تنزيه الله تعالى عن الجسمية وإبطال كلام الذهبي:
أقول : وجدت بخط الذهبي في آخر كتاب " العلو" ما صورته:
[ من بحوث المتأخرين: لا يجوز وصفه تعالى بأنه فوق العرش، قالوا: إذ يلزم قطعاً أحد ثلاثة أمور: إما أن يكون أصغر من العرش أو أكبر منه أو مساوياً له، والأقسام الثلاثة لا تجوز على الله إلى آخر قولهم.
والجواب: أنَّ ذلك إنما يلزم في حق الأجسام والباري فليس بجسـم، الثاني: لا نسلّم كونه أكبر أنه يرد عليه شيء، ولكن لا نطلق ذلك إلا بنص، الثالث: أنَّ بحثهم بعينه نرده بنظيره فنقول: الله موجود بيقين وجميع ما خلق الله من الكائنات موجود، فنسألهم عن واجب الوجود إذا ذكرناه مع جميع ما أبدع من الوجود الممكن، أهو تعالى أكبر من مجموع الكل أو أصغر أو مساوٍ؟ فما أوردوه علينا يَرِدُ عليهم لا محيد لهم عنه.
ثمَّ أنتم تقولون: لا هو داخل العالم ولا خارج العالم، ولا فوق العرش ولا تحت العرش، ولا في السماء، فإن كان هذا يُعقل لكم فوالله نحن ما نعقله، لكن لو نطق بهذه السلوب نص لَدِنَّـا به ولاتبعناه، بل لما وردت النصوص بإثبات أنه على العرش وبأنه في السماء ونحو ذلك قلنا به وآمنا وتبعنا مطلق السمع.
ثمَّ لو كانت مقالاتكم في ذلك متفقاً عليها بين أهل العقول لقلنا أيضاً بها، بل للمتكلمين من الطوائف في ذلك اختلاف واضطراب، فهلموا بنا إلى الاتفاق على التنزيه العام والتوحيد التام، والإيمان بما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم على ما أرادا، والكف عن الكيف وعن الكلام والخصام، لندخل الجنة بسلام، ثبتنا الله وإياكم على الإسلام ].
أقول في الجواب عن هذا الكلام الذي قاله الذهبي:
إذا كان ما نقله الذهبي عن المتأخرين حقاً؛ فلا يجوز أن تقول إذن بأنه سبحانه فوق العرش بالجهة والمكان! وجوابه هذا يدينه! لأننا لما قلنا له بأن الله تعالى موجود بلا مكان قبل خلق المكان وأنه لا يوصف باتصال ولا انفصال لأنه ليس جسماً ولا مخلوقاً أنكر هذا وقال قبل أسطر: (هذا شيء لا يُعْقَل..) والآن ينقض هذا(!!)
و الجواب الثاني باطل أيضاً لأنه ليس بجسم يصح أن يقال فيه أصغر وأكبر!!
قول الذهبي:( أهو تعالى أكبر من مجموع الكل أو أصغر أو مساوٍ؟) ، نقول:
هذا سؤال غلط محض لأنَّ قائله يتصوَّر أنَّ الله جسم يمكن أن يكون حجمه كحجم الخلق أو أكبر أو أصغر وكل ذلك باطل فاسد!! لأنَّ الكبر هو كبر الشأن وكبر الربوبية لا كبر الحد والمساحة التي أثبتها شيخك الحراني يا ذهبي في موافقته (2/29)!! فبطل جميع ما أوردته ولله تعالى الحمد والمنـة!!
وقول الذهبي:( فما أوردوه علينا يَرِدُ عليهم لا محيد لهم عنه ) ، نقول فيه :
ليس كذلك كما تبيَّن مما ذكرناه سابقًا!!
وقوله:( ثمَّ أنتم تقولون: لا هو داخل العالم ولا خارج العالم، ولا فوق العرش ولا تحت العرش، ولا في السماء، فإن كان هذا يُعقل لكم فوالله نحن ما نعقله)، نقول فيه :
الله تعالى لا يعقل لنا ولا لأي مخلوق، لأن المخلوق لا يُدْرِك الخالـق، وقـد ذكرنـا في " صحيح شرح العقيدة الطحاوية" ص (333) نقلاً عن الإمام الغزالي رحمه الله تعالى جواب هذا الإشكال التافة الباطل وننقله هنا ليكون ختام هذا التعليق مسك يتنافس لقراءته والاطلاع على دحض حجج الذهبي وأدلته التي تراجع عنها المتنافسون!! فنقول: قال الإمام الغزالي عليه الرحمة والرضوان: [فإن قال الخصم: إنَّ مِثْلَ هذا الموجود الذي ساق دليلكم إلى إثباته غير مفهوم!! فيقال له: ما الذي أردتَ بقولك غير مفهوم؟! إذا أردت به أنه غير متخيَّل ولا متصوَّر ولا داخل في الوهـم فقد صدقتَ (فإنَّ الله سبحانه وتعالى كذلك) ولأنه لا يدخل في الوهم والتصوّر والخيال إلا جسم له لون وقَدْرٌ، فالمنفك عن اللون والقَدْر لا يتصوَّره الخيال، فإنَّ الخيال قد أنس بالمبصرات فلا يتوهَّم الشيء إلا على وفق مَـرآهُ ولا يستطيع أن يتوهَّم ما لا يوافقه. وإن أراد الخصم أنه ليس بمعقولٍ أي ليس بمعلوم بدليل العقل! فهو محال، إذ قدَّمنا الدليل على ثبوته، ولا معنى للمعقول إلا ما اضطر العقل إلى الإذعان للتصديق به بموجب الدليل الذي لا يمكن مخالفته، وقد تحقق هذا، فإن قال الخصم: فما لا يتصوَّر في الخيال لا وجود له!! (قلنا): (هذه مكابرة) فلنحكم بأنَّ الخيال لا وجود له في نفسه، فإنَّ الخيال نفسه لا يدخل في الخيال والرؤيا لا تدخل في الخيال وكذلك العلم والقدرة وكذلك الصوت والرائحة، ولو كُـلِّفَ الوهم أن يتحقق ذاتاً للصوت لقدَّر له لوناً ومقداراً وتصوَّره كذلك]. والله الهادي إلى سواء السبيل.
