتْهُ الْأَئِمَّةُ نُؤْمِنُ بِهِ كَمَا جَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفَسَّرَ أَوْ يُتَوَهَّمَ هَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ مِنْهِمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ تُرْوَى هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَيُؤْمَنُ بِهَا وَلَا يُقَالُ كَيْفَ]. وما يقال في هذا يقال في ذاك، كما تقدَّم والله الموفق. ثم الملاحظ أن الترمذي مع أنه فسر في سننه ونقل التفسير عن أهل العلم الذين تقدموه صرح بالتنزيه بقوله: (ولا تُتَوَهَّم).
وقد أول ابن المبارك حديث (إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه..) الذي في البخاري (2441) ومسلم (2768) قال البخاري في "خلق أفعال العباد" (133): [قال ابن المبارك: كنفه: يعني سَتْرَه]. فهذا تأويل وتفسير من ابن المبارك ومثله للبيهقي في كتابه "الأسماء والصفات". وهذا يرد على ما نقله الترمذي (2557) عن ابن المبارك وغيره أن هذه النصوص (تُمَرُّ ولا تُفَسَّر)(!!) والله أعلم.
بيان عدم صحة نقل المجسمة لكلام الترمذي على وجه يصحح مذهبهم:
أقوال لأئمة وعلماء ومشايخ في العقيدة ومدى صحتها عنهم
-
- Posts: 902
- Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm
Return to “أقوال لأئمة وعلماء ومشايخ في العقيدة ومدى صحتها عنهم”
Jump to
- القرآن الكريم وتفسيره
- ↳ تفسير آية أو آيات كريمة
- ↳ أبحاث في التفسير وعلوم القرآن الكريم
- الحديث النبوي الشريف وعلومه
- ↳ قواعد المصطلح وعلوم الحديث
- ↳ تخريج أحاديث وبيان مدى صحتها
- ↳ شرح الحديث
- ↳ التراجم والرجال: الصحابة والعلماء وغيرهم
- ↳ أحاديث العقائد
- العقائد والتوحيد والإيمان
- ↳ القواعد والأصول العقائدية
- ↳ مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
- ↳ أقوال لأئمة وعلماء ومشايخ في العقيدة ومدى صحتها عنهم
- ↳ قضايا ومسائل لغوية تتعلق بالعقائد
- ↳ الفرق والمذاهب وما يتعلق بها
- ↳ عرض عقائد المجسمة والمشبهة والرد عليها
- التاريخ والسيرة والتراجم
- ↳ السيرة النبوية
- ↳ قضايا تاريخية
- ↳ سير أعلام مرتبطة بالتاريخ والأحداث السياسية الغابرة
- ↳ معاوية والأمويون والعباسيون
- الفكر والمنهج والردود
- ↳ توجيهات وتصحيح لأفكار طلبة العلم والمنصفين من المشايخ
- ↳ الردود على المخالفين
- ↳ مناهضة الفكر التكفيري والرد على منهجهم وأفكارهم
- ↳ أسئلة وأجوبة عامة
- الفقه وأصوله
- ↳ القواعد الأصولية الفقهية
- ↳ مسائل فقهية عامة
- ↳ المذهب الحنفي
- ↳ المذهب المالكي
- ↳ المذهب الشافعي
- ↳ المذهب الحنبلي
- علوم اللغة العربية
- ↳ النحو والصرف
- ↳ مسائل لغوية ومعاني كلمات وعبارات
- الكتب الإلكترونية
- ↳ كتب العلامة المحدث الكوثري
- ↳ كتب السادة المحدثين الغماريين
- ↳ كتب السيد المحدث حسن السقاف
- ↳ كتب مجموعة من العلماء
- المرئيات
- ↳ العقيدة والتوحيد: شرح متن العقيدة والتوحيد