التعليق على حديث: (لا شخص أحب للغيرة من الله عز وجل):

أحاديث العقائد
أضف رد جديد
عود الخيزران
مشاركات: 777
اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm

التعليق على حديث: (لا شخص أحب للغيرة من الله عز وجل):

مشاركة بواسطة عود الخيزران »

التعليق على حديث: (لا شخص أحب للغيرة من الله عز وجل):

أقول:

لفظ (شخص) لا يثبت في هذا الحديث وإن ورد في بعض روايات الصحيحين، لأن البخاري ومسلم رويا هذا الحديث أيضاً بلفظ (لا أحد) بدل (لا شخص) ورواه مسلم أيضاً بلفظ ثالث وهو: (لا شيءَ أغيرُ من الله) وروياه أيضاً بلفظ رابع ليس فيه هذه الألفاظ الثلاثة التي هي: (شخص) و (أحد) و (شيء) فيكون لفظ (شخص) من تصرُّف الرواة قطعاً لما سنبينه أكثر إن شاء الله تعالى.
فقد رواه البخاري (6846) من حديث المغيرة بلفظ: (فَقَالَ أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي). ورواه البخاري (7416) أيضاً عن المغيرة بلفظ (أحد) ونصه: [أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ].
فهو تارة يُروى بالخصوص من حديث المغيرة بلفظ (شخص) وتارة لا يروى فيه لفظ (شخص). واللفظ الذي فيه (شخص) بَوَّبَ عليه البخاري باباً في صحيحه فذكره مُعَلَّقاً، فقال: (باب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا شخصَ أغيرُ من الله"). ولم يروه مسنداً في صحيحه بلفظ (شخص)!ولفظه مسنداً في مسلم (1499): عن المغيرة بن شعبة: (لا شخص أغير من الله). وهو مروي عن السيدة أسماء بنت أبي بكر بلفظين، أحدهما: (لا أحدَ أغيرُ من الله) رواه الطبراني (24/83و84) بأسانيد كثيرة، واللفظ الثاني عنها: (لا شيءَ أغيرُ من الله) وهذا رواه البخاري (5222) مسلم (2762) وكذا عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (4/248) وقال عقبه: [قال عبيد الله القواريري: ليس حديثٌ أشد على الجهمية من هذا الحديث قوله (لا شخص أحب إليه مدحه من الله عز وجل)]. وهذا كلام مردود على القواريري وغيره ولا قيمة له ونحن نقول بأن لفظ (شخص) باطل مردود. فالظاهر أن بعضهم ذكر هذه اللفظة لمكايدة من يسمونهم جهمية!
ورواه البخاري (5220) ومسلم (2760) وغيرهما من طرق عديدة وبأسانيد كثيرة من حديث ابن مسعود رفعه ليس في واحد منها لفظ (شخص) ولفظه: (مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ).
ورواه البخاري (5221) ومسلم (901) أيضاً عن السيدة عائشة بلفظ: (ما أَحَدٌ أغير من الله). ورواه مسلم (1498) من حديث أبي هريرة وليس فيه (شخص) أيضاً ولفظه: (اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ إِنَّهُ لَغَيُورٌ وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي).
فَتَلَخَّصَ من هذا، أن الحديث رُوي عن ابن مسعود والسيدة عائشة والسيدة أسماء وأبي هريرة ورواية أيضاً عن المغيرة ليس فيه لفظ (شخص)! إذاً الرواية عن المغيرة مضطربة فتارة ورد فيها لفظ الشخص وتارة لم يرد! والآخرون من الصحابة خالفوا الرواية التي فيها لفظ (شخص) ولذلك قطعنا بأن لفظ (شخص) شاذ مردود لا يلتفت إليه! وأن كلام ابن حجر في محاولة إثبات لفظ (شخص) وتأويلها مردود لا قيمة له! لأن فيها تكذيب أو توهيم جمهور الرواة الثقات وتقديم القِلّة أو الغريب الفرد عليهم وهذا غير منطقي أبداً في الصناعة الحديثية! وهذا عكس دعوى ابن حجر والكَرْماني كما سيأتي إن شاء الله تعالى!
وإليكم ما قاله هناك في "الفتح" (13/400): [.. قال الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَيْسَ فِي قَوْله: "لَا شَخْص أَغْيَر مِنْ اللَّه" إِثْبَات أَنَّ اللَّه شَخْص.. وَقَالَ اِبْن بَطَّال: اِخْتَلَفَتْ أَلْفَاظ هَذَا الْحَدِيث فَلَمْ يُخْتَلَف فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ بِلَفْظِ لَا أَحَد، فَظَهَرَ أَنَّ لَفْظ شَخْص جَاءَ مَوْضِع أَحَد فَكَأَنَّهُ مِنْ تَصَرُّف الرَّاوِي.. قُلْت: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَد وَقَدْ قَرَّرَهُ اِبْن فَوْرَكٍ وَمِنْهُ أَخَذَهُ اِبْن بَطَّال.. وَأَمَّا الْخَطَّابِيُّ فَبَنَى عَلَى أَنَّ هَذَا التَّرْكِيب يَقْتَضِي إِثْبَات هَذَا الْوَصْف لِلَّهِ تَعَالَى فَبَالَغَ فِي الْإِنْكَار وَتَخْطِئَة الرَّاوِي، فَقَالَ: إِطْلَاق الشَّخْص فِي صِفَات اللَّه تَعَالَى غَيْر جَائِز؛ لِأَنَّ الشَّخْص لَا يَكُون إِلَّا جِسْمًا مُؤَلَّفًا فَخَلِيق أَنْ لَا تَكُون هَذِهِ اللَّفْظَة صَحِيحَة، وَأَنْ تَكُون تَصْحِيفًا مِنْ الرَّاوِي وَدَلِيل ذَلِكَ أَنَّ أَبَا عَوَانَة رَوَى هَذَا الْخَبَر عَنْ عَبْد الْمَلِك فَلَمْ يَذْكُرهَا، وَوَقَعَ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَأَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر بِلَفْظِ "شَيْء" وَالشَّيْء وَالشَّخْص فِي الْوَزْن سَوَاء، فَمَنْ لَمْ يُمْعِن فِي الِاسْتِمَاع لَمْ يَأْمَن الْوَهْم وَلَيْسَ كُلٌّ مِنْ الرُّوَاة يُرَاعِي لَفْظ الْحَدِيث حَتَّى لَا يَتَعَدَّاهُ، بَلْ كَثِير مِنْهُمْ يُحَدِّث بِالْمَعْنَى وَلَيْسَ كُلّهمْ فَهِمًا بَلْ فِي كَلَام بَعْضهمْ جَفَاء وَتَعَجْرُف، فَلَعَلَّ لَفْظ شَخْص جَرَى عَلَى هَذَا السَّبِيل إِنْ لَمْ يَكُنْ غَلَطًا مِنْ قَبِيل التَّصْحِيف يَعْنِي السَّمْعِيّ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ عُبَيْد اللَّه بْن عَمْرو اِنْفَرَدَ عَنْ عَبْد الْمَلِك فَلَمْ يُتَابَع عَلَيْهِ وَاعْتَوَرَهُ الْفَسَاد مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُه..]. أقول: إلى هنا كلام الحافظ جيد ثم أكمله بكلام مردود لا قيمة له فقال: [وَطَعْنُ الْخَطَّابِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي السَّنَد مَبْنِيّ عَلَى تَفَرُّد عُبَيْد اللَّه بْن عَمْرو بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ وَكَلَامه ظَاهِر فِي أَنَّهُ لَمْ يُرَاجِع صَحِيح مُسْلِم وَلَا غَيْره مِنْ الْكُتُب الَّتِي وَقَعَ فِيهَا هَذَا اللَّفْظ مِنْ غَيْر رِوَايَة عُبَيْد اللَّه بْن عَمْرو، وَرَدّ الرِّوَايَات الصَّحِيحَة وَالطَّعْن فِي أَئِمَّة الْحَدِيث الضَّابِطِينَ مَعَ إِمْكَان تَوْجِيه مَا رَوَوْا مِنْ الْأُمُور الَّتِي أَقْدَمَ عَلَيْهَا كَثِير مِنْ غَيْر أَهْل الْحَدِيث، وَهُوَ يَقْتَضِي قُصُور فَهْم مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: لَا حَاجَة لِتَخْطِئَةِ الرُّوَاة الثِّقَات بَلْ حُكْم هَذَا حُكْم سَائِر الْمُتَشَابِهَات، إِمَّا التَّفْوِيض وَإِمَّا التَّأْوِيل]. وأقول: إن بعض الرواة الثقات الذين رووا الحديث بلفظ (شخص) ليسوا بمعصومين! وهم القلة! ورواياتهم هنا بلفظ (شخص) ظاهرة الاضطراب، وهي من باب الشاذ المردود! فالتعصب لهذا اللفظ أو ما رواه بعض الثقات -مع الانتباه إلى أن النبي | لم ينطق إلا بلفظ واحد من هذه الألفاظ- والدفاع عن لفظ (شخص) الذي اختلف الثقات في روايته لا معنى له! لا سيما والحافظ ابن حجر نفسه قال قبل ذلك بأسطر كما قدَّمناه: (فَظَهَرَ أَنَّ لَفْظ شَخْص جَاءَ مَوْضِع أَحَد فَكَأَنَّهُ مِنْ تَصَرُّف الرَّاوِي.. قُلْت : وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَد) (!!) وعليه هنا ملاحظات قد نبسطها في موضع آخر، منها: أن المعترضين على لفظ (شخص) ليسوا كما وصفهم ابن حجر (من غير أهل الحديث!) بل هم من جهابذة الحفاظ وأهل الحديث كالإسماعيلي وابن بطَّال والخطَّابي وغيرهم! فهو يريد أن يحافظ على عصمة كتاب البخاري بالحرص على لفظة (شخص) الواردة فيه بلا إسناد وإن كان فيها ما فيها في حق الله عز وجل! وهذا من أعجب العجب! ثم قال الحافظ: [وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: أَصْل وَضْع الشَّخْص يَعْنِي فِي اللُّغَة لِجِرْمِ الْإِنْسَان وَجِسْمه، يُقَال شَخْص فُلَان وَجُثْمَانه، وَاسْتُعْمِلَ فِي كُلّ شَيْء ظَاهِر، يُقَال شَخَصَ الشَّيْء إِذَا ظَهَرَ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُحَال عَلَى اللَّه تَعَالَى فَوَجَبَ تَأْوِيله، فَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا مُرْتَفِع، وَقِيلَ لَا شَيْء]. فالحافظ يريد أن يثبت اللفظ ويريد أن يؤوله أو يفوضه وهذا مسلك ورأي مردود وغير مقبول هنا. فتبين من كل ما تقدّم أن لفظ (شخص) من تصرُّفات الرواة وليس من كلام النبي المعصوم | فهذا لفظشاذ مردود! ولذلك نقول بأنه لا يجوز أن نبني على خبر الواحد قصوراً وعوالي في العقائد وخاصة فيما يتعلق بذات الله تعالى أو في أصل من أصول الدين لاحتمال الخطأ. والشخص هو السواد الذي يُرى من بُعْد، وقد أورد الحديث بلفظ (شخص) ناقداً له شيخُنا الإمامُ المُحَدِّث سيدي عبدالله ابن الصدّيق الغماري رحمه الله وأعلى درجته في كتابه الفذ "الفتح المبين بنقد كتاب الأربعين" الذي ردَّ فيه على كلام المجسم أبي إسماعيل الهروي.
قال النووي في "شرح مسلم" (5/268): [قَالَ الْعُلَمَاء الْغَيْرَة بِفَتْحِ الْغَيْن وَأَصْلهَا الْمَنْع وَالرَّجُل غَيُور عَلَى أَهْله أَيْ يَمْنَعهُمْ مِنْ التَّعَلُّق بِأَجْنَبِيٍّ بِنَظَرٍ أَوْ حَدِيث أَوْ غَيْره ، وَالْغَيْرَة صِفَة كَمَالِ فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِأَنَّ سَعْدًا غَيُور، وَأَنَّهُ أَغْيَر مِنْهُ، وَأَنَّ اللَّه أَغْيَر مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ مِنْ أَجْل ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِش، فَهَذَا تَفْسِير لِمَعْنَى غَيْرَة اللَّه تَعَالَى أَيْ أَنَّهَا مَنْعه سُبْحَانه وَتَعَالَى النَّاس مِنْ الْفَوَاحِش لَكِنْ الْغَيْرَة فِي حَقّ النَّاس يُقَارِنهَا تَغَيُّر حَال الْإِنْسَان وَانْزِعَاجه وَهَذَا مُسْتَحِيل فِي غَيْرَة اللَّه تَعَالَى].
أضف رد جديد

العودة إلى ”أحاديث العقائد“