وقوله:) وتبعنا مطلق السمع) ، نقول فيه:
لكن لم تفهموا مراد السمع بالخطاب العربي المبين!! فلهجتم وتظاهرتـم بفهم قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ولم تفهموا وتضموا إليه: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}العلق:19، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ}الواقعة:85، {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}الحديد:4، ولم تلهجوا بذلك!! وأعرضتم عن مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته)) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قِبَلَ وجهه فإنَّ الله قِبَلَ وجهه إذا صلى)) وفي رواية ((إنَّ ربه بينه وبين القبلة)) وهي مخرَّجة في " دفع شبه التشبيه" ص (134) إلى غير ذلك من الأدلة فلماذا لم تقولوا بظاهرها أيضاً؟ أليست هذه من نصوص الكتاب والسنة؟! أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟!
وما أورده الذهبي في اختلاف المتكلمين في الآراء فهذا غير مهم ولا هو إشكال يحتاج لجواب!!
ويا ليتكم تقولون بهذا، فتلتزمون بالتنزيه وتفوّضون الأمر، فتقولون آمنا بالاستواء ولا نفسّره بلفظ: استقر أو علا أو ارتفع!! وتقولون نفوّض معناه إلى الله تعالى ورسوله!! وهذه الدعوة منك رجوع عن جميع ما أثبته من الآراء في هذا الكتاب أيها الذهبي المغوار!! فإن كنت رجعت وقد ثبت لنا ذلك بأمور منها: هذا الذي بخط الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي المنقول من خطك وآمنت بالله تعالى منزّهاً له عن هذا العلو الحسي والتجسيم والتشبيه المحض فالجنة مثواك إن شاء الله تعالى!! وإلا فلا!!
ثبتنا الله وإياكم على عقيدة التنزيه وعلى التوحيد الصافي المنزه من شوائب التجسيم والتشبيه والعلو الحسي، آمين آمين، والغلبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، والحمد لله رب العالمين.
تنزيه الله تعالى عن الجسمية وإبطال كلام الذهبي:
عرض عقائد المجسمة والمشبهة والرد عليها
-
- مشاركات: 777
- اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm
العودة إلى ”عرض عقائد المجسمة والمشبهة والرد عليها“
الانتقال إلى
- القرآن الكريم وتفسيره
- ↲ تفسير آية أو آيات كريمة
- ↲ أبحاث في التفسير وعلوم القرآن الكريم
- الحديث النبوي الشريف وعلومه
- ↲ قواعد المصطلح وعلوم الحديث
- ↲ تخريج أحاديث وبيان مدى صحتها
- ↲ شرح الحديث
- ↲ التراجم والرجال: الصحابة والعلماء وغيرهم
- ↲ أحاديث العقائد
- العقائد والتوحيد والإيمان
- ↲ القواعد والأصول العقائدية
- ↲ مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
- ↲ أقوال لأئمة وعلماء ومشايخ في العقيدة ومدى صحتها عنهم
- ↲ قضايا ومسائل لغوية تتعلق بالعقائد
- ↲ الفرق والمذاهب وما يتعلق بها
- ↲ عرض عقائد المجسمة والمشبهة والرد عليها
- التاريخ والسيرة والتراجم
- ↲ السيرة النبوية
- ↲ قضايا تاريخية
- ↲ سير أعلام مرتبطة بالتاريخ والأحداث السياسية الغابرة
- ↲ معاوية والأمويون والعباسيون
- الفكر والمنهج والردود
- ↲ توجيهات وتصحيح لأفكار طلبة العلم والمنصفين من المشايخ
- ↲ الردود على المخالفين
- ↲ مناهضة الفكر التكفيري والرد على منهجهم وأفكارهم
- ↲ أسئلة وأجوبة عامة
- الفقه وأصوله
- ↲ القواعد الأصولية الفقهية
- ↲ مسائل فقهية عامة
- ↲ المذهب الحنفي
- ↲ المذهب المالكي
- ↲ المذهب الشافعي
- ↲ المذهب الحنبلي
- علوم اللغة العربية
- ↲ النحو والصرف
- ↲ مسائل لغوية ومعاني كلمات وعبارات
- الكتب الإلكترونية
- ↲ كتب العلامة المحدث الكوثري
- ↲ كتب السادة المحدثين الغماريين
- ↲ كتب السيد المحدث حسن السقاف
- ↲ كتب مجموعة من العلماء
- المرئيات
- ↲ العقيدة والتوحيد: شرح متن العقيدة والتوحيد