بطلان ما ينسبه المجسمة للإمام القرطبي صاحب التفسير:

أقوال لأئمة وعلماء ومشايخ في العقيدة ومدى صحتها عنهم
Post Reply
عود الخيزران
Posts: 902
Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm

بطلان ما ينسبه المجسمة للإمام القرطبي صاحب التفسير:

Post by عود الخيزران »

بطلان ما ينسبه المجسمة للإمام القرطبي صاحب التفسير:

قال الذهبي في كتابه " العلو" النص رقم(561):
[ القرطبـي(671):
561- الإمـام العلامـة أبو عبدالله القرطبي صاحب التفسير الكبير قال في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}السجدة:4، هذه مسألة قد بينَّا فيها كلام العلماء في كتاب ((الأسنى في شرح الأسماء الحسنى)) وذكر فيها أربعة عشر قولاً إلى أن قال: وقد كان السلف الأُوَل رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلـك، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله، ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنَّ الله استوى على عرشه حقيقة وخصَّ عرشه بذلك لأنه أعظم مخلوقاته، وإنما جهلوا كيفية الاستواء، فإنه لا يعلم حقيقته كما قال مالك الإمام: الاستواء معلوم يعني في اللغة والكيف مجهول والسؤال عن ذلك بدعة.
وقال القرطبي أيضاً في الاستواء: الأكثر من المتقدمين والمتأخرين يعني المتكلمين يقولون: إذا وجب تنزيه الباري عن الجهة والتحيّز فمن ضرورة ذلك ولواحقه اللازمة عند عامة العلماء المتقدمين وقادتهم المتأخرين تنزيه الباري عن الجهة، فليس بجهة فوق عندهم، لأنه يلزم من ذلك عندهم أنه متى اختصَّ بجهة أن يكون في مكان وحيّز، ويلزم على المكان والحيز الحركة والسكون، للتحيّز والتغير والحدوث. هذا قول المتكلمـين. انتهى كلام القرطبي.
قلت: نعم هذا ما اعتمده نفاة علو الرب عزَّ وجل، وأعرضوا عن مقتضى الكتاب والسنة وأقوال السلف وفطر الخلائق، وإنما يلزم ما ذكروه في حـق الأجسام، والله تعالى فلا مثل له، ولازم صرائح النصوص حق، ولكنَّا لا نطلق عبارة إلا بأثر.
ثمَّ نقول: لا نسلِّم أنَّ كون الباري تعالى على عرشه فوق السماوات يلزم منه أنه في حيز وجهة، إذ ما دون العرش يقال فيه حيّز وجهات، وما فوقه فليس هو كذلكوالله فوق عرشه كما أجمع عليه الصدر الأول، ونقله عنهم الأئمة، وقالوا ذلك رادّين على الجهمية القائلين بأنه في كل مكان، محتجين بقوله {وَهُوَ مَعَكُمْ}الحديد:4، فهذان القولان هما اللذان كانا في زمن التابعين وتابعيهم، وهما قولان معقولان في الجملة، فأمَّا القول الثالث المتولِّد ولا بمنفصل عنهم، ولا ذاته المقدسة متميزة ولا بائنة عن مخلوقاته، ولا في الجهات ولا خارجاً عن الجهات ولا ولا... فهذا شيء لا يُعْقل ولا يُفهم، مع ما فيه من مخالفة الآيات والأخبار، ففر بدينك وإياك وآراء المتكلِّمين، وآمن بالله وما جاء عن الله على مراد الله، وفوّض أمرك إلى الله ولا حول ولا قوَّة إلا بالله. بأخرة بأنه تعالى ليس في الأمكنة ولا خارجاً عنها، ولا فوق عرشه ولا هو بمتصل بالخلق].


أقول في بيان بطلان هذه النسبة:

قوله:" : وقد كان السلف الأُوَل رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلـك " والجواب عنه ؛ لأنَّ الناس كانوا بسليقتهم العربية قد فهموا بأنَّ الاستواء هو القهر وعلو الربوبية على العبودية!! لا ما فهمته المجسمة منه من مثل الاستقرار والجلوس ونحوهما!! فلم تثر هذه المسألة عندهم لذلك لم يتكلموا في الجهة!! ولما بزغ من الحنابلة المجسمة مَنْ يقول بها احتاج العلماء أن يتكلّموا فيها ويبينوا فساد عقيدة مَنْ أثبتها وقال بها!! لكن قوله بعد ذلك: (بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى) باطل مردود فالصحابة لم يقولوا بذلك وهذه الجملة مقحمة في كلام القرطبي وسيأتي ما يثبت أنها مدسوسة غير ثابتة أو هي اضطراب وقع منه!

والنقل عن الإمام القرطبي أنه يردد ما ينسبه المجسمة للإمام مالك ، فنقول:
الإمام القرطبي رحمه الله تعالى إمام مُنَزِّهٌ قد تم الدس عليه أو تم تحريف كلامه – فيما أعتقد - في معنى العرش والاستواء أو هو مضطرب في عقيدته وهذا مستبعد، فهناك كلام منسوب للقرطبي رحمه الله تعالى في موضع واحد في تفسيره يؤيد عقيدة التشبيه والتجسيم (تمسك به "المجسمة") وأعتقد أنه مدسوس عليه ومُقْحَم في تفسيره! لأن الكلام الذي قبله والذي بعده في نفس الصحيفة يبطله! وكذلك كلام القرطبي في نفس تفسيره وفي مواضع أخرى من كتبه فيه تنزيه صريح وذم للتشبيه والتجسيم، وإليكم ذلك: جاء في تفسير القرطبي (7/219) ما نصه: [قوله تعالى: {ثم استوى على العرش} هذه مسألة الاستواء، وللعلماء فيها كلام وإجراء. وقد بينا أقوال العلماء فيها في الكتاب (الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى) وذكرنا فيها هناك أربعة عشر قولاً. والأكثر من المتقدمين والمتأخرين أنه إذا وجب تنزيه الباري سبحانه عن الجهة والتحيز فمن ضرورة ذلك ولواحقه اللازمة عليه عند عامة العلماء المتقدمين وقادتهم من المتأخرين تنزيهه تبارك وتعالى عن الجهة، فليس بجهة فوق عندهم، لأنه يلزم من ذلك عندهم متى اختص بجهة أن يكون في مكان أو حيز، ويلزم على المكان والحيز الحركة والسكون للمتحيز، والتغير والحدوث. (هذا قول المتكلمين. وقد كان السلف الأول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله. ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة) وخص العرش بذلك لأنه أعظم مخلوقاته، وإنما جهلوا كيفية الاستواء فإنه لا تعلم حقيقته. قال مالك رحمه الله: الاستواء معلوم، يعني في اللغة، والكيف مجهول، والسؤال عن هذا بدعة. وكذا قالت أم سلمة رضي الله عنها. وهذا القدر كاف، ومن أراد زيادة عليه فليقف عليه في موضعه من كتب العلماء. والاستواء في كلام العرب: هو العلو والاستقرار. قال الجوهري: واستوى من اعوجاج، واستوى على ظهر دابته، أي استقر. واستوى إلى السماء أي قصد. واستوى: أي استولى وظهر. قال:
قد استوى بشر على العراق /// من غير سيف ودم مهراق
واستوى الرجل: أي انتهى شبابه. واستوى الشئ إذا اعتدل. وحكى أبو عمر ابن عبد البر عن أبي عبيدة في قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} قال: علا. وقال الشاعر:
فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة /// وقد حلق النجم اليماني فاستوى
أي: علا وارتفع. قلت: فعلو الله تعالى وارتفاعه عبارة عن علو مجده وصفاته وملكوته : أي ليس فوقه فيما يجب له من معاني الجلال أحد، ولا معه من يكون العلو مشتركاً بينه وبينه، لكنه العلي بالإطلاق سبحانه. وقوله تعالى: (على العرش) لفظ مشترك يطلق على أكثر من واحد. قال الجوهري وغيره: العرش سرير الملك. وفي التنزيل {نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا}النمل:41، {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ}يوسف:100، والعرش: سقف البيت. وعرش القدم: ما نتأ في ظهرها وفيه الأصابع. وعرش السِّماك: أربعة كواكب صغار أسفل من العواء، يقال: إنها عجز الأسد. وعرش البئر: طيها بالخشب، بعد أن يطوى أسفلها بالحجارة قدر قامة، فذلك الخشب هو العرش، والجمع عروش. والعرش اسم لمكة. والعرش الملك والسلطان. يقال: ثل عرش فلان إذا ذهب ملكه وسلطانه وعزه. قال زهير:
تداركتما عبسا وقد ثل عرشها ... وذبيان إذ ذلت بأقدامها النعل
وقد يؤول العرش في الآية بمعنى الملك، أي ما استوى الملك إلا له جل وعز. وهو قول حسن وفيه نظر، وقد بيناه في جملة الأقوال في كتابنا. والحمد لله]. انتهى كلام القرطبي. وأقول: من تأمل الكلام وجد أن العبارة التي بين قوسين ( ) والتي فيها أن السلف كانوا يثبتون الجهة تخالف ما قبلها من أن عامة المتقدّمين كانوا ينفون الجهة وينزهون الله تعالى عنها! كما يجد الناظر أيضاً أن ما بعد تلك العبارة المنكرة المعنى أن القرطبي يخالفها أيضاً ويقول بأن العلو الله هو عبارة عن علو مجده وصفاته وملكوته .. الخ ! وبهذا يبطل ما زعمه المجسمة والمتمسلفون من أن القرطبي موافق لهم في العقيدة ويفسد أيضاً احتجاجهم بكلامه! فكيف إذا انضاف لذلك كلامٌ كثيرٌ من هنا وهناك للقرطبي فيه مخالفة عقيدة المشبهة والمجسمة التي يتشبث بها المتمسلفون القائلون بالظواهر دون وعي وإدراك؟! ومن ذلك: قال القرطبي في تفسيره (3/277): [وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود عن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله" وسع كرسيه السماوات والأرض" فإن السموات والأرض في جوف الكرسي والكرسي بين يدي العرش. وأرباب الإلحاد يحملونها على عظم الملك وجلالة السلطان، وينكرون وجود العرش والكرسي وليس بشيء. وأهل الحق يجيزونهما، إذ في قدرة الله متسع فيجب الإيمان بذلك. قال أبو موسى الأشعري: الكرسي موضع القدمين وله أطيط كأطيط الرحل. قال البيهقي: قد روينا أيضاً في هذا عن ابن عباس وذكرنا أن معناه فيما يرى أنه موضوع من العرش موضع القدمين من السرير، وليس فيه إثبات المكان لله تعالى]. وقال القرطبي في تفسيره (19/297) بعد ذلك: [ومعنى ذو العرش: أي ذو الملك والسلطان، كما يقال: فلان على سرير ملكه، وإن لم يكن على سرير. ويقال: ثل عرشه: أي ذهب سلطانه. وقد مضى بيان هذا في" الأعراف" وخاصة في" كتاب الأسنى، في شرح أسماء الله الحسنى"]. لاحظوا أنه يناقض كلامه الأول بأنه قول أهل الإلحاد فيقول قبل ذلك في التفسير (7/220): [واستوى إلى السماء أي قصد. واستوى أي استولى وظهر.. والعرش الملك والسلطان. يقال: ثل عرش فلان إذا ذهب ملكه وسلطانه وعزه.. وقد يؤول العرش في الآية بمعنى الملك، أي ما استوى الملك إلا له جل وعز. وهو قول حسن وفيه نظر]. أقول: كيف يكون من يحمل معنى العرش على عظم الملك وجلالة السلطان من الملحدين؟! مع أن الملحدين لا يؤمنون بالله ولا بالعرش؟! ثم كيف يقول في الموضع الآخر بأن معنى {ذُو الْعَرْشِ}البروج:15، أي ذو الملك والسلطان؟! ثم يقول في موضع آخر بأن تفسير العرش بالملك حسن وفيه نظر؟! كيف يكون حسناً ويكون فيه نظر؟! إنه الدس والكذب على الإمام القرطبي رحمه الله تعالى! وأرى أن لفظة (وفيه نظر) مدسوسة أيضاً لأنها غير مُتَّسِقَةٍ مع سياقها والكلام الذي معها! وملخص الكلام عندي في هذا: أن القرطبي عالم منزه وأن كل ما نقل عنه من هذه العبارات التي فيها تأييد لمذهب أصحاب الجهة من المشبهة والمجسمة مضطرب عنه والمعول عليه من كلامه أنه ينفي ذلك وهو من جملة العلماء المنزهين. والذي يؤكّد ذلك أن لأبي عبد الله القرطبي كلاماً في ثنايا كتبه ينفي فيه التجسيم ويذم المشبهة والمجسمة فهو يقول مثلاً في كتابه "التذكار" في شأن المجسمة ص (208) وفي تفسيره (4/13): [قوله تعالى: {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}آل عمران:7، قال شيخنا أبو العباس رحمة الله عليه: متبعو المتشابه لا يخلو أن يتبعوه ويجمعوه طلباً للتشكيك في القرآن وإضلال العوام، كما فعلته الزنادقة والقرامطة الطاعنون في القرآن، أو طلباً لاعتقاد ظواهر المتشابه، كما فعلته المجسمة الذين جمعوا ما في الكتاب والسنة مما ظاهره الجسمية حتى اعتقدوا أن البارئ تعالى جسم مجسم وصورة مصورة ذات وجه وعين ويد وجنب ورِجْل وأصبع تعالى الله عن ذلك، أو يتبعوه على جهة إبداء تأويلاتها وإيضاح معانيها، أو كما فعل صبيغ حين أكثر على عمر فيه السؤال. فهذه أربعة أقسام: الأول: لا شك في كفرهم، وأن حكم الله فيهم القتل من غير استتابة. الثاني: الصحيح القول بتكفيرهم، إذ لا فرق بينهم وبين عُبَّاد الأصنام والصور..]. وقال القرطبي في "التذكرة" (471): [فإن قيل: فقد قال في الحديث: ((ويقبض أصابعه ويبسطها)) وهذه حقيقة الجارحة؟ قلنا: هذا مذهب المجسمة من اليهود والحشوية. والله تعالى متعال عن ذلك وإنما المعنى حكاية الصاحب عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يقبض أصابعه ويبسطها وليس معنى اليد في الصفات بمعنى الجارحة حتى يتوهم بثبوتها ثبوت الأصابع]. وقال ص (473): [وقد يكون الأصبع أيضاً في كلام العرب بمعنى النعمة وهو المراد بقوله عليه السلام: ((إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن)) أي بين نعمتين من نعم الرحمن يقال: لفلان علي أصبع أي أثر حسن إذا أنعم عليه نعمة حسنة، وللراعي على ماشيته أصبع أي أثر حسن]. ويقول في تفسيره (17/53): [فلا يقدّر في صفته ـ تعالى ـ حركة ولا سكون، ولا ضياء ولا ظلام، ولا قعود ولا قيام، ولا ابتداء ولا انتهاء، إذ هو عزّ وجل وتْرٌ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}الشورى:11]. وأما أبو العباس القرطبي المالكي (ت656هـ) صاحب "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (7/389) فإنه يقول فيه - وعنه نقل الحافظ ابن حجر في "الفتح" (13/398) -: [(قول اليهودي: إن الله يمسك السماوات على إصبع. . . الحديث إلى آخره). هذا كله قول اليهودي، لا قول النبي صلى الله عليه وسلم، والغالب على اليهود أنهم يعتقدون الجسمية، وأن الله تعالى شخص ذو جوارح، كما تعتقده غلاة الحشوية في هذه الملة، وضحك النبي صلى الله عليه وسلم منه، إنما هو تعجب من جهله، ألا ترى أنه قرأ عند ذلك: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدرِهِ} أي: ما عرفوه حق معرفته، ولا عظموه حق تعظيمه. وهذه الرواية هي الرواية الصحيحة المحققة، فأمَّا رواية من زاد في هذا اللفظ: (تصديقاً له)، فليست بشيء؛ لأنَّها من قول الراوي، وهي باطلة؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لا يصدِّق الكاذب ولا المحال، وهذه الأوصاف في حق الله تعالى محال، بدليل ما قدمناه غير مرة، وحاصله أنه لو كان تعالى ذا يد وأصابع وجوارح على نحو ما هو المعروف عندنا، لكان كواحد منا، ويجب له من الافتقار والحدث والنقص والعجز ما يجب لنا، وحينئذ تستحيل عليه الإلهية، ولو جازت الإلهية لمن كان على هذه الأوصاف لجاز أن يكون كل واحد منا إلها، ولصحت الإلهية للدجال، ولصدق في دعواه إياها، وكل ذلك كذب ومحال، والمفضي إليه كذب ومحال، فقول اليهودي كذب ومحال، ولذلك أنزل الله تعالى في الرد عليه: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدرِهِ}. وإنما تعجب النبي صلى الله عليه وسلم من جهله، فوهم الراوي وظن أن ذلك التعجب تصديق، وليس كذلك]. وأبو عبد الله القرطبي معنا أيضاً في بيان كشف حال معاوية، فهو يقول في تفسيره (7/392) نقلاً عن الإمام مالك أن معاوية أعلن بالربا فقال: [روى ابن وهب عن مالك أنه قال: تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهاراً ولا يُستقر فيها، واحتج بصنيع أبي الدرداء في خروجه عن أرض معاوية حين أعلن بالربا...]. ملاحظة: القرطبي شارح صحيح مسلم، غير القرطبي صاحب التفسير. القرطبي شارح صحيح مسلم هو أبو العبّاس أحمد بن عمر القرطبي المتوفّى عام ٦٥٦هـ. أما المفسّر فهو أبو عبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي المتوفى سنة ٦٧١هـ. فهما متعاصران، بينهما في الوفاة نحو ١٦ عاماً، رحمة الله عليهما. ويمكن لطلبة العلم أن يتتبعوا كلام القرطبي في كتبه ويستخرجوا منه كلمات وعبارات واضحة في التنزيه تكون مؤكّدة على كونه بعيداً عن مذهب التشبيه والتجسيم. والله تعالى أعلم.
وكلام المتكلمين هو الحق وبه جزم القرطبي في سائر كتبه!! لكن الذهبي يريد أن يصوِّر لنا ولو بالباطل أنَّ القرطبي متبريء مما قاله المتكلمون وليس كذلك!!
وقد قال القرطبي في تفسيره (7/219): [قلت: فعلو الله تعالى وارتفاعه عبارة عن علو مجده وصفاته وملكوته، أي ليس فوقه فيما يجب له من معاني الجلال أحد، ولا معه من يكون العلو مشتركاً بينه وبينه، لكنه العلي بإطلاق سبحانه]. وللإمام القرطبي في تفسيره كلمات وعبارات كثيرة في نفي التجسيم والعلو الحسي كما تقدَّم ويكفي ما نقلناه عنه في إثبات بطلان دعوى الذهبي والله الموفق والمعين!!
ونقول للذهبي : كلام القرطبي ضدك وليس معك يا ذهبي!! فقولك (نعم...) يذهب أدراج الرياح!! وليس هناك علوم ومعرفة يقال لها فطر الخلائق!! وهذا هو محض وهم وخيال بناه في عقل الذهبيِّ الشيخُ الحَرَّاني وأهل نحلته!! وقد هدمناه له في فصل الأدلة الباطلة الموهومة في "صحيح شرح العقيدة الطحاوية" ص (205) فارجع إليها إن شئت!!

وقوله:( وإنما يلزم ما ذكروه في حـق الأجسام، والله تعالى فلا مثل له، ولازم صرائح النصوص حق )، فنقول:
كلا بل اللازم الدال على التشبيه البعيد عن المجاز والبلاغة والقريب من التجسيم ليس بحق بل هو من أبطل الباطل!! فاستيقظ!!
وكما ترى أيها القارئ ففي كلام الذهبي تخبط لا مثيل له!! فمنطقة ما فوق العرش ليست جهة بنظره! وتشير الجارية بزعمه إلى معبوده فيها وليست مع ذلك جهة! فهل يَعْقِلُ هذا الرجل ما يقول؟!

وكما قدمنا فليس هناك من العقلاء من يقول بأن الله في كل مكان لا الجهمية ولا المعتزلة ولا الأشعرية! وإنما يوجد بعض ذلك في جهلة العوام والمتصوفة الذين لم يتفقهوا في الدّين ويتعلموا! وكل تلك الدعاوى والافتراء على الخصوم وتأليف الأقوال المنحولة على الأئمة وكبار علماء السلف قد أبطلناه وهدمناه والحمد لله تعالى!! ثمَّ تراجع الذهبي عن كتابه هذا كما أثبتناه في أوله وهذا مما يجعل تلك الأقوال سراباً بقيعة!!
ونقول تعليقًا على قول الذهبي حين ساق القول الثالث في آخر كلامه في كتل " العلو" :
نعم لا يفهم لأنَّ كنهَ الباري سبحانه وتعالى خارجٌ عن إدراك العقل والفهم!! والأصل في إدراكه النفي لقوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} و {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}!!
وقول الذهبي : (وإياك وآراء المتكلِّمين)، نقول:
بل إياك من آراء المتراجعين عن كتاب" العلو" !! القائلين بالجهة والتجسيم والتشبيه!!
Post Reply

Return to “أقوال لأئمة وعلماء ومشايخ في العقيدة ومدى صحتها عنهم”