بيان بطلان الأبيات المستشنعة التي تنسب الله تعالى إلى المكان و تحدد حجمه تعالى الله عن ذلك:
قال الذهبي في كتابه " العلو":
[وقد أُنْشِدَ شعر أمية بن أبي الصلت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((آمن شعره وكفر قلبه)) وهو:
مجدوا الله فهو للمجـد أهـلُ
ربنا في السماء أمسى كبيـرا
بالبناء الأعلى الذي سبق الخلـ
ـق وسوَّى فوق السماء سريـرا
شرجعاً ما ينالـه بصر العيـن
تـرى دونه الملائك صـورا
إسناده منقطع].
أقول في بيان بطلان هذه الأبيات:
هذا كلام موضـوع. روى حديث ((آمن شعر أمية وكفر قلبه)) أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار الأنباري في "كتاب المصاحف" دون الأبيات، فقال: حدثنا أبي، حدثنا عبدالرحمن ابن حمزة البلخي (مجهول)، حدثنا محمد بن عمر الشيباني (مجهول)، عن أبي عمرو الشيباني، عن أبي بكر الهـذلي (وهو كـذاب متروك) عن عكرمـة عن ابـن عباس..... بـه. كما في "فيض القدير" (1/79) نقلاً عن "تاريخ ابن عساكر" (9/272) وأبو بكر الهذلي ترجمته في ((تهذيب الكمال)) (33/159). قال المناوي في "فيض القدير" (1/59) بعد ذلك: ((رواه الخطيب وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس بإسناد ضعيف))!! قلت: تبيَّن مما قدّمناه أنَّ الإسناد ليس ضعيفاً وإنما هو تالف ساقط ويجب الحكم على متنه بالوضع. ولم نجده في "تاريخ الخطيب".
ثمَّ قال المناوي: ((ورواه عنه أيضاً الفاكهي وابن مَنْدَه)). أي بنفس السند الساقط أيضاً، ثمَّ قال: ((وسببه أنَّ الفارعة بنت أبي الصلت أختُ أُمية أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأنشدته من شعر أمية فذكره)). قلت: هذا رواه كما ذكر المناوي ابن عساكر وأبو حذيفة في المبتدأ، وأبو حذيفة هذا صـاحب كتـاب ((المبتدأ)) اسمه اسحق بن بشر البخاري كذَّاب وضَّاع بإجماع الأئمة كما تجد ذلك في ترجمتـه في ((لسان الميزان)) (1/392). [وأزيد الآن ما وقفت عليه في هذا التنقيح الجديد أنه رويَ في "تاريخ ابن عساكر" (9/277) من طريق الدِّيْنَوَري في "المجالسة" (1/266) وأحمد بن مروان الدينوري المالكي رماه الدارقطني بالوضع كما في "لسان الميزان" (1/309) وشيخه محمد بن يونس الكُدَيمي قال الحافظ ابن حجر في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (9/477): (وقال حمزة السهمي: سمعت الدارقطني يقول: كان الكُدَيمي يُتَّهَمُ بوضع الحديث... وقال الدارقطني ما أحسن القول فيه إلا من لم يخبر حاله، وقال ابن حِبَّان: كان يضع الحديث لعله قد وضع على الثقات أكثر من ألف حديث. وقال ابن عَدِي: قد اتُّهِمَ بالوضع وادَّعى الرواية عمن لم يَرَهُمْ ترك عامة مشائخنا الرواية عنه)].
وإذا ثبت الآن أنَّ حديث: ((آمن شعر أمية وكفر قلبه)) مكذوب موضوع ثبت أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحكم على شعره بالإيمان، لكن جاء في "صحيح مسلم" (4/1767/2255) ومسند أبي داود الطيالسي (1271) أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن كاد لَـيُسْلِمُ في شعـره)) وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن صحَّ ذلك عنه يدل على أمرين:
الأول: أنه لم يحكم بإيمانه ولا بإيمان شعره، وإنما دلَّ على أنه كاد أن يسلم الرجل لكنه لم يسلم.
الثاني: أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ((إن كاد ليسلم)) أي لِـمَا في تلك الأبيات من الإقرار بالوحدانية والبعث والاعتراف بوجود الله!! وليس لأنه قال: إنَّ الله له عرش في السماء وأنه في السماء!! فانتبه!!
قال المناوي في "فيض القدير" (1/57): [أمية ابن أبي الصلت:... من شعراء الجاهلية مبرهن غواص على المعاني معتن بالحقائق متعبد في الجاهلية يلبس المسوح ويطمع في النبوة ويؤمن بالبعث وهو أول من كتب باسمك اللهم. وزعم الكلاباذي أنه كان يهودياً ويقال إنه دخل في النصرانية وأكثر في شعره من ذكر التوحيد وأحوال القيامة والزهد والرقائق والحكم والمواعظ والأمثال..... فلم ينفعه ما تلفظ به مع جحود قلبه]. ومن اليهودية جاء ذكر أنَّ الله في السماء عنده!! مع أنَّ العرب كما تقدَّم كانت تُعَبِّـر بوصف الشيء في السماء على الجلال والرفعة والعظمة وعلو الشأن لا على ما تريده المجسمة فافهم!!
ثمَّ اعلم أنَّ الأبيات التي طلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الشريد أن ينشده إياها ليست هذه الأبيات إذ لم تذكرها الروايات الصحيحة فإيراد المجسمة هذه الأبيات وادِّعاؤهم أنه من أجلها قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ((آمن شعر أمية)) كذب بحت وتقويل باطل!! ويجب أن نتنبَّـه هنا أيضاً إلى أنَّ ما وقع في "صحيح مسلم" من قوله ((إن كاد ليسلم)) لم يتفق جميع الرواة عليه بل رواه البعض دون الآخرين فيحتمل أنه من زيادات الرواة. وليس من كلامه ، انظر "صحيح مسلم" (2256).
بيان بطلان الأبيات المستشنعة التي تنسب الله تعالى إلى المكان و تحدد حجمه تعالى الله عن ذلك:
-
- مشاركات: 777
- اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